اتصل بنا
 

يارا العكور .. طفلة سورية تروية حكاية اسمها ألم

نيسان ـ نشر في 2015-05-23 الساعة 23:25

x
نيسان ـ

يارا عكور طفلة سورية تبلغ من العمر ١٧ عام خصت صحيفة نيسان بنص سنترككم معه من دون تعليق

"كيف لي أن أعيد ترتيب أوراقي من جديد وأنا طفلة وحيدة تائهة في هذا العالم الغريب، لا احد يعلم أين انا ولا يكترث أن عشت أو مت، بقائي على قيد الحياة ما عاد يعني لي أي شيء".. هذا ما كنت أردده ليله تلو أخرى ثم اخرج للعمل لأكسب قوت يومي في كل صباح بعد أن كنت طفلة مدللة اذهب وأختي الى المدرسة لألقى صديقاتي ومعلماتي واخذ دروسي، كثيرا ما كنت أفكر إذا مت هل سألقى عائلتي وأبقى معهم ونعود سويا كما كنا، فما عدت أقوى على رؤية دمعات عمي كلما رآني وأنا ارتدي لباس التنظيف لأنظف منازل الناس، فقد كان عمي فقيرا مريضا هزيلا يعمل حارسا لعمارة لا ادري أن كانت تطلق عليها اسم عماره فهي أشبه ببرج عالٍ مخيف.

لم أكن أملك سوى دموعٍ اذرفها على خدي وعلى الأوراق المتناثرة التي لا تحمل سوى مناجاتي لامي وأختي، ما الذنب الذي اقترفته لأواجه تلك الصدمات وأرى في النفوس ما لم أره من قبل، كنت طفلة، وبيوم وليلة أصبحت أما وأبا وأختا وصديقة لنفسي تارةً أواسيني وتارةً امسح على رأسي وتارةً أخرى العب مع نفسي في خيالي حتى لا يزعج عمي في صوتي.

لا ادري إن كانت كتاباتي قد توصل شدة وبشاعة ما أواجهه، كيف لي أن اصف الألم والحزن الذي أراه واشعر به، ترجف أناملي وتتبعثر كتاباتي فيحل الصمت وتُذرف الدموع، هكذا تبدأ كل ليلة؛ وذلك بسبب أولئك المجرمين الذين لا يحملون في قلبهم ذره رحمة فرغبتهم بالذبح والقتل جردتهم من مشاعر الانسانية التي كرمنا الله بها بني البشر .

لم تبدأ حكايتي بـ"كان يا ما كان"و إنما بدأت بآهٍ وحسرة وصمت شديد تقشعر له الأبدان وتتفطر له القلوب، لم أروِ لكم قصتي لأشعر بالأسى من أحدكم أو أحصل على عطفكم، بل لأريكم ما فعله القاتلون بي وبعائلتي وكيف تغيرت حياتي في لحظة واحدة دون سابق إنذار. أشعر أن قلبي توقف عن النبض للعيش وإنما أصبح ينبض بحثا عن الانتقام، لم يزرع هؤلاء القاتلون في قلبي سوى بذور الحقد والكراهية، التي لطالما حاولت جميع الأديان استئصالها من جذورها.

فما اذكره أننا كنا نلعب الغميضة وكنت قد بدأت العد وذهبت أختي وامي للاختباء، كنت اسمع همساتهم وضحكاتهم، كلما أسرعت بالعد لأبدأ بالبحث، صرخت أختي "سندس ابطئي العد لا تغشي" و "راحت تمتماتهم هي وأمي باختيار المكان المناسب للاختباء بالتلاشي شيئا فشيئا كان ذلك آخر ما سمعته منهم قبل حصول ما حصل.

كانت السعادة تغمرنا .. ما زال حديثهم يدور في رأسي يصدع قلبي ويفجر انهارا من الدمع قد فاضت على غيابهم .. بأي حق قد افترقنا وبأي ذنب قد تبعثرت أشلائهم، ذهبتا ليختبئا مني ولم تعودا، في كل يوم استيقظ باكية أريد أمي .. أريد أختي .. ألا يكفي غياب والدي عنا منذ نعومة أظفاري بحادث سيارة نتيجة طيش احد الشبان الجاهلين ؟؟ وحيدة انا ومن حولي ينظرون إلي بعيون قد غطاها قناع الحزن والأسى وفي حقيقة الأمر ينظرون إلي كسلعة يريدون الكسب منها عاجلا أم أجلا !!

كانت أمي أغلى ما نملك وأروع هدية قد تلقيناها انا وأختي، كنا ننام سوياً على أنغام صوتها الغالي، وهي تروي لنا القصص، واحده تلو الأخرى بلا كلل أو ملل .. والآن اروي قصتي في كل ليلة بلا كلل أو ملل، تلك أمي وتلك اختي .. توقفت عقارب الزمن لحياتي منذ تلك اللحظة، ما عدت أشعر بشيء سوى الوحدة والبرد القارص والآمٌ قد غلّفت جسدي وما عدت أرى شيء سوى الظلام ،غطاءٌ اسودٌ من الحزن والالم قد غطاني من أعلى رأسي الى اسفل قدمي. اتمنى الموت في كل لحظة فما عادت أيامي تعني لي شيئا بعد غياب من هم اغلى على قلبي من نفسي ..

حاول عمي جاهدا أن يخفف عني هم ما حصل، وكان من حولي من الأقارب والأصدقاء.. كلهم وقفوا الى جانبي، يحاولون مواساتي بقولهم "الله أعطى والله اخذ"، لكن لم تنفك تلك المشاهد المؤلمة تجتاحني، ولم تتوقف أفعال المجرمين ففي كل يوم نسمع في إذاعة الأخبار عن قتل وذبح وتشريد، يعتصر قلبي ألما ليس فقط على ما حل بي بل، أيضا على ما حل بالآخرين، فهم يشعرون بما اشعر به من مشاعر الألم، والبغضاء والكراهية، فما كان يمضي من الوقت بالايام القليلة الا وهناك خبر قتل الابرياء على ايدي الارهابين ، ايا كان جنسهم ودينهم فهم ابرياء !!

صرخااات بحجم دوي الانفجار قد دفنت في قعر انفاسي تلتهم ما تبقى من احشائي قد تعطشت للخروج في وجه احد هؤلاء المجرمين قاتلي عائلتي والاف العائلات الاخرى، تائهة انا بين شوقي لعائلتي و شوقي للثأر من المجرمين الحاقدين .. البسوا انفسهم لباس الدين، قتلوا وشردوا وذبحوا باسم الدين واي دين يتحدثون عنه الارهاب لا دين له والاسلام بريء منه الى يوم الدين.

سألت نفسي مرارا وتكرارا ، الم يحاسبوا انفسهم عما فعلوه ؟ الم يحرك فيهم ساكنا قوله تعالى "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ"صدق الله العظيم .

ويلكم من رب كريم رحيم نهى عن سفك الدماء وسفكتموها بلا وجه حق فالله بيني و بينكم يا اعداء الله، كنا نتلذذ بسماع قصص الانبياء والرسل ونفاخر الدنيا بما يحمله ديننا من رحمه وكرم ولطف وعما بثه فينا الرسول الكريم عن سماحه الاديان وان الاديان السماوية هي من عند الله وحده الذي حرم الظلم على نفسه و حرمه على بني البشر، وها انتم تهدمون ما قد بناه رسولنا الكريم منذ ابتعاثه الى يومنا هذا، قتلكم و ذبحكم للمسلمين و غير المسلمين لن يزيدنا إلا ثباتا في وجهكم فوالله وعزته وجلاله سنبقى على ما عاهدنا الله ورسوله عليه الى ان تموتوا بغيظكم فانتم لستم منا ولا نحن منكم بريئون منكم الى يوم الدين ، ساقف امام رب العالمين اطالب بحقي و حق الالاف من مثلي فما وعدنا ربنا حق و انا على يقين من ذلك اليوم .

ما يؤلمني ويزيد من قلبي حسره فوق حسره انه في ذلك اليوم المشؤوم لحظة الانفجار قبل أن افقد الوعي سمعتهم ينادون بعضهم باسمائهم، احدهم يدعى معتصم والاخر ايمن ما ان رأونا على الارض وقد غطتنني الدماء قال احدهم للآخر ساخرا "بضربه واحده قتلنا حي بكامله"، انتم لستم ببشر تتفاخرون بقتلكم وذبحكم للاخرين دون ان يرتجف لكم طرف قساةٌ انتم منزوعو مشاعر الانسانية، بعد سماعهم ما قالوه فقدت الوعي وما ان استيقظت وجدت نفسي محاطةً برجال الانقاذ والاطباء، ما كنت اعلم ما الذي حدث وكيف حدث ولا اعلم اين عائلتي.

اخفت السلطات عني حقيقة فقداني لامي واختي الى ان اشفى من كسوري وجروحي، وكلما سألتهم عنهم اجابوني انهم بخير لكن يمنع دخولهم في الوقت الراهن !

قلوب لا تعرف الرحمة، اصلب من الفولاذ وابرد من الثلج ترتوي بدماء الابرياء وتتغذى على الم الضعفاء، لن اجعل من ألمي ويأسي جسرا تصلون به الى غاياتكم ومبتغاكم سأرفع صوتي واسمع الاصم وادعو عليكم في غسق الدجا عل ربي يجعل فيكم العبر والحكم . آذيتمونا دون اي وجه حق، شردتموني واظلمتم دربي وطريقي، سأجعل من روح امي شعلة تنير دربي و تدفئ صدري ، حرمتومني جسدها لكن الله اكرمني بروحها ، حرمتموني من حضنها الدافئ والله اكرمني بطمأنينتها ، ستبقى امي بجانبي ما حييت ولن اضعف ولن اهزم .

وبينما أنا جالسه اقص عليكم حكايتي، واذ بعمي يدخل الغرفة فوجد الفوضى قد احتضنتها ودموع قد سالت كسيلٍ غير منقطع، فضمني الى صدره واخذ يحدثني عن الاسلام وعلاقته بالاديان السماوية وان الله قد انزل الكتب السماوية وبعث الرسل كي يرشدوا الى طريق الحق و الصواب ، و ان ما فعله المجرمون ليس له اي علاقة باي من الاديان التي بعثها الله عز وجل و ان كل من الكتب السماويه قد وجد فيها دليل على حرمه القتل دون سبب، ابتداء بالتوراة والإنجيل، وانتهاء بإسلامنا العظيم "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ "صدق الله العظيم

في تلك الأثناء شعرت بانني لست وحيدةً في محاربة هؤلاء المجرمين فالله معي والاديان معي والكتب السماوية. ان كان العقل البشري البسيط يستنكر ما فعله الارهابيون فكيف بالله الخالق الرحمن الرحيم منزل الاديان وواهب كل شيء، ايقنت انني لن استسلم ولن اهزم وسابقى ادافع عن الحق ومن معي ممن يحملون العقول سنحاربهم ونقاومهم ونستنكر افاعلهم الى ان يتوقفوا، لن اعاملهم بالمثل واقتل كما قتلوا لان ذلك ما يريدونه. انار عمي دربي واوضح لي ما كنت اجهله، نعم غرسوا في بذور الحقد والكراهية، ولكن الان قد اقتلعت تلك البذور من جذورها ، فما اراده الارهابيون قد ازيل وما عاد له اي وجود، حينها فقط علمت ان علي ان اذكر للناس حكايتي وواضح لهم ما قد اوضحه لي عمي، وازيل ما قد زرعوه في قلوب البشر، فزمن الخوف قد ولا و بدأ عهد جديد عهد الصمود ومقاومة الارهاب مقاومة مشروعه ليس بالسلاح باستنكار افعالهم وردعهم واعلامهم اننا لم نعد نخشاهم فقد توحدت صفوفنا و قويت شوكتنا و سنسكتكم ان شئتم ام ابيتم.

واعلموا ان حكايتي لن تنتهي ها هنا ولن اتوقف، سأبقى ادافع واناضل و اقول ما يجول بخاطري في حق هؤلاء الارهابيين بلا كلل او ملل.

واخيرا وليس اخرا سأبقى في العمل لاعيل نفسي وعمي واسجل في المدرسة بدوام مسائي، فقد تفضلت المملكه الاردنية الهاشمية بتخصيص وقت دراسي لنا، فما اكرمها من دولة وما اعظم حاكمها، اني ادعو كل ليلة ان يديم عليهم امنهم و ان يبعد المجريمين الحاقدين عن طريقهم ، فرغم محدودية دخلها الا انها اثبتت في جميع الازمات انها الملجأ الوحيد بعد الله عز وجل و اثبت شعبها انهم اهل كرم ولطف بسخاء، و ليس ذلك عليهم ببعيد فملكهم عبدالله الثاني ابن الحسين . تعجز كلماتي عن بوح ما بخاطري فانا الان اتمنى ان اكون أردنية الجنسية افخر بمليكي ونسبي، وسأبقى رافعة رأسي كما طلب جلالته رغم اني لست بأردنية الجنسية لكن يكفي ان يكون ولائي أأردني لافتخر به وارفع رأسي عاليا.

نيسان ـ نشر في 2015-05-23 الساعة 23:25

الكلمات الأكثر بحثاً