اتصل بنا
 

جريمة مقلقة في الأردن

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2016-09-26 الساعة 11:37

للخوف في الأردن بعد جريمة قتل ناهض حتر، والتي يريد بعض الأشخاص الاستفادة منها لترويج أجنداتهم الطائفية والمتطرفة، وذلك بعدما رفضت المحاكم الأردنية قضية خريج الهندسة رياض إسماعيل أحمد عبدالله الذي اعتبر أن الله أناط به القصاص من حتر والقتل بالرصاص الميسور، وهو ما يشكل خطرًا مفزعًا على الأردنيين.
نيسان ـ

لا تُقنع المحاكم الأردنية خرّيج الهندسة، رياض إسماعيل أحمد عبدالله (49 عاماً). وأن يمثُل ناهض حتّر أمام إحداها لمقاضاته في مسألة اتهامه بالإساءة إلى الذات الإلهية أمرٌ لا يعني له شيئاً، فالتّثبت من صحة الاتهام أو خطئه تضييعٌ للوقت، بحسب ما يرى هذا الشاب الذي كان إمام مسجدٍ قبل أن يُزاح عن هذا العمل. ويبدو أن دراسته الهندسة في الجامعة لم تصنع منه رجلاً يحتكم إلى العلم والعقل والمعرفة، فقناعتُه أن العليّ القدير أناط به القصاص من حتّر، وبالقتل، بالرصاص الميسور مثلاً، كما فعل، أمس، في جريمته الصادمة التي أقام فيها مقتضى الدين وصحيح الإسلام، على ما تزيّن له أوهامه السوداء.
تعني هذه الحالة أننا أمام خطرٍ مفزع. ولذلك، من حقّ الأردنيين، في أي مطرح، ومن أي منبتٍ أو أيّ ملة كانوا، أن يخافوا. ومن أسباب خوفهم الواجب والمطلوب أن ما أقدم عليه رياض إسماعيل أحمد عبد الله غير مسبوقٍ أبداً في بلدهم، فلم يُستهدف أيّ أردنيٍّ ذي حيثية بأيّ اغتيال، منذ التفجير في مقر رئاسة الحكومة في 1960، وأودى برئيس الوزراء في حينه، هزّاع المجالي، وأحد عشر شخصاً معه. بل إن جرائم الاغتيال التي شهدتها المملكة استهدفت اللبناني رياض الصلح (1951) والفلسطيني فهد القواسمي (1984) والأميركي لورنس فولي (2002)، واتصلت ثلاثتها لدى مقترفيها بأبعادٍ وأغراضٍ تخصّ الخارج.
ومن أسباب الخوف، المُنادى هنا بأن يزاوله الأردنيون بعد قتل ناهض حتر، أن ظلالاً طائفيّةً مقيتةً يريد أصحاب الهوى الداعشي والسلفي المتشدّد أن يطبعوا بها ما يحيط بالحكاية كلها، منذ نَشَر المغدور ذلك الرسم الكاريكاتيري البائس، وصولاً إلى إزهاق روحه، وقد أشاعوا أنه ما نشر ذلك الرسم، وهو ليس من صنعه، ساعاتٍ في صفحته في "فيسبوك"، إلا صدوراً عن انتسابه إلى المسيحية. وهذا اختراعٌ مريضٌ وقاصرٌ من عنديّات هؤلاء الذين لم يكترثوا بتوضيحٍ نشره الرجل، ولا باعتذاره لكل المؤمنين من أي إساءةٍ لم يقصدها. وهؤلاء في الأصل لا يعرفون شيئاً عن ضحيتهم، وعن مشاغله الثقافية والسياسية، ولو قرأوا له جيّداً، لوجدوا أسباباً غير قليلة لخصومته، لن يكون منها أيّ تعريضٍ منه بالله، جلّ جلاله، ولا بالإسلام. ومع أرجحية أن قليلين بين الأردنيين يماثلون رياض إسماعيل أحمد عبدالله في أولوية الرصاص لديه، إلا أنه لم يعد جائزاً الاستهانة بأعداد من تُعشّش في أخيلتهم وأفهامهم، من الأردنيين، أفكار زميلهم هذا، قاتل ناهض حتّر صباح أمس، في جريمةٍ مروّعة، لا تجوز اللعثمة في رميها بأشدّ عبارات الغضب والاستنكار.
كان الإجماع العريض على استنكار هول الجريمة، من كل تمثيلات المجتمع الأردني وقواه المدنيّة، ومن عموم الأحزاب والاتجاهات والأهواء، مبعث اطمئنان، ولا سيما أنه إجماعٌ وقع على المخاطر التي قد تُحدثها الفعلة السوداء على النسيج الأهلي، إذا ما استطاب بعضُهم الذهاب إلى مقاصد مرذولة، بالإحالة، مثلاً، إلى منبتي القاتل والقتيل، وتأليف خرافاتٍ لا موطن لها في بواعث الجريمة. وهذه رسالة بطريرك القدس ورئيس أساقفة اللاتين، ميشال صباح، إلى الملك عبدالله الثاني والأسرة الأردنية الواحدة، تدعو، في هذه النازلة، إلى الحكمة وتعزيز المحبّة.
مضى ناهض حتّر إلى قدره الذي لم يحبّه أحد من خصومه الكثيرين. مضى وفي البال أنه أقام على حدّةٍ ظاهرةٍ في التعبير عن أفكاره التي بدت، في أطوار أخيرة منها، ذات أنفاسٍ عنصرية غير خافيةٍ. غادر الدنيا في ميتةٍ تبعثُ على الجزع والأسى، بعد خلافاتٍ شديدةٍ وغير قليلةٍ مع آرائه وقناعاته، في الموضوعين السوري والفلسطيني وغيرهما، غير أنه يحسُن تذكّر سمته الفدائي والحماسي، في منازعته الرأسمالية المتوحشة، وفي قناعته بأردنٍّ مرابطٍ على مناهضة الصهيونية. .. لخصمنا، ناهض حتّر، أوجهٌ مبكّرة في شبابه الأول كانت صافيةً، وعلى غير ما انتهى إليه، وقد صار فاقداً الإحساس الإنساني والموقف الديمقراطي والأخلاقي ضد الاستبداد والتمويت في سورية.. وها هو مقتله المؤسف يورّطنا في زوبعةٍ من تحسّس مخاطر مقلقةٍ في الأردن الذي لا رهان إلا على وعي ناسه، ووطنيّتهم، ونبذهم نموذج رياض إسماعيل أحمد عبدالله.
مشاركة

نيسان ـ نشر في 2016-09-26 الساعة 11:37


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً