اتصل بنا
 

في هجرة السَرْد

نيسان ـ نشر في 2016-09-27 الساعة 12:38

ملتقى السرد الثالث عشر يناقش الرواية العربية في المهجر ويجمع كتاب ونقاد من الدول العربية والأجنبية، ويتناول موضوع الكتاب العرب المهاجرين وأدبهم، ولكنه لم يتطرق إلى الأسباب التي دفعتهم للهجرة أو للحديث عن العلاقة الشائكة بين الكاتب وثقافة بلد المنشأ.
نيسان ـ

عقدت، في الفترة ما بين 17 و21 سبتمبر/ أيلول 2016، في قصر الثقافة في الشارقة، أعمال ملتقى السرد الثالث عشر، تحت عنوان "الرواية العربية في المهجر" الذي تنظمه دائرة الثقافة، بحضور ومشاركة كوكبة من النقاد والأدباء والكتّاب المقيمين في الدول العربية والأجنبية.
كروائية لها تجربة مع الإقامة في الغرب، دُعيت إلى المشاركة، وفي اليومين اللذيْن حضرت خلالهما، ولم يتسنّ لي أن أتحدث عن تجربتي، لأن الورقات التي قرئت كانت طويلةً بشكل لم يتح التدخّل عليها، سجّلتُ ملاحظاتٍ عمّا لم يُقل، وأعتبره جديرا بلفت النظر إليه.
لا شكّ في أن موضوع الملتقى كان مهمّا، وقد انطلق من واقعٍ لا يمكن دحضه، هو أن عدداً كبيراً ومتزايداً (ومرشّحا لأن يرتفع أكثر فأكثر، نظراً للظروف الصعبة جداً التي تمرّ بها المنطقة حالياً) من الكتّاب العرب، يعيشون في بلدان المهجر، ويكتبون من "هناك" بلغتهم الأم، أو بلغة البلاد التي استقبلتهم، وأننا قلّما التفتنا إلى هجرتهم، أو ميّزنا أدبهم عن أدب الذين يكتبون في موطنهم. ربما لأن المواضيع والأساليب قلّما تمايزت، أو لأنهم لم يُحدثوا فرقاً حيث رسَوْا، بمعنى أنهم لم يكونوا وراء نشوء أجواء ثقافية خاصة في البلدان التي هاجروا إليها، كما كانت حال الجيل الأول من الأدباء المهاجرين، من أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وسواهما.
وممّا لم يؤتَ على ذكره في الجلسات التي تعاقبت، وكان لافتا، تجنّبُ الحديث عن الأسباب التي دفعت وتدفع الكتابَ إلى الهجرة إلى بلد آخر، أو إلى لغةٍ أخرى. ففي حين تركّزت أوراقٌ على جهد علمي أكاديميّ مشكور، قام على تصنيف تلك الآداب المهاجرة أو تقسيمها إلى فئاتٍ متمايزة، نسي، أو ربما تناسى المشاركون أن يذكروا العلاقة الشائكة التي بين الكاتب وثقافة بلد المنشأ، وهي الثقافة السائدة عموماً في معظم البلدان العربية، الموجودة أصلاً بفضل كونها "حليفة" أنظمةٍ قامعةٍ في معظمها، مضطهِدة، ضاغطة، تكبت الحريات، وتكمّم الأفواه، وتقطع الأرزاق. فكم كان مهمّا سبر أحوال تلك العلاقة التي تجعل الكاتبَ غريباً أحياناً داخل ثقافته، أو تدفعه إلى الإنتاج خارج حدودها.
من ضمن هؤلاء، الكتّابُ الذين يهجرون اللغة العربية إلى لغاتٍ أجنبيةٍ، لأسبابٍ لا تتعلّق فقط بعدم قدرتهم على الإبداع بلغتهم الأم، أي العربية، كما هي حال الكتاب الفرنكوفونيين على سبيل المثال، مغرباً ومشرقاً، أو الكتّاب الذين هاجروا صغاراً إلى الأميركتين، أو ولدوا فيهما. هنا أيضا، لم تذكر الأوراق المشاركة في الملتقى السرديّ أن من بين أشهرهم من اختاروا طوعاً، وبعد تفكير، أن يكتبوا بلغة الآخر الذي لجأوا إليه، لأسبابٍ قد يكون طموحُ بلوغ العالمية أحدها، أو التواصل مع جمهورٍ عريض "يقرأ"، كما قد يكون "النفور" من اللغة العربية، إذا صحّ التعبير، الدافعَ الفعليّ لها. أذكر، في هذا الصدد، عن أحد الشعراء العرب الذي هاجر مراهقاً إلى فرنسا، وصفه علاقته المرتبكة باللغة العربية التي كان يدرسها صغيرا في كتّاب القرية، والتي تترافق في ذاكرته وعصا الشيخ، وصراخ أبيه، وفلقات أساتذته وتعنيفهم إياه، بالإضافة إلى كل المحرّمات التي كان مجتمعه يرفعها في وجهه، ما حدا به لاحقاً إلى الارتماء في حضن لغةٍ أخرى، يشعر حيالها، أو تشعره، بحرية التعبير.
أخيراً، في مسألة الترجمة و"بلوغ الأدب العربي العالمية"، تمت مقاربة الترجمة إلى لغاتٍ أجنبيةٍ على أنها عملية تعسّفية أحياناً، تسمح للناشر باقتطاع ما يريد من الرواية، أو تحوير بعض معانيها، ولم يؤتَ على ذكر أن الترجمة تفضح عيوبَ النصّ المترجَم، وتُظهر علاته، وأنها، في أحيان كثيرة، قد أنقذت نصوصاً عربية تتسّم بالحشو اللفظي، والاسترسال في غير مكانه، وقلة الدقة والمغالطات، ما جعلها قابلةً للقراءة، بشكل أفضل مما هي في لغتها الأصلية.

نيسان ـ نشر في 2016-09-27 الساعة 12:38


رأي: نجوى بركات

الكلمات الأكثر بحثاً