مبحث الجيش والسياسة عربياً
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2016-10-03 الساعة 11:04
جدل في تونس حول إعطاء منتسبي القوات المسلحة حق الاقتراع في المواسم الانتخابية
يثور في تونس، منذ أيام، جدلٌ بشأن مقترح إعطاء منتسبي القوات المسلحة والمؤسسة الأمنية حقّ الاقتراع في المواسم الانتخابية. ما يعني جرّ هؤلاء إلى تفاصيل اللعبة السياسية في البلاد، وذلك فيما حظي الجيش التونسي بفائضٍ من المدائح، لعدم اقترابه من السياسة، ولاكتفائه، في غضون الثورة، بوظيفته المنوطة به، حماية البلاد وحدودها. ومع أرجحيّة ألا يحوز المقترح التشريع الذي يريدُه من طرحوا الأمر، إلا أن لهذا المستجدّ دلالته، ولا سيما أنه يُخاضُ بشأنه في تونس، وليس في غيرها، أي في النموذج الاستثنائي الأنجح في موجة ثورات الربيع العربي. وييسّر هذا الحال وجاهةً خاصّة لوجهة النظر، أن العلاقة بين الجيش والسياسة في الوطن العربي عويصةٌ، وتفكيك تعقيدها غير هيّن، ولا سيما أن لكل جيشٍ في كل بلد عربي حالته الخاصة إلى حدٍّ بعيد، ما قد يعني أن أي بناءٍ نظريٍّ في تحليل هذه العلاقة، عربياً، يبقى، على الأغلب، غير قادرٍ على التعميم، أو من العسير أن ينسحب على حالاتٍ متعدّدة. وصدوراً عن هذه القناعة، يحوز مؤتمر "الجيش والسياسة في مرحلة التحول الديمقراطي في الوطن العربي"، والذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ويُختتم اليوم في رحاب معهد الدوحة للدراسات العليا، أهميةً بالغة، ليس فقط لإحاطته الواسعة بحالاتٍ عربيةٍ عديدةٍ في شأن هذه العلاقة (السودان، مصر، الجزائر، المغرب، ليبيا، سورية، الأردن، الصومال، موريتانيا، تونس، أمثلةً)، بمقاربة كلٍّ منها درساً وتحليلاً، وبمشاركة 48 باحثاً، وإنما أيضاً لأن الدراسات المتنوعة في المؤتمر تعدّ المساهمات الأوفى والأكثر علميةً، في الدّرس الأكاديمي والتأريخي العربي، في موضوعها.
يُضاعف هذه الأهمية أن هذه الدراسات اتّصفت بسمتٍ أكاديميٍّ ظاهر، لم تخدشْه انحيازاتٌ سياسيةٌ ومواقفُ أيدولوجيةٌ مسبقة، وتبدّت فيها مقاديرُ واضحةٌ من الجاذبية والحيوية في العرض والتحليل وتقديم الخلاصات، خصوصاً في ربطها الراهن والمستجدّ بالماضي والمقدّمات التاريخية في ما بحثت فيه وانشغلت به. وإذا كان من ثناءٍ آخر ممكن على المنجز العام للمؤتمر عموماً، وهو يتصدّى لمسألةٍ متصلةٍ بقضية التحوّل الديمقراطي عربياً، فهو أن الشحّ في المقتربات النظرية في موضوعه لم يكن مشكلةً كبرى في أوراق الباحثين. وقد أشار غير واحدٍ منهم إلى هذا الأمر، وأيضاً إلى أنه لا توجد نظريةٌ واحدةٌ في معالجة العلاقات المدنية العسكرية في الدولة العربية. ولم يُجازف الباحث الموريتاني، محمد عبد الرحمن بابانا، في قوله إن التفكير في إمكانية قيام أنظمةٍ ديمقراطيةٍ في العالم العربي في المدى المنظور شأنٌ صعب. ويمكن القول، هنا، إن من عوائق هذا الحال أن نفوذ الجيش، وأذرعه المدنيّة، في غير بلدٍ عربيٍّ، يتجاوز صناعة القرار، أو الشراكة فيه، إلى الهيمنة على المجال السياسي العام.
ويحسن التذكير، هنا، بأن المؤتمر يتصل أساساً بموضوعة التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي، والتي خصّها المركز العربي سنوياً بمؤتمرٍ علمي، فعقدت في شأنها أربع دوراتٍ سابقة، جاءت على موضوعات الإسلاميين والطائفية والعنف. وبذلك، فإن المشتغلين في مباحث العلوم السياسية سيتوفّرون، مع صدور أوراق "الجيش والسياسة ..." في كتابٍ يضمّها، قريباً، على منجزٍ معرفي، متكاملٍ إلى حد بعيد، يسعفهم في درس الحال العربي وخرائطه ومستجدّاته، ولا سيما أنه حالٌ يعرف تصدّعاً خطيراً تتشظّى فيه الدولة وبنياتُها في غير بلد، من عناوينه تآكل جيوشٍ وتحوّلها إلى نماذج مليشاوية، الأمر الذي يجوز القول، في صدده، إنه من النواتج التي نجمت عن تعاظم الأدوار السياسيّة (والتسلطيّة) التي أدّتها الجيوش في هذه الدول، على غير صعيد، وهي جيوشٌ أخفقت في وظائفها التقليدية، وفي مواجهاتٍ معلومةٍ مع الأعداء والغازين، وتوحّشت، أو تعاملت بفظاظةٍ مشهودة، في تعاملها مع "الجبهة الداخلية"، وهذه تسميةٌ لها دلالات موحية، وأبعادٌ كبيرة، كما أوضح الدكتور عزمي بشارة، في محاضرته الضافية التي افتتح بها المؤتمر الذي أكّد انعقاده، واتّساع ساحات مشاغله، المهمة الحيوية التي يضطلع بها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الأكاديميا العربية.
نيسان ـ نشر في 2016-10-03 الساعة 11:04
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب