ما لايدرك كلّه لايترك جلّه

سأتكلم اليوم بروح منفتحة ، وقد كثرت الأصوات المتسائلة : إلى متى يظل حوار الطرف الواحد بيننا وبين وزارة التربية ،وحتى نبدو إيجابيين مؤمنين بأن ماقمنا ونقوم به غايته الله ثم الوطن والأجيال التي هي أمانة في أعناقنا مثلما هي أمانة في عنق د.محمد الذنيبات فإننا يجب أن نشخّص المشكلة ونبحث عن الحلول ونقترحها على الوزارة فالغاية المبتغاة هم أبناؤنا .
أساس المشكلة كما يعلم الجميع هي في حذف نصوص وأنشطة ومهارات متنوعة من كتب اللغة العربية والتربية الإسلامية والوطنية والتاريخ ، وهي المناهج التي تمثل بمحمولاتها الفكرية والقيمية والوطنية أساس تشكيل شخصيّة الطالب وتكوين فكره واتجاهاته وميوله ، ولما كانت هذه المناهج هي محطّ أنظار كل من يرغب في تعليم المفاهيم فقد أصبحت هذه الكتب موضوع دراسات متنوعة ومختلفة ، ومنذ سنوات بعيدة ، والاتجاه يسير في طريق التغيير في مضامين هذه الكتب ، فوصفت بأنها تكرس الصورة النمطية للشخصية التراثية ، وأنها لاتنصف المرأة ،ولاتعطيها دورها الذي تستحق ، كما اتهمت هذه المناهج بأنها لاتعترف بالآخر ولا تقر بالتنوع في المجتمع الأردني ، ومع ظهور موجة التطرف والإرهاب حمّلت المناهج وزر تعليم الناس هذه التطرف ، وكان من الطبيعي أن تتوجه الأعين إلى المناهج الحاملة للقيم الدينية والقومية ، وكان أن ظهرت أقلام تدّعي الخبرة في تحليل المحتوى لتقدّم دراسات تطوف بها على المحافل والمؤتمرات حاملة دراساتها الأثرية حيث ظلت تقدم نماذج من كتب لم تعد متداولة في وزارة التربية ، ومع ظهور نزعة العلمنة والحديث عن الدولة المدنية عاود أولئك نشاطهم فوافق هواهم هوى بعض المتنفذين ودعاة التغريب غير المدروس مع وجود أشخاص غير قادرين على الدفاع عن المناهج ، أو أنهم ميالون أو منتفعون فاستجابوا للأصوات النشاز التي صورت كتبنا وكأنها كتب "الدولة الإسلامية" في الرّقة ، فتجرأ من تجرأ بوصف هذه الكتب بأنها تعلّم الكراهية ،وأنها تعلّم التطرف وتخرّج المتطرّفين ، فاكتشفنا من حواراتنا معهم أنهم أكثر الناس تطرفا ، وأنهم هم من لايعترفون بالآخر ، ولايقرون بالتنوّع ولايحترمون الأغلبية ، فكان أن تسرّبوا من خلال أشخاص أو لجان أو مجاميع "معلومة" ومعروفة فطفقوا ينزعون ماطالته أيديهم من نصوص دون تدبّر أو دراية أو وعي ،وكانّهم لصوص يخشون افتضاح أمرهم ، فبدا عملهم مشوِّها للكتب المدرسية ، وهو ما استفز الناس على مختلف مشاربهم وآرائهم ، ودفعنا للوقوف في وجه هذا العبث ومقاومته بكل الطرق المشروعة .
وقد كانت كتب اللغة العربية تحديدا أكثر الكتب استهدافا حيث واجهت حملة حذف هائلة تظهر فيها القصدية التي لم تراع الأسس التربوية التي بني عليها المنهاج وسيجد المعلمون صعوبة في ملء الحصص بعد أن حذف ماحذف ، ويعلم الجميع أن العربية تتكىء على القرآن الكريم فهو من حفظها ونشرها وزينها في نفوس أبنائها ،مع ماحملته اللغة من نصوص أدبية متنوعة يستطيع الطالب أن يطل من خلالها على خلاصة الفكر العربي والإسلامي والإنساني من خلال نصوص مشرقة تمثل التنوع في الآراء والقيم والاتجاهات ،فكيف تريدون تجريدها من كل ذلك وكيف لنا أن نثري معجم الطالب اللغوي إن غيـبّنا أهم مصادر اللغة.
إذن على الوزارة أن تقر بوجود مشكلة ، ثم تسعى في حلّها بعيدا عن المغالبة والعناد ، فأبناؤنا يواجهون عاما دراسيا قلقا منذ بداياته ، فكيف إذا جعلناهم موضع تنازع ومغالبة .
يجب أن يظلّ الطلبة بعيدا عن هذا االصراع، وكذلك المعلمون ، إذ إن أمامهم مسؤوليات كبيرة في تعليم الطلبة ، وهم بحكمتهم ووعيهم وخبرتهم قادرون على تعويض أبنائنا مافاتهم أو حذف من كتبهم ، فمن الناحية الفنية ليس بإمكان الوزارة أن تهيء كتبا جديدة بعد بدء العام الدراسي سواء أقرت بالخطأ أم ظلّت على عنـادها وإنكارها .
أما نحن فنتوجه للوزارة إن كان فيها من يصغي أو يبحث عن الحلول أو يفتش عن الحقيقة بمايلي :
أولا : التخلّص من سائر النصوص التي تطبّع مع العدوالصهيوني أو تحاول القفز عن حقيقته الغاصبة بالإشارة أو العبارة أو الخرائط المبهمة.
ثانيا : تأكيد الهوية الإسلامية والعربية في المناهج .
ثالثا : التركيز على قيم التعايش الإسلامي المسيحي وتجنب كل مامن شأنه أن يثير خلافا .
رابعا : تضمين الكتب القيم الإنسانية وحقوق الانسان والتعددية والمفاهيم المعاصرة التي يحتاجها الطالب في مجتمع متنوع.
خامسا : المضي في عملية تطوير المناهج وتعزيزها بكل جديد وحداثي دون إغفال الثراث الأردني والعربي ، مع التركيز على تطويرمباحث العلوم والرياضيات واللغات الأجنبية بما يسهم في بناء جيل قادر على المساهمة في نهضة وطنه وأمته .
وعلى الوزارة بعد ذلك أن تلتفت لمعلميها في جانب الإعداد والتطوير والنمو المهني والوظيفي والإداري والمالي بالطريقة التي تحفظ عليهم كرامتهم وتعزز العطاء والانتماء لديهم