اتصل بنا
 

تجاعيد الزمن

نيسان ـ نشر في 2016-10-04 الساعة 11:46

حياة وفاء: العناية بوالديها وحزنها على فراق أولادها
نيسان ـ

دخلت إلى منزلهم وتوّجهت إلى غرفتهم. هي غرفة صغيرة، تحتوي سريرين، وبجانب كلّ سرير أكياس أدوية، وعكاز لم يعد يجدي نفعاً بعد أن فقد محمد قدرته على المشي، فأصبح منظراً يزّين زاوية الغرفة.
زحف العم محمد، بمساعدة ابنته وفاء، حتى وصل إلى باب الحمام، انتظرَته حتى خرج، غسلت له يديه، وعادت به إلى سريره. جلس وأسند ظهره إلى الجدار، حادثتُه، لكنه لم يسمع. كرّرتْ وفاء سؤالي. لكن، بصوت كاد يسمعه كل من في الجوار، قالت له: أبي إنها تسألك أين هم بقية أولادك؟
نظر إليّ لحظات، تنهد وفجأة امتلأت عيناه بالدموع، اقترب مني، وأجاب: لم أرهم منذ سنوات، أتعلمين؟ اشتقت لأحفادي... وعاد ليستند إلى الحائط، وطلب من وفاء كأساً من الماء. بيدين ترتجفان شرب الماء وتمدّد، أغمض عينيه، لكنّني تأكدت أنه لم ينم، لأنّ دمعة مؤلمة حفرت طريقها على جانب وجهه.
كانت الخالة نائلة تعرفني جيداً، فقد كنت أقضي وقتاً طويلاً في منزلهم، لكن مرضها (الزهايمر) جعلها تسألني في ذاك اليوم ثلاث مراتٍ من أكون، أصبحت تسرد لي قصصاً، حدثت إحداها معها في زمن الصبا، وإحداها من نسج خيالها، وبعد وقت قصير من سردها تعاود القصص نفسها، وتطلب من ابنتها أن تضع لها المرهم على عينيها، وتأبى أن تصدّق أنها وضعته عندما استيقظت من النوم.
وفاء فتاة في العقد الثالث من عمرها، عزباء، لديها خمسة إخوة وأختان، تعيش مع والديها المسنَّين، وبمساعدة من أختها الكبيرة المتزوجة، والقاطنة في المنزل المجاور لهم. تقول إن جميع إخوتها غادروا من دون أن يلتفتوا إلى والديهم، ومن دون أن يسألوها إن كانت تودّ البقاء أو المغادرة.
لا تعيش وفاء حياتها كما باقي الفتيات، لا تخرج من المنزل، خوفاً من أن تخرج أمها وتضيع، أو أن يقع والدها من سريره، ويحصل له أي مكروه.
بابتسامة تخفي هموماً كثيرة، تحدثت وفاء عن والديها، وكيف أنّ أخويها اللذين كانا يعيشان بالقرب منهم، وحتى زمن ليس بعيداً، كان والدها يذهب إليهما حاملاً بيده ما يستطيع من فواكه. ولكن، ما إن أصبح عاجزاً، حتى قرّرا السفر مع عائلتيهما، من دون أن يكترثا إلى ما سيحلّ بوالديهما. وحده أخوها المسافر منذ زمن بعيد يساعدها بإرسال ما يلزمهم من نقود.
بتنهيدةٍ ثقيلة، وهي تنظر إلى العجوزين، أكملت حديثها، وقالت: ما تبقّى لنا، بالإضافة إلى هذا المنزل الذي نقطنه، هو بيتنا القديم، وعندما قرّر أبي إعطائي إياه، عارض إخوتي ذلك. وإلى الآن، لا يصدقون ذلك، وأشكّ في أنهم قريباً سيتهمونني بأنني سرقت ملكية المنزل. لكن، لم تكن النقود تهمني يوماً، ولو أنّها كذلك لرفضت هذا المبلغ القليل الذي يصل إليّ من أخي كل شهر، أقسم أنني مستعدة لفعل أيّ شيء كي لا يكون والداي بحاجة إلى أحد.
ناداني العم محمد وهمس في أذني: أخبري أولادي بأنّ منزلنا الجديد جميل، ونحن مرتاحون جداً، أخبريهم بأنّنا نأكل ما لذ وطاب، ولا ينقصنا شيء والحمد لله.
مهما كان الابن مخطئاً بحق والديه، إلا أنّ قلب الأم لا يطاوعها على كرههم. في بعض لحظات الغضب، كانت تنتفض الخالة نائلة من سريرها، وتوّجه عينيها إليّ، تطلب مني أن أخبر أولادها أنها لا تريد رؤيتهم مجدداً، وتقول: أخبريهم أنّني لا أريد أن أراهم في منزلي. لتعود بعد لحظات، وتسأل وفاء إن كانوا قد اتصلوا أم لا، ذلك هو قلب الأم الذي يعطف على الولد مهما أساء لها.
تشبه حكاية العم محمد والخالة نائلة حكاية مسنين كثيرين ممن غدر بهم الزمن، كما غدر بهم أبناؤهم، لا يخفى أنّ محمد ونائلة جزء من مجتمع يفرح بالمولود، إذا كان ذكراً، ويحزن ويخجل إذا كان أنثى. وقد ندما كثيراً بكل تأكيد عندما لم يجدا سوى ابنتهما وفاء سنداً لهما في عجزهما.
سألتني الخالة نائلة، قبل أن أخرج من غرفتها، قائلة: أولادي أنجبوا أولاداً. هل سيكونون سعداء أو هل سيتذكرونني ووالدهم إذا ما تركهم أولادهم، وهم عجزة وبحاجة إليهم؟

نيسان ـ نشر في 2016-10-04 الساعة 11:46


رأي: آريا حاجي (سورية)

الكلمات الأكثر بحثاً