اتصل بنا
 

كم طار من حمام العرب؟

نيسان ـ نشر في 2016-10-06 الساعة 11:48

قصة ابن كعبر والأعمى والبغلة والعود
نيسان ـ

قال ابن كعبر بيتي شعر في جاريةٍ مليحة، لها في دقّ العود، ولها أختٌ غير شقيقة في بيت وجهاء في قرطبة، وكانت ساعتها في هودجها في أرض السواد، متوجهةً إلى الحجاز، فأغدق عليه، وقد كان صاحب حاجةٍ، فاشترى الملابس والحلوى وبغلةً تقيه شرّ عثرات الجبال، وكان له جار أعمى يرمي عليه كلمات الأذى بشأن جدةٍ له، هربت إلى بلاد الفرس من زمن.
احتار ابن كعبر في أمر الأعمى، والذي ظلّ أمامه جاراً سنوات، مثل نخلةٍ طال عمرها، من دون أن تميل، أو كجذام. احتار ابن كعبر طويلا في أمر الأعمى، أعجبته البغلة. كانت كحلاء، وكما قالوا له إنها من بلاد نهر النيل.
قال لنفسه متعجباً من الأمر: بيتان من شعر يفتحان الروح على شاعرٍ، كان لا يمتلك من ساعتين بغلةً، فامتلكها، وتقرّب له التاجر، والصانع الذي لم يبتسم له يوما، فكان يكركع من الضحك، وهو يصنع للبغلة السرج. وما انقطعت عنه القهوة في الدكّان، حتى انتهى من السّرج. وقال أيضا بعض الملح والنكات على المماليك الجراكسة، أضحكته وحرّكت فيه نار القصيد. فما أعجب الشعر، هكذا قال لنفسه، وأكمل :.... وما أطيب اليد إن طالت درهماً في بلاد العرب.....
الا أن الأعمى ظل كما هو على حاله أعمى، ولا يرى منه سوى نقصية جدةٍ من غابر الأيام والسنين، هربت منهم، حيث لم يكن ابن كعبر قد ولد، إلى بلاد الفرس.
كانت ليلة عيد، فاشترى جلباباً جديداً للأعمى، كي ينسى الأعمى البغلة، حتى ولو ساعة العيد فقط. ولكن، قيل له إنه باع، أمس، منزله لضارب عودٍ من أصفهان، فرقص قلب ابن كعبر على ذكر أصفهان، ودقّ العود على باب بيته، فعلا صوت البغلة، وكأن السرور أتاها.
من هو ابن كعبر؟ لا أعرف، ولا أريد أن أعرف. ومن هو الأعمى؟. العميان كُثر، ولماذا كان العود؟ وهل هناك أكثر محزنةً لأبناء العرب من حزن العود، جلّاب المحازن في الغناء، حتى في عزّ أوقات سرورهم؟ ما هو الغلّ ما بين العرب؟ هل هو أقرب إلى أن يكون غلّ عميانٍ توارثناه جيلاً بعد جيل؟ على الرغم من أننا نصنع الأعواد من قديم الزمان، وندقّ عليها طرباً. وفي الصباح نحارب، ونغني سنوات الحروب، حتى وإن كنا فيها من المهزومين. على الرغم من أن البغال في السوق ساهمةٌ وحزينة، والأعواد عند الصنّاع مركونةٌ في أسواق بغداد ومراكش، وما أكثر أحزاننا، نحن العرب. يُتماء دهور ولّت، ودهور أخرى تنتظرنا على الأبواب بمزيدٍ من اليتم.
مشاركة

نيسان ـ نشر في 2016-10-06 الساعة 11:48


رأي: عبد الحكيم حيدر

الكلمات الأكثر بحثاً