اتصل بنا
 

أيتام السياسة

نيسان ـ نشر في 2016-10-08 الساعة 11:24

x
نيسان ـ

كتب محمد قبيلات...أكثر من يُفجَع باليتم السياسي هم المعالون من قبل الأب ( الروحي)، وأولئك المستورثون الذين يحملون الشعور بالذنب تجاهه.
الدوافع، على الأغلب، هي: التورّث، الخوف من النهاية.
ولا تستغربوا من وجود جماعتين مختلفتين بين المفجَعين، جماعة الخائفين من المصير ذاته، وجماعة التقية؛ الفرحين( داخليا) لأنهم لم يواجهوا المصير ذاته، وقد تحدث ديستوفسكي عن شيء من هذا القبيل في الجريمة والعقاب.
ولما كان الخلود هو ضالّة الانسان الأزلية، لذلك بقي على الدوام في مواجهة (نفسية) مفتوحة مع الفناء، وظلت حركة جسده الداخلية تبتدع الوسائل الدفاعية التي تتمظهر على الأغلب بسلوكات متناقضة، والتناقض هنا عائد للغرائز البدائية التي انتجت سلوكات بيولوجية متأصلة، واجه الانسان من خلالها المخاطر الطبيعية التي تفوق تفسيراته وقدراته على مواجهتها، مثل اظهار عكس ما يبطن، التخفي، والانسحاب، التحصن بالقطيع.
تاريخيا، ينخرط الأيتام جميعا باللطم، فدافع الطامع منهم بالتركة هو اثبات أنه من المتورثين، وهو بالعادة أكثر من يبرع بادعاء أو استدعاء الحزن، وهناك من يشعر بتأنيب الضمير في حالة أن يقتل الأب من قبل الأعداء، مرد الشعور بالذنب هو عدم القيام بواجب حماية الأب، أما دوافع الأغلبية من اللاطمين فهي الخوف من مواجهة المصير، رغم الشعور الخفي بالفرح بالنجاة من المصير ذاته.
اليتيم السياسي، غالبا، هو ابن المجموعة (القطيع)، فعندما تفقد المجموعة رائدها، يشعر الاعضاء أن خطر الضياع والتشتت يتهددهم، فيلوذون بالحزن واللطميات الجماعية بهدف الاتحاد الشعوري الذي يضمن تعويض ما قد تفقد المجموعة من حرارة.
تأنيب الضمير ناجم عن عقد نفسية مركبة، فالتمجيد الظاهر للأب، قبل الموت، هو تعبير عن محاولة التماهي مع قوته، لكن هذا السلوك ينطوي على الرغبة بتحطيمه لاحتلال مكانته (قتل الأب)، فما أن ينتهي أجله حتى يشعر التابع (الابن) بتأنيب ضمير شديد.
ومن الطبيعي أن يدخل تحت مظلة البكائيات نفسها؛ اولئك الذين كانوا يجاهرون بالعداء للأب.
هناك دوافع مادية كثيرة من شأنها تعظيم شعور اليتيم بالخسارة؛ من أهمها أن تكوّن ثروة الأب وتراكمها هو نتيجة لمهارات تحتاج إلى خبرات عقلية، على الأغلب لا تتوافر في الورثة، فتغطي المجموعة اليتيمة غيمة كبيرة من الحزن؛ نتيجة افتقارها الأدوات والمهارات التي كان يمتلكها المُعيل.
ولا يُخفي كل ما تقدم، صراع السلطة الدائر بين الورثة، لكنه صراع ناعم مكلل بالأحزان، تتم من خلاله محاولة استغلال الجو البكائي من قبل الأخ الأكبر للتسلل إلى كرسي الزعامة، وهنا تبرز مشكلة عدم التسلسل البيولوجي العمري بين الأخوة، فنراهم لا يصدعون للأب الجديد، لأن المرحوم كان يُشعر كل واحد منهم بأنه أقربهم إليه.
لكن برغم مشكلة العمر البيولوجي، إلّا أن مهددات فناء المجموعة ستخلق توافقا ما.
كل هذه السلوكات تفسر أيضا انخراط الأيتام باضفاء هالة من القداسة على الأب الراحل، قداسة يقصد منها الأستقواء على الآخر، وخلق حصانة ما، من خلال بناء المزارات أو التماثيل أو التحنيط ، كتعبير عن رفض النهاية المتحققة للأب، وإيهام الذات قبل الآخر أن الأب ما زال هنا ويوفر الحماية.

نيسان ـ نشر في 2016-10-08 الساعة 11:24

الكلمات الأكثر بحثاً