عاموس عوز في جنازة بيريز
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2016-10-09 الساعة 10:48
يشيّع شمعون بيريز، الروائي الإسرائيلي عاموس عوز ينتقد بنيامين نتنياهو ويدعو إلى حل الدولتين، ويؤكد على أهمية قوة دولة اليهود.
شذّت قبّعة اليهود التي اعتمرها الروائي الإسرائيلي، عاموس عوز (77 عاماً)، في تأبين شمعون بيريز وتشييعه، عن قبّعات الآخرين، المضيفين وكثيرين من الأجانب المستضافين (أوباما مثلاً)، فكانت بيضاء، فيما الأخريات سودٌ. ولا يدري صاحب هذه الكلمات إنْ كان ثمّة مقصد من هذا الأمر أراده عوز، المصنّف صهيونياً يسارياً في حزب ميريتس، وداعيةً إلى حل الدولتين، والمرشّح المتكرّر لنيل جائزة نوبل للآداب (هل تُعطى له الخميس المقبل؟). لبّى دعوة أسرة بيريز إلى المناحة في توديع العالم (!) صاحب الجثمان المسجّى (بمشاركة زعماء وممثلي 70 دولة)، ووجدها مناسبةً لانتقاد بنيامين نتنياهو، فسأل في كلمته أمام الحضور: أين القادة الشجعان الذين يمكنُهم مواصلة طريق بيريز؟.
ومن سماجة كاتبٍ في "هآرتس" أنه اعتبر أن صاحب "الحبّ المتأخر" رفع، في كلمته، القناع عن نتنياهو، و"مزّق ورق السلوفان الذي غطّى خطابات المتحدّثين". والحقيقة أن عوز أزاح القناع عن نفسِه، وأعطى شاهداً جديداً على صحّة نعت إدوارد سعيد له إنه "لا ينفع إلا وجيه ضاحية"، فأيُّ طريقٍ هذا الذي سلكه بيريز، وحاد عنه نتنياهو، ويحتاج إلى قادةٍ شجعان؟ كان الرئيس السابق صاحب بضاعةٍ لفظيةٍ عن السلام، وأرشيفُه في تحطيم حل الدولتين وفير، وارتضى لنفسه أن يكون تحت جناح شارون وحزبه المرتجل "كاديما". والبادي أن عوز شديد الإعجاب بتراث فقيده المؤبَّن، ولا سيما في دأب الأخير على أن تقوى إسرائيل بأعتى سلاح، فذلك ما يحقّق بقاءها. وبقاء "الدولة اليهودية" التي يُفرط الروائي المعروف في حدبِه عليها هاجسٌ مركزيٌّ في نصوصه، وهذه تحفل بالتعبير عن خوف اليهودي المشدود إلى التخلص من الغيتو المقيم فيه، ومن آلامه الكبرى وندوبها في المحرقة النازية.
عندما يلحّ عاموس عوز على انفصال إسرائيل عن الفلسطينيين، بأن تكون لهم دولتهم، فإنما لأن في ذلك الحماية اللازمة لدولة اليهود التي ينبغي أن تظلّ قويةً. إنه يخاف (!) على إسرائيل، إذا لم تعمد إلى طلاقها من الفلسطينيين، من أن تتحوّل إلى دولةٍ ثنائية القومية، تصير تالياً دولةً عربيةً من النهر إلى البحر، تحكمها أقليةٌ يهوديةٌ متطرّفة. وفيما ينشغل أدبُه بالتعبير الذي يؤاخي الحلميّ والمتخيل والمتذكّر والواقعي عن آلام اليهودي وأوجاعه، وعن نزوعه إلى الاستقرار في "وطنه"، فإنها تخلو من استدعاء ضحايا هذا اليهودي، إلا أطيافاً عابرة، لمّا سلك "طريق كفاحه المضني" نحو إقامة دولته في هذا "الوطن". ومن مفارقاتٍ غير قليلةٍ في رجل السلام هذا، المتيّم بشمعون بيريز، أنه، في كلمةٍ له ألقيت في تأبينٍ لمحمود دوريش (كانا على صلةٍ قديمة) في كفر ياسيف، قال إنه كان على درويش أن يرى أوجاع الإسرائيليين، وأن تُغضبه، وأن يعبّر عنها أيضا (!)، بل زاد في ذلك التأبين (يونيو/ حزيران 2010) إنه كان حريّاً بدرويش أن يكون مثل مناحيم بياليك. (الشاعر الوطني لإسرائيل، والشديد الصهيونية، توفي في 1934).
لا تُرضي مبادرة السلام العربية إيّاها عاموس عوز، ويفضّل المساومة والتفاوض بشأنها. وفي هذا، يبدو كما بيريز وشارون ونتنياهو. تهيمن على تفكيره فكرة تقسيم البيت الصغير إلى شقتين أصغر، لليهود ولأصدقائه الفلسطينيين، بتعبيره، مستحضراً عبارةً للشاعر الأميركي روبرت فروست: الجدار الجيد يصنع جاراً جيداً. والشعبان، في عرفه، كما عنزتين تتدافعان على جسرٍ ضيقٍ متهالكٍ فوق نهر، ستسقطان فيه، ما لم تقتنعا بأن عليهما التوقف عن التدافع. وفي الأثناء، لا يتوقف عوز عن إشهار حبّه إسرائيل، وخوفه، في الوقت نفسه، على مستقبلها، هو الذي تستمد معظم أعماله مادّتها من الماضي (سيرته الروائية "قصة عن الحب والظلام"، مثلا). ومثل أي صهيوني عتيد، يلحّ، وهو المقدسي المولد، على "وحدة القدس"، وإنْ مع استعدادٍ منه لتنازلٍ (؟) عن جزء منها، من أجل السلام.
تشاطَرَ عاموس عوز في جنازة بيريز على نتنياهو، من موقع الأكثر وفاءً للفكرة الصهيونية، وهو الذي كان قد نعت حكومة نتنياهو، مرّة، بأنها الأكثر عداءً للصهيونية. ولكن، خابت رميتُه هذه، فنتنياهو أدرى منه بصاحب الجثة قدّامهما.
نيسان ـ نشر في 2016-10-09 الساعة 10:48
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب