اتصل بنا
 

ذكاء أم خدعوك فقالوا

نيسان ـ نشر في 2016-10-10 الساعة 10:44

زيارة محمود عباس لجنازة شمعون بيريز: تساؤلات وانقسامات في الشارع الفلسطيني
نيسان ـ

أردد عبارة صحفي معروف "وضمير هذا الكون يسكن في قلم"، ومن باب هذه العبارة أكتب مقالي هذا لأصحاب الضمائر المتفهمة لكلمة وطن، وثقتي بقلمي تدفعني إلى قول كل الحقيقة، لأنني لا أخاف لومة لائم، فحالة الصراع أصابت قلمي، هل أكتب أو لا في موضوع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والوفد المرافق له المحتل، في جنازة من سفكوا دماء شعبنا، واغتصبوا الأرض والقضية.
من المتعارف عليه، أننا نحن الفلسطينيين أو العرب جميعا، كرهنا هذا الكيان الصهيوني، لما قام به من مجازر بحقنا، وهي أكثر من 120 مجرزة، ومنها صبرا وشاتيلا، دير ياسين، الطنطورة، كفر قاسم، الحرم الإبراهيمي، المسجد الأقصى، جنين وقانا، وبحر البقر في مصر، وغيرها من مجازر نالت من شعوبنا العربية التي كانت تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن تنال منا، نحن الفلسطينيين، وإن كنا كبش الفداء الأول للعرب، منذ 1948.
تابعت، أنا وغيري، خبر موت شمعون بيريز الرئيس السابق للكيان الصهيوني، وكان قرار الرئيس، محمود عباس، مهماً لنا نجن الفلسطينيين، وقد فاجأنا حضوره جنازة قاتل الأطفال والنساء والشيوخ في قانا ومؤسس الاستيطان وداعمه ومؤسس المفاعل النووي، شمعون بيريز. أخذت الأوساط الفلسطينية صوتها يعلو بين مؤيد ومعارض، وبين حائر من هذه الخطوة، وتساؤلات بدأت تنتشر هنا وهناك "ماذا فعلت؟ هل أنت مدركٌ هذا الخطأ؟ من كان وراء ذهاب الرئيس إلى هناك؟ كيف لنا أن نشارك في جنازة من قتل شعبنا وأيديه ملطخة بدمائنا؟ تساؤلات كثيرة، ولكن لا إجابة تشفي غليل الشارع الفلسطيني قبل العربي.
هل خدعوك، يا سيادة الرئيس، عندما قالوا لك إن في ما فعلته مصلحة لقضيتنا الفلسطينية المنهكة جسدا وروحا؟ وإنه طريق للسلام والتأكيد عليه؟ هل كان ذلك ضغطا من المجتمع الدولي؟ واذا كان ذلك صحيحاً، لماذا لم يصافحك وزير الخارجية الأميركي جون كيري وتجاهل مد يدك إليه؟، هل كان مصلحة عندما تجاهلك رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو في خطابه؟ هذه وأكثر مما أؤخذ عليك، يا سيادة الرئيس، ولم يؤخذ عليهم، فلماذا دائما نكون موضع ضعف؟.
وفي الصف الآخر والمؤيد لك، كانوا يرون أن مشاركتك جاءت لقطع الطريق على من سيتهمونك بالإرهاب، وأنك تعرقل عملية السلام أمام المجتمع الدولي الذي نحن بحاجة لمساندته ودعمه قضيتنا الفلسطينية، واعتبروا أن الخيار الوحيد أمامنا هو الدبلوماسية وذكاء التعامل مع المحتل ورفاقه، لقطع الطريق عليه، في محاولاته الخبيثة والدائمة بإلقاء أصابع الاتهام علينا، ووصفنا دائما بأننا نريد السلاح والعنف في التعامل معهم، ولا نريد السلام. ولهذا، كان لابد من المشاركة، حتى ولو كان ذلك على حساب الفلسطينيين أنفسهم. وممن هم في صف الحائرين كانت تساؤلاتهم مقتضبة في كيف للرئيس أبو مازن أن يفعل ذلك، في وقتٍ نرى فيه أن هناك مخططات دولية في إقصائه عن الرئاسة، وتحضير آخرين ليحلوا محله؟
الشعوب العربية التي إنتهزت هذه الخطوة ليلقوا اللوم علينا، ويستهزئون منا على صفحاتهم العنكبوتية، وكتبوا: لا تطلبوا منا الوقوف إلى جانبكم مرة أخرى، أو دعماً منا، فرئيسكم صديق لعدوكم، فكيف تطالبوننا بمعاداته، وأنتم أصدقاء له، وتطالبوننا بالسلاح والأموال والجيوش لكي نحاربهم، كان أولى بكم أنتم أن تحرّروا ما سُلب منكم وليس نحن.
هذا عرض بسيط لآراء صادفتها. ولكن أطرح فكرة بسيطة، لماذا نأخذ الأمور من وجهة نظرنا نحن فقط، وكأننا نحكم على نضوج الفاكهة من نضوج حبة منها على وجه القفص. دعونا نتعمق قليلا فيما حدث، ونحلله بشكل بسيط. لعبة السياسة كبيرة وواسعة علينا، ومن الصعب علينا، نحن الأفراد، أن نفهمها، فهذه اللعبة تحتاج فطنة وذكاء ودهاءً، لإقناع الغرب بأننا لسنا إرهابيين، وأننا دائما نمد يد السلام إلى الاحتلال، لكنه دائم نقضها ورفضها، فكان لابد لنا أن نلصق صفة الإرهاب بالاحتلال، ونضعه في خانة اليك، كما في لعبة الشطرنج أمام المجتمع الدولي، كي يمارسوا على الاحتلال ضغطا أقوى مما كانوا يمارسونه علينا دائما.
وأستدل على دهاء الرئيس أبو مازن بما نشر على لسان أحد المسؤولين في حكومة الاحتلال رفض ذكر اسمه في صحيفة معاريف العبرية، قال
"عباس أخطر رجل دبلوماسي هدّد كيان إسرائيل ومصالحها منذ إقامتها، نحن هُزمنا أمامه. ضللنا وسرح بعقولنا وجعلنا نخسر علاقتنا ومصالحنا مع دول صديقة، كانت تحترمنا، وأصبحت تشن هجوماً علينا".
السياسة لعبة لابد أن نتقنها كي نستفيد بقدر أكبر ممن نسعى له دائماً، وهو تحرير القضية من قيودها، والاستفادة من مواقف سابقة والاستفادة منها بما يكون في صالحنا، لماذا نسينا عندما صفقنا للرئيس أبو مازن، حينما قام بخطوات سياسية دولية وأجبر دولاً غربية كثيرة على الاعتراف بفلسطين دولة؟ لماذا تناسينا ذهابنا إلى محكمة العدل الدولية لمحاكمة إسرائيل على جرائمها، ألم نكن حينها ساندين له ولقراراته، وكنا نشيد ونتغنى به، فماذا حدث الآن؟، نتجمع على ما نريد ونختلف معه فيما لا نريده، كان من الصواب إنتظار تصريح له يوضح فيه قراره هذا، لنعرف ما كان يسعى إلى تحقيقه من الزيارة.

نيسان ـ نشر في 2016-10-10 الساعة 10:44


رأي: نجوى اقطيفان (فلسطين)

الكلمات الأكثر بحثاً