اتصل بنا
 

جدران الخوف والإنسانية البائسة

نيسان ـ نشر في 2016-10-11 الساعة 14:05

الجدران العازلة في عصر العولمة وثورة الاتصالات.
نيسان ـ

الجدران العازلة ليست بجديدة على هذا العالم، وشواهد الماضي تبني وجودها في الحاضر، فعصر العولمة وثورة الاتصالات يشهدان نهوضا في بناء الأسوار بين الدول المتجاورة، لتلتقي البشرية جمعاء في قراها الصّغيرة وفي بؤس احتمائها بالجدران.

كانت للجدران العازلة قديما وظيفتها المحددة في رسم الحدود والحماية من الغزاة، كأسوار بابل، وسور أدريان، وسور الصّين، أما جدار برلين رمز الحرب الباردة، الذي أقيم في 1961 وقسّم برلين وأبناء البلد الواحد إلى قسمين، فقد بني ليفصل بين فكرتين ومبدأين متعارضين “الاشتراكية والرأسمالية”، ورغم الاحتفاء الكبير بسقوطه عام 1989، فإنه لم يبشر بنهاية الجدران وفكرة العزل التي سادت على مرّ التّاريخ، والجدران التي بلغ عددها 11 جدارا في ذلك العام حيث قامت 40 دولة في العالم ببناء عوازل مزودة بكل التّقنيات والكاميرات والأجهزة تفصلها عن 64 دولة من جيرانها، بعد هجمات سبتمبر، وبعد أن صار لهذه الجدران أسبابها وتوظيفاتها السّياسية المختلفة، على سبيل المثال، جدران للفصل العنصري كالجدار الذي بنته إسرائيل في 2002 على امتداد “الخط الأخضر” ليفصلها عن الضّفة الغربية، إضافة إلى الحواجز الفاصلة على حدودها مع الأردن وسوريا ولبنان، وجدران للعزل الطّائفي كجدار بلفاست بين البروتستانت والكاثوليك في أيرلندا، وجدران لدواع أمنية كالحدّ من التّهريب والهجرة غير الشّرعية مثل الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة الأميركية (التي أسسها المهاجرون) والمكسيك، أو ما يبنى حاليا في أوروبا، بين بلغاريا واليونان، وبين هنغاريا وصربيا، وما قد يبنى لاحقا للحدّ من تدفّق المهاجرين واللاجئين، الذي صار جزءا من قوة خطاب اليمين المتطرف العنصري، جراء أثره المتزايد بعد العمليات الإرهابية والتّهويل من أزمة اللاجئين، ما يجعل فكرة إعادة الحدود بين البعض من الدّول في داخل أوروبا طرحا مقبولا، رغم تعالي الأصوات عن انخفاض المواليد والحاجة الماسّة إلى اليد العاملة خلال عقود قليلة قادمة، إلا أن الدّول الأكثر ثراء تصرخ بسبب بضعة آلاف من اللاجئين.

أما عالمنا العربي الذي جابه ابن بطوطة من مراكش إلى جزر المالديف في أقصى شرق آسيا مارا بالأناضول وبلاد فارس، فإنه يزداد غرقا في لعنة سايكس بيكو وحدودها المصطنعة المخالفة للطبيعة الجغرافية والتوزيع الدّيموغرافي، فيأتي إعلان تركيا مدّ جدارها وإغلاق حدودها مع سوريا بحلول الربيع المقبل، إغلاقا لطريق التّفاعلات السّياسية والاجتماعية بين الأكراد على الجانبين، وقطعا لصلات اللاجئين السّوريين مع الدّاخل، ومنعا لتدفق المزيد منهم.

عالمنا العربي الذي جابه ابن بطوطة من مراكش إلى جزر المالديف يزداد غرقا في لعنة سايكس بيكو
وهذا الجدار ليس الأول، لكن يخشى أن يشير إلى تفاقم العنف أكثر وأن سوريا ستكون مستقبلا مصدرا خطيرا لتهديد أمن دول الجوار، وهو ما عايشه العراق الغارق في الدّماء والذي حاصرته جدران الحدود مع السّعودية والأردن وإيران بالإضافة إلى الحواجز الدّاخلية التي احتلت السّاحات والمناطق لتؤسس حالة جديدة من غيتوهات مغلقة تعلو معها أصوات النّعرات الطائفية الدّاخلية.

فكرة العزل أصابت الوطن العربي المقسّم بعدواها، وكثرت الدّول التي تقيم جدرانها لتضبط حدود التّجزئة الوهمية، وتعلن حروبها الصّامتة بين الأشقاء، فمقابل جدار الفصل العنصري الإسرائيلي بُني جدار رفح العظيم على الحدود المصرية مع غزة، لأغراض سياسية بحتة تتحكم فيها مصالح طرف على حساب طرف آخر.

وبعد أن صار العربي تهديدا لأخيه نصبت الجدران والأسيجة والخنادق المائية بين العديد من الدّول؛ الجزائر/ المغرب، الإمارات/ عمان والإمارات/ السّعودية، تونس/ ليبيا، والسّعودية/ اليمن، وغيرها، إذ للجدران مهامها في الحماية من التّهريب، ومن الجريمة المنظمة وصدّ المقاتلين المتطرفين، والاستعداد لأي هجوم محتمل من جماعات إرهابية في الجانب الآخر، فسياسة درء الخطر دون التّورط في العلاج باتت جزءا من سعي الدّول.

ما تتجه إليه القرية الكونية هو أكثر من جدران وأشواك، هي معازل بشرية لها أيديولوجيتها القائمة على الفصل والتّمييز بين طرفي الجدار، وما يفصل بين العرب هو عجز الأنظمة المزمن عن إيجاد حلول توافقية للأزمات التي بنت جدرانها بين الحكومات قبل أن ترتفع على الأرض، حتى باتت الدّول العربية تحتمي من بعضها خلف الجدران والأسيجة ونقاط التّفتيش.



نيسان ـ نشر في 2016-10-11 الساعة 14:05


رأي: هوازن خداج

الكلمات الأكثر بحثاً