اتصل بنا
 

دروس ميكافيلي الضائعة.. الأخلاف يضرسون ما أكل الأسلاف

نيسان ـ نشر في 2016-10-14 الساعة 17:03

x
نيسان ـ

كتب محمد قبيلات ...ما يزال الأمراء ينشأون على الأطباع ذاتها، فهم أبناء المدرسة نفسها على مر العصور واختلاف الثقافات، يستظهرون نصائح ميكافيلي، لا سيما وأن السلطة باقية أسيرة لمروحة الوراثة؛ مهما تطور الفكر السياسي والتطبيقات والأدوات في الحكم، فهي لا تتشكل من ذاتها، بل تُشكلها المُهددات بانتزاعها، كما أن السلطة ظلت بنتا للغرف الضيقة، فما زالت تدار بالآليات والأدوات البطريركية التي أستُخدمت عبر مختلف التشكيلات الاجتماعية والأزمان، فظلت رهينة القلاع والأسوار العالية، التي لا تترعرع إلا في أجواء من الحصانة وظيفتها ترسيخ المُلكيات.
شخصية الأمير_ أي أمير_ ظلت مسكونة بدروس ميكافيلي ونصائحه، كما أن الأمير مُتقمص ناجح للشخصيات الشكسبيرية، تقمص يصل إلى درجة التطابق المتماهي معها، فهو المُخلِصُ لتراجيدياتها، الملتزم بالسير الحثيث المأسور، ضمن أطر الصياغات الشبه قدرية للنهايات.
القصة ذاتها تتكرر، والعلّة ذاتها تُصر على الالتزام بخيط سيرورة حتمية تُعرج بالأمير إلى خطأ مأساوي ما، خطأ سيقوده بالضرورة إلى النهاية المحتومة.
قصة تتكرر مع كل تهيئة أو انتقال للسلطة، ليس فيها من جديد غير الاسماء، انحصرت عناوينها وسردياتها ضمن أطر قهرية تراوح بين الأب والأخ الأكبر، فابتدعت الحاجة مرة قتل الأب المُورِث، ومرة قتل الأخ المُوَرث، وأخرى، وليست بالبعيدة عنا ثقافيا؛ بلغ بها الشطط حد أن يوصي الأب ابنه الأكبر بإبادة كل إخوته لنفي كل عناصر واحتمالات التورث، وهي وصية مستوحاة من ملوك الغاب.
إذن هي نزعات مشدودة للغريزة....
ليس من مجال لخلاص ضحايا هذه النمطية، إلا بسلطان البطولة، والبطولة هنا لا تتحقق إلا اذا استطاع البطل أن يمارس شرطها الوحيد، الشجاعة، كفعل "فروسي" يحقق المطلق في النسبي، حينها فقط، قد يفلت الوارث من السقطة التراجيدية، ويخالف مسارات أبطال ارسطو الذين تُسيرهم رغبات المؤلف نحو أقدارهم المحتومة، اذا وفقط اذا تحقق ذلك؛ فسيكون للواحد منهم ما يريد.
عند الانتقال بالسلطة يتم أحيانا التحايل على تركيز الأصلاب ونقاوة الأعراق، خوفا من أن تتململ العامة التعبة من حروب القبائل، يتم بخلط دماء الخؤولة والعمومة في العروق.
مهلا، هذا لم يؤدِ إلى تسلم الجرو بن ربيعة لسيف كليب الأسطوري، بل جعله ضحية دورة السلطة الموَّرثة على طريقة التهادن. فعادت إلى أقرب الفروع: العم ابو ليلى المهلهل.
فالنهايات ظلّت على الدوام محكومة بالبدايات، لذلك لم يتسنَ لها الإفلات، ولو على سبيل التجلي، من أقدار صممتها هندسة الوراثة ونفذتها الغرائز والبيئة بما فيها من مهددات، بتشابه نمطي يحكم التشعبات رغم تفرعاتها العنقودية.
فتعاد الكرة مرة بعد المرة، ليظل الأخلاف يضرسون بما أكلت الأسلاف.

نيسان ـ نشر في 2016-10-14 الساعة 17:03

الكلمات الأكثر بحثاً