أحاديث مملة
ميشيل كيلو
مفكر عربي
نيسان ـ نشر في 2016-10-16 الساعة 11:17
المقال يتحدث عن ملل السوريين من كلمات التعاطف الإنشائية التي تصدر عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ويدعو إلى تفعيل القرارات الدولية وزيارة المناطق المتضررة لإظهار الدعم الحقيقي للسوريين.
بصراحة، ملّ السوريون كلمات التعاطف الإنشائية معهم التي تصدر عن أميركا: القوة التي تستطيع وقف العدوان المتعدد الجنسيات عليهم، لكنها تحجم عن ذلك، وتستمتع بمتابعة مآساتهم. كما ملّ السوريون عواطف الأمم المتحدة: الجهة المؤثرة التي تعطل مدوّناتها القانونية، وتمتنع عن تفعيلها، والتي يمكن أن تحدث تبدلاً جدياً حيال القضية السورية، يطال مواقف دولٍ كثيرة، والرأي العام العالمي، أو تخلق بيئة سياسية/ إنسانية تنصفهم وتتفهم تطلعاتهم، وخصوصاً أنها تتفق أشد الاتفاق مع العهود والمواثيق الدولية المعتمدة من منظماتها الشرعية. لكن المؤسسة الدولية، المرجعية القيمة، اكتفت دوماً بالتعبير عن الأسف والحزن والقلق والرعب والاستنكار والاشمئزاز والقرف والألم، مما يستهدف السوريات والسوريين من أسلحة تفتك بمئات منهم يومياً.
ليس من اللائق أن نغلظ القول لرجل طيب غادر منصبه من يومين، هو بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، الذي قيل يوماً إنه يتلقى راتباً ضخما (حوالي 45 ألف دولار) ليدير أسطوانة كلامية مملة عن حزنه واستنكاره المجزرة المنظمة التي تعصف بوجود شعٍبٍ اكتشف وزير دولة كبرى، أخيراً، أنه من صناع الحضارة البشرية، وليس داعشيا أو قاعدياً، ليستحق ما ينزل به من إبادة وتدمير.
قد يقول قائل: وماذا في وسع أمين عام الأمم المتحدة أن يفعل، إذا كان القرار الدولي ليس بيده؟ هذا القول صحيح في ما يتعلق بالقرارات الدولية التي تتخذها القوى الكبرى، لكنه ليس صحيحاً بالنسبة لطرق التأثيرعليها التي في حوزته، وللمداخل المتنوعة لتفعيلها حتى ضد هذه القوى، كأن يقرّر، مثلاً، زيارة منطقة داريا أمس، أو حلب أو دوما، أو أحد مخيمات اللاجئين في لبنان اليوم والأردن غدا، حيث تضفي زيارته طزاجةً إنسانيةً وفاعليةً سياسيةً حقيقية على كلماته، بعد أن أفرغها تكرارها البارد عن بعد من معناها، وجعلها تبدو كأنها صادرة عن شخص عاجز، تشبه مواقفه مواقف أي شخص "ينقّ"، لأنه عاطل عن العمل، أو لا يملك موارد يعيل أطفاله بواسطتها، لا خيار لديه غير البكاء والشكوى واستعطاف الآخرين. وفي حالتنا السورية، فشل بكاء بان كي مون على شعبنا في رد الأذى عنه، وعجز، في حالات داريا والمعضمية وحلب ودوما والزبداني ومضايا... إلخ، عن إيصال كيس طحين واحد إلى جياعٍ يواجهون الموت، فهل يجوز أن تفوت رؤية هذه القضية الخطيرة رجلا في موقعه، وأن لا تحرك لديه غير لسانه، بدل أن يراها انطلاقا من حسّه الإنساني الذي كان سيدفعه إلى تبني خياراتٍ يصعب على المجتمع الدولي رفضها أو التعامل معها بدم بارد، كأنها لا تعنيه.
لا بد من القول بصراحة للأمين العام الجديد، السيد المحترم جداً غويتريس، إنه من غير المقبول أن يتصرف، وهو مسؤول دولي يحتل أعلى موقع في تراتبية العالم السياسية، وكأنه بكّاء عاجز عن مد يد العون لمن يبكي عليهم، لأن سلوكه هذا سيضر بمؤسسته، وسيقدم انطباعاً سلبياً عنها يسيء إلى دورها في الأحداث الدولية، وإلى قيمتها بالنسبة للنظام الدولي والبشرية عموماً، فضلا عن أنه يخالف الأسس التي قامت عليها، وتلزمها بالعمل لوقف العدوان أسلوباً لحل المشكلات التي يواجهها العالم، وخصوصاً ذلك النمط من العدوان الذي يلحق ضرراً جسيما بالشعوب، كما هو العدوان الأسدي على الشعب السوري.
غادر بان كي مون موقعه قبل يومين. أليس من حقنا مطالبته بخطاب وداعيٍّ، يكشف فيه الاسباب التي حالت دون نجاح الأمم المتحدة في وقف مذابح النظام الأسدي ضد شعبٍ ينشد الحرية، وإزاحتها جانباً كي لا تقوم بواجبها في وقف أخطر كارثةٍ، وقعت خلال العقود السبعة الأخيرة؟. أرجو أن يلبي كي مون هذا المطلب المحقّ، لكي يترك بصمته على التاريخ، ولا يطويه النسيان؟
نيسان ـ نشر في 2016-10-16 الساعة 11:17
رأي: ميشيل كيلو مفكر عربي