اتصل بنا
 

الصحافيون ليسوا عملاء سريين

نيسان ـ نشر في 2016-10-17 الساعة 11:28

الصحافة الوضيعة في تلصص على المدربين واللاعبين، فإنها تفقد مصداقيتها وتصبح جزءًا من الفساد الذي تحاول محاربته.
نيسان ـ

لا أعتقد أن مدرب منتخب إنكلترا المقال سام ألاردايس لا يمتلك قواسم مشتركة مع الصحافة كفكرة تتطلب الحذر والدقة وتوقيت المبادرة، التجربة علمته أكثر مما بمقدوره أن يواجه الفشل الآن، فلماذا سقط في الفخ!

لكن ألا يجدر بنا كصحافيين أن نسائل أنفسنا لماذا ننصب الفخاخ للآخرين، نصب الفخاخ للآخرين، بأي حال من الأحوال، هل هو مهمة العملاء السريين أم الصحافيين؟

لا يبدو في حقيقة الأمر أن سام ألاردايس وحده المدان في تلك “العملية الصحافية الوضيعة”، بل إن الصحافة نفسها رفعت بطاقة إدانة عالية على نفسها في تلك العملية.

لقد صورت صحيفة ديلي تلغراف بشكل سري ألاردايس وهو يتحدث مع صحافيين سريين منتحلين صفة رجال أعمال، حول طرق الالتفاف على قواعد لوائح اتحاد الكرة التي تم تحديثها في 2008 حول حقوق ملكية الطرف الثالث للحقوق الاقتصادية للاعبين.

ونشرت الصحيفة في مهمة اعتبرتها “مشروعة ومثيرة من أجل العدالة ومحاصرة الفساد” الشريط السري الذي يكشف تفاوض ألاردايس على صفقة بقيمة 400 ألف جنيه إسترليني مقابل إعطاء نصائح لممثلي شركة آسيوية لوكالة اللاعبين، وهو اتفاق قد يمثل تضاربا في المصالح.

دعونا نبحث عن تفسير يقنع الجمهور لمعنى “صحافيين سريين”؟ حتى إذا كان لهم ما يشبه المعنى في زمن ما، فإنهم اليوم تلاشوا في الزمن الرقمي المفتوح، بعد أن صارت الصحافة دورا وليست مهنة يمارسها الجميع، المواطن الصحافي لا يمكن أن يكون سريا، وإلا فقد صفة المواطنة، والصحافي عندما يكون عميلا سريا لا يجد من يثق بما يكتبه.

إذا كان جورج أورويل قد افترض أن الرياضة خليط من “الكراهية والغيرة والتفاخر، والمتعة السادية في مشاهدة العنف وتجاهل القواعد”، فإنه كان يتحدث في زمن لم تكن الرياضة تجارة هائلة لاستقطاب الأموال كما هي اليوم. كرة القدم لعبة بمواصفات سياسية وتجارية، وليس من مهمة الصحافة كما فعلت ديلي تلغراف أن تكون شريكة في مثل هذه اللعبة، بقدر ما تكون شاهدا محايدا. فالصحافة في أولى مهامها محاسبة السياسيين ومحاصرة الفساد واطلاع الجمهور على المعلومات بطرق شرعية ولائقة بوصفها أفضل ممثل لتطلعات الناس.

أما إذا مارس الصحافي دور الشرطي السري فقد سقط في كسب ثقة نفسه، ومارس “سلوكا غير أخلاقي يؤثر على الجمهور”، حسب وصف بيتر بريستون رئيس تحرير صحيفة الغارديان لعشرين عاما (1975 - 1995).

لا يبرر بريستون، الذي لم يتوقف عن كتابة أعمدة أسبوعية عن التقاليد الصحافية، ممارسة الصحافيين أدوارا زائفة واستخدام كاميرات خفية تحت مسوغ المصلحة العامة، بل يرى أن جدارة الصحافي في الحصول على أفكار واضحة بما فيه الكفاية وبطريقة مشروعة.

فهل كان بمقدور “صحافيي” ديلي تلغراف المتنكرين، إدانة مدرب منتخب إنكلترا المقال سام ألاردايس، من دون إسقاط المهنية في وحل المخاتلة؟

سنجد أمثلة مهمة عن استطلاعات واستقصاءات كشفت مكامن فساد وتحايل وجرائم سرقات كبرى اشتغل عليها صحافيون بارعون من دون التخلي عن مواصفاتهم الموضوعية والمعلنة.

هل تكفي الإشارة إلى فيلم “سبوت لايت” الذي جسد قصة حقيقية من سيرة كادر قسم التحقيقات بصحيفة بوسطن غلوب، وكيف كشف فسادا داخل الكنيسة الكاثوليكية في بوسطن وعلاقات جنسية بين أساقفة وصبيان، مما دفع فريق العمل المكون من خمسة صحافيين إلى التوغل في المحاكم وأروقة المؤسسات الأرشيفية وإقناع المحامين بالتحدث وجلب الضحايا من الصبيان لسرد قصصهم مع الأساقفة المعتدين عليهم جنسيا.

لم يمارس الصحافيون آنذاك دورا زائفا، بل كانوا بهيئات معلنة وفي غاية الوضوح، ونجحوا في صناعة قصة ظلت مغيبة لأكثر من عقد، لكنها عندما أعيد تمثيلها في فيلم كتبه وأخرجه توماس مكارثي، حصدت جائزتي أوسكار.

فأي جائزة يمكن أن يحصدها المتخفون من “صحافيي” ديلي تلغراف؟

لا يبدو جمهور المنتخب الإنكليزي ولا حتى اتحاد كرة القدم، معنيا بالأفعال السرية للصحافيين في ديلي تلغراف، ولن يركز عليها وهو يتحدث عن فساد سام ألاردايس، لكن السؤال المقلق سيكون عن الصحافيين أنفسهم، وعما إذا كان ما دار أمام الكاميرات المتخفية يليق بهم، وهل يمكن اعتبار مثل هذا التخفي “فسادا صحافيا” لا يقل فسادا عن سقوط ألاردايس؟

نيسان ـ نشر في 2016-10-17 الساعة 11:28


رأي: كرم نعمة

الكلمات الأكثر بحثاً