اتصل بنا
 

ثورة الغلابة

كاتب اردني

نيسان ـ نشر في 2016-10-23 الساعة 11:28

الهشاشة والرعب يهيمنان على المسؤولين المصريين ويدلان على فشل الثورة المضادة في إقناع الشارع، والقيم الربيع العربي ستنتصر في مصر على المدى الطويل، والأنظمة البالية والنخب المستهلكة ليست قادرة على التعامل مع أزمات الفساد وغياب العدالة الاجتماعية وإعادة الثقة بين المواطن والدولة.
نيسان ـ

على الرغم من الحملة الإعلامية الشعواء التي أطلقها الإعلام المحسوب على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومن الاستعدادات الأمنية الكبيرة، وتحذيرات الرئيس لمن يقف وراء الدعوة إلى ثورة الغلابة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، فإن حالة الرعب والقلق في أوساط النظام من دعواتٍ على شبكات التواصل الاجتماعي من ناشطين تؤشر إلى حالة الهشاشة والرعب وعدم اليقين التي تهيمن على المسؤولين المصريين، والخشية من حركةٍ شبيهة بـ 25 يناير 2011.
تجاوز النظام المصري في تشريعاته وسياساته حقبة حسني مبارك، وربما جمال عبد الناصر، في الاعتماد على النهج البوليسي، فزجّ عشرات الآلاف من الناشطين في السجون، وهرب منه مئات المثقفين والسياسيين إلى الخارج، ولجم الإعلام، ولاحق حتى سائق توك توك، عبّر عن مشاعر ملايين المصريين. ومع ذلك، لا يشعر بالاستقرار والهدوء، حتى من دعواتٍ على صفحات التواصل الاجتماعي؟
على ماذا يدل ذلك؟ على فشل الثورة المضادة في إقناع الشارع، حتى لو اقتنعت نخبةٌ من المثقفين، في البداية، بنيات النظام الأمني، ولحقت شريحةٌ اجتماعيةٌ واسعة بتلك الدعاية الإعلامية المخوّفة من الربيع العربي، بذريعة الإسلام السياسي. فعلى المدى الطويل، قيم الربيع العربي والإصلاح والتغيير والديمقراطية والبحث عن أفق جديد، بعيداً عن "التخويف" والتهديد، هي التي ستنتصر في مصر، وغيرها من الدول العربية، لأن هنالك شريحة اجتماعية عريضة وواسعة تدرك أن البديل مزيدٌ من الاستبداد والفساد وفقدان الأمل والضياع، والاستسلام لحالة اليأس.
دعونا من الجانب السياسي، أي التوق للحرية والديمقراطية الذي جذب الشارع العربي في 2011، وكسر حاجز الخوف والصمت، ورمى الثقافة الشعبية السلبية المتكاسلة وراء ظهره، فإنّ من صمموا الثورة المضادة وهندسوها غفلوا عن الجانب الاقتصادي- الاجتماعي، ونسوا أنّ هذه الأنظمة البالية والنخب المستهلكة ليست قادرةً على التعامل مع أزمات الفساد وغياب العدالة الاجتماعية وإعادة الثقة بين المواطن والدولة، ولا تملك رؤية للمستقبل.
لم يترك حلفاء السيسي مساحةً إلا حاولوا توفيرها له، فدفعوا المليارات، ودعموه إعلامياً. ما النتيجة؟ مزيد من التدهور الاقتصادي، وترهّل الدولة، ومشكلات متعاظمة في الحياة اليومية للإنسان المصري البسيط؛ من العيش إلى السكّر إلى الجنيه المصري إلى المعضلات التقليدية؛ البطالة والفقر والحرمان الاجتماعي.
ثمّة طبقة وسطى عريضة، بالمعنى الاجتماعي، من مهندسين وأساتذة جامعات ومدارس وأطباء ومحامين ومهنيين، وقفت بقوة وراء ثورات الربيع العربي، وربطت الأزمات الاقتصادية بالفساد والاستبداد وفشل النخب الحاكمة العربية. وهذه الطبقة، على الرغم من الاضطهاد والتخويف اللذيْن تعرضت لهما، تدرك أنّ البديل عن الديمقراطية وشعارات الربيع العربي وقيمه سيكون العودة إلى المسلسل الكارثي للأنظمة القُطرية العربية، والذي أوصل العالم العربي اليوم إلى ما نراه من كوارث في الأمن والسلم الأهلي والفشل التنموي والاقتصادي.
لا نعرف بعد مدى قدرة الشارع المصري على تجاوز حالة الانقسام والاستقطاب السياسي والإعلامي، والخروج من حالة الإحباط واليأس التي وُضع فيها، والتوجّه، مرة أخرى، إلى مسار التغيير في الموعد المقرّر لثورة الغلابة، فهو (الشارع) دفع ثمناً غالياً للثورة المضادة التي جاءت بنظام السيسي. لكن استمرار الدعوات والنشاطات ورفض القبول بالاستسلام، عبر انطلاق هذه الدعوة، مؤشر مهم وكبير على ترميم الرغبة الشديدة بالخروج من نفق الأنظمة البوليسية، والإصرار على العودة إلى مسارات التغيير والديمقراطية.
صحيحٌ أن المصريين توجهوا إلى صناديق الاقتراع مراراً وتكراراً، وصوّتوا في كل مرة آملين بمستقبلٍ أفضل، لكن النتيجة، في النهاية، خيبات أمل، لكنهم يدركون أن الواقع الحالي ليس هو الابن الشرعي لتضحياتهم في ثورة 25 يناير، ولا هو النتيجة الحقيقية لرغبتهم في التغيير، وستبقى هذه الآمال الخيار الوحيد لمن يريد المستقبل، ويبحث عن مخرجٍ وأفقٍ وحل، ليس فقط في مصر، بل في جميع الدول العربية.
كنتُ في مصر، قبل فترة قصيرة من الانقلاب في 2013، وسألت سائق التاكسي عن رأيه في الأوضاع المتوترة. فاجأني جوابه: يا أستاذ، ثورتنا الحقيقية، نحن الغلابة، لم تبدأ بعد، لم تأتِ. عندما يحين موعدها ستكون ثورة جياع وفقراء ومحرومين لم يعودوا يخشون شيئاً، بعد أن فقدوا قدرتهم على تأمين رغيف العيش.
مشاركة

نيسان ـ نشر في 2016-10-23 الساعة 11:28


رأي: محمد أبو رمان كاتب اردني

الكلمات الأكثر بحثاً