اتصل بنا
 

بحجة التماسك ورباطة الجأش

نيسان ـ نشر في 2016-10-24 الساعة 12:34

أهمية التعبير عن الذات والتصدي للضغوط الاجتماعية.
نيسان ـ

إذا عجز الواحد منا عن التعبير عمّا يجول في روحه من هواجس، واضطر إلى استخدام مفرداتٍ إضافيةٍ لشرح ذاته، حتى إلى أقرب الناس إليه، تلافياً للاهتزاز الذي قد يعتري صورته أمام الآخرين المتواطئين على انتهاج نمطٍ معينٍ في التعامل، مبنيٍّ، في أساسه، على المجاملات والالتفاف على الحقيقة، لأنها غير قابلةٍ للاحتمال أحياناً لفرط قساوتها.
إذا اضطر إلى اللجوء للتحايل بكل الوسائل الممكنة كي يتفادى إزعاج الأصدقاء غير المعتادين على الوضوح والمباشرة كأسلوب حياة، وبالتالي، فإنه سوف يصبح مهدّدا بخسرانهم الواحد تلو الآخر.
إذا توقع الجميع منه الموافقة، بصورةٍ دائمةٍ، على ما يصدر عنهم من أقوالٍ وأفعالٍ وآراء ومواقف وأمزجة، من دون التفكير في إبداء أي رأيٍ، أو ملاحظةٍ، أو إيماءةٍ، قد تخدش أوهامهم المتأصلة حول امتلاكهم مفاتيح الحكمة والمعرفة حصريا!، عليه هنا أن يتقن دور المستمع المحترف الذي يجيد هزّ رأسه موافقاً، من دون أن يجرؤ على المقاطعة، حتى لو كانت بهدف النحنحة البريئة المحايدة.
إذا تواطأ مع من يقترفون الكذب نهج حياةٍ، وسلوكاً يومياً ومجانياً في معظم الحالات، حرصاً على مخيلاتهم الجامحة والمتعطشة إلى مزيد من الإثارة والاهتمام والتشويق والاستحواذ. إذا تردّد في مواجهة من ارتكب بحقه سلسلة من الإساءات، وتغاضى واستهان، وأبدى كماً هائلاً من التسامح غير المبرّر، بذريعة العفو عند المقدرة.
إذا تمكّن من التحكّم في انفعالاته طوال الوقت، ولم يخرج عن طوره مرة واحدة، بحجة التماسك ورباطة الجأش، مؤجلاً فيضانات روحه إلى حين ميسرة، إذا كفّ عن الدهشة والشغف والتوق والرغبة في اجتراح كل ما هو مختلف، إذا تمكّن من رسم تلك الابتسامة "الجوكرية" الباردة المحايدة، منزوعة المعنى والدفء، في مواجهة كل الوجوه التي يتعثّر بها، على اختلاف مشاعره وتباينها نحوها، إذا استمرأ الوتيرة المسالمة لكلماته، والإيقاع المنخفض لنبرة صوته، مقتنعاً بأن ذلك أقل إزعاجاً لنفسه كما للمجموع، إذا استعذب السير ملاصقاً (للحيط)، متوهما أن ذلك سوف يؤدي، بالضرورة، إلى السلامة والنجاة من مجموعة مخاطر وارتباكاتٍ ومنغصاتٍ من شأنها أن تؤدي إلى عيشٍ متكدّرٍ بلا طائل.
إذا أصبح دمه غير مؤهل للفوران، انتصاراً لحق مهدور، واكتراثاً لمصير مظلوم، انسجاماً مع طروحاتٍ عمليةٍ مستندةٍ إلى معطيات واقعٍ تروح إلى نمط استجابة أقل عاطفيةً وأكثر عقلانيةً وتفهماً وقدرة على التعاطي مع الأزمات برويةٍ وحكمةٍ وصبرٍ وأناة.
إذا أصبح على نحو مفاجئ أقلّ حدةً وحرارةً، قابلاً للتراجع عما يعده الآخرون عناداً وتمسّكاً بوجهة نظر خاطئة، مبدياً شيئا من المرونة والانفتاح والتقبل والانسجام مع ما كان يصنف في قائمته الأخلاقية ضمن الكبائر، إذا أصيبت آلية الحلم لديه بالتوعّك، وانتاب العطب مفاصل مخيلته، فكفت عن التحليق، إذا وضع رأسه بين الرؤوس، ونام ليله الطويل، وحاز رضى جميع الأطراف وقبولها ومباركتها، على تناقضها، وظل محافظاً على توازنه، مكتسباً قدرة كتم غيظه إلى الأبد.
إذا أصيب الواحد منا بواحدةٍ من هذه الأعراض الفتّاكة، أو بجزء منها، أو أصيب بكل تلك الأعراض مجتمعةً، عليه أخْذَ نفَسٍ عميق، والانفراد بنفسه برهةً ليست قصيرة، وإجراء محاكمةٍ عادلة ونزيهة، وليست صورية للذات، ومساءلتها بحزمٍ عند ثبوت الخطأ ومنحها فرصة تأهيل وإعادة صياغة.
أما إذا حكمت المحكمة بالبراءة التامة، فذلك دليل جلي على أنه ما يزال يعاني، وبشكل جسيم، من الأعراض السالفة. وهنا ينبغي عليه، وكوسيلة للحد من سبل انتشار العدوى، أن يقلع عن التواصل مع مزيدٍ من الأشخاص، وذلك من باب إماطة الأذى عن الطريق.

نيسان ـ نشر في 2016-10-24 الساعة 12:34


رأي: بسمة النسور

الكلمات الأكثر بحثاً