اتصل بنا
 

أخيرًا.. لبنان على موعد مع رئيس

نيسان ـ نشر في 2016-10-29 الساعة 11:48

أخيرا.. لبنان على موعد مع رئيس
نيسان ـ

كتب محمد قبيلات...ربما كان لبنان البلد الوحيد في العالم الذي كُتبَ على أسوار قصره الجمهوري عبارة تحذيرية للرئيس، تذكره بأن بقاءه لن يطول في هذا المكان، وأنه لو تحقق ذلك لكان تحقق لغيره ممن سبقوه، ولما وصل إليه كرسي الرئاسة، فلقد علقت لوحة على المدخل الرئيسي للواجهة الشمالية للسراي الحكومي تقول: "لو دامت لغيرك ما وصلت إليك"، وهذا تقليد عثماني على الأغلب.

المهم هذه العبارة تحققت بشكل سلبي سافر، فلم يدم ولم يتحقق لأحد أن يجلس في القصر الرئاسي هذه المرة، وصارت تلك العبارة التحذيرية موجهة لأول مرة إلى الفراغ بوصفه نقطة التوافق السلبية بين اللبنانيين، يحدث ذلك في لحظة فارقة من التاريخ اللبناني، وبما يخالف الطبيعة التي لا تحب الفراغ.

لكن اللبناني أحب الفراغ وتعايش معه، فهو أيضا بذلك ابتدع وشكّل حالة من حالات التوازن الصفرية التي كان يحققها وجود رئيس توافقي، فكما انتشرت سابقا في لبنان عبارة وطن الجميع ليس وطنا لأحد، انسحب ذلك على الرئيس الذي بالضرورة سيكون، في بلد مثل لبنان، توافقيا، إلى درجة كبيرة، وضمن معايير المحاصصة، ليصبح معها معادلا للفراغ التوافقي.

وكما ان لبنان بلد تتجمع فيه عُقد و"شلبكات" الكثير من خيوط المنطقة وخطوطها، فهو أيضا يشكل باروميتر قياس يتنبأ بمسار الأمور ويكشف مسبقا مآلاتها، فلا شك أن خيوطا كثيرة من خيوط الأزمة السورية المتشابكة مرت وتمر الآن من بيروت، وكذلك عقد وأزمات الصراعات الاقليمية، وعلى رأسها حالة الاستقطاب الحادة بين القطبين الاقليميين "الثيوقراطيين" السعودية وإيران، التي ظل لبنان يشكل أحد بؤرها الساخنة.

الجديد في الموضوع، هو تعقد الأمور لدرجة أصبحت معها حالة التوازن تساوي صفرا، وتحقق ذلك جليا في الكرسي الرئاسي اللبناني طوال الفترة الماضية المجللة بالفراغ.

الأغرب المتحقق الآن، هو التغير الحاصل في مواقع اللاعبين حول طوالة بلياردو لبنان، بحيث انتقل كل لاعب إلى الجهة الأخرى؛ ما انتج حالة يقوم فيها الخصم بقبول خصمه كحليف مرحلي ضد حلفائه وداعميه التاريخيين.

ليس من تفسير لحالة لبنان غير إنه بلد متطور سياسيا، وأقصد ذلك حرفيا، لقد استمرت فيه عملية تطور سياسي أدت إلى تقاسم العمل السياسي، صحيح لم يتم ذلك ويتوّج بميثاقية نظامية تؤدي إلى المراحل التي تأتي بعد التقاسم، لكنها عملية سهلة الآن، بمعنى انها أسهل منها في الدول العربية الأخرى، ولم يبق إلا أن يتفق اللبنانيون على آلية مدنية لتسيير أعمال السلطة تضمن توفير امكانيات التجاوز عن الآثار الجانبية لتقاسم العمل السياسي، وهي المحاصصة، والمحاصصة- على كل حال- تظل أهون وأخف بلاء من احتكار السلطة وما يرافقه من قهر.

وفي شرح ذلك، الأقرب إلى لبنان في هذه المرتبة التطورية الآن هي دول العراق وتونس ومصر، وتتبعها على التوالي ليبيا واليمن وسورية، فما يجري في تلك البلدان ليس خرابا، بل هو سلوك الطريق الأبعد لعملية تطور الدولة.

لأن استقرار أنظمة القهر وتمكنها، يُعطل العمليات التطورية السلمية، ما يستدعي أن يسلك التاريخ طرقا وعرة لتحقيق غاياته. وهذا بالضبط ما تجاوزه لبنان، وستتبعه كل الدول العربية عاجلا أم آجلا.

تباطأت العملية السياسية في لبنان، وربما توقفت بعد الطائف بقليل، ولم تتطور كثيرا على الصعيد الذاتي، حدث ذلك بسبب انتظارها انجازات الظرف الموضوعي، الذي تأخر في استيعابه لواحة التقدم اللبنانية فأراد بلعها، لكنه ما زال غاصا بها وسيبقى إلى أن يختنق .

نيسان ـ نشر في 2016-10-29 الساعة 11:48

الكلمات الأكثر بحثاً