اتصل بنا
 

تقسيم سورية.. بين مشروع روسي ومخطط أميركي

نيسان ـ نشر في 2016-10-31 الساعة 10:57

x
نيسان ـ

من الواضح أن “كل الطرق تؤدي إلى تقسيم سورية”، وقد يكون هذا الحل الذي قبلت به وتعمل عليه كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، ورضيت به الدول المشاركة في التحالف الدولي، والتزمت الصمت تجاهه الدول العربية، ورأت فيه تركيا “الحل الواقعي” للأزمة التي صدرت لها أكثر من مليوني لاجئ يعيشون على أرضها، فهل ستكون كمحرقة حلب التي ينفذها الروس ونظام الأسد، بمساندة من الإيرانيين وحزب الله، للقضاء على المقاومة المسلحة، وإجبار العناصر المسلحة الأجنبية على الخروج، وتحرير الرقة من داعش، من مفاتيح حل التقسيم؟

لن تعود موحدة

الولايات المتحدة الأميركية، تحدث وزير خارجيتها “جون كيري”، في فبراير الماضي صراحةً عن “تقسيم سورية”، وأشار إلى إمكانية تقسيم سورية، وهو التصريح الذي شكل تحولاً في السياسة الأميركية التي كانت تشدد على ضرورة المحافظة على “وحدة سورية”، وقد شكك “كيري” في بقاء سورية موحدة في ظل استمرار الحرب “وما دام الأسد في السلطة”، أما مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، “جون برينان” فعبر عن تشاؤمه من مستقبل سورية، مرجحًا بأنها لن “تعود موحدة كما كانت مرة أخرى”.

“برينان” عبّر، في كلمة ألقاها بمنتدى “أسبين” الأمني السنوي، عن عدم تفاؤله بشأن مستقبل سورية، موضحًا “لا أعرف ما إذا كان يمكن أو لا يمكن عودة سورية موحدة مرة أخرى”، ودخلت روسيا على خط الحديث عن احتمال تقسيم سورية، بإعلان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، بأنه “من الممكن أن تصبح سورية دولة فيدرالية”، وهي الإشارة الأولى من مسؤول روسي رفيع المستوى، حول احتمال تقسيم سورية، خصوصًا أن الفيدرالية في السياق العربي، تعني “التقسيم”، والمحاصصة الطائفية، وانهيار الدولة الوطنية، وصناعة حالة انقسام اجتماعي حاد، ينتج دولة فاشلة، كما في التجربة الفيدرالية الوحيدة عربيًا في العراق، بعد الاحتلال الأميركي.

مخطط التقسيم

المخطط الذي يجري تنفيذه الآن، خصوصًا مع استمرار العمليات العسكرية الروسية والدعم القوي لبشار، لإضعاف المعارضة السورية المسلحة أو القضاء عليها، بأن روسيا ستبقي على الأسد كما تريد في مساحة جغرافية من سورية، تسعى لتوسيعها، والولايات المتحدة تعمل على توسيع نطاق “الجيش السوري الحر”، ودعم الأكراد السوريين، على حساب داعش، الذي سيتم طرده من الرقة في عمليات ستبدأ بعد أسبوعين، يشارك في الجيش السوري الحر والمعارضة المدعومة من واشنطن، وأعلنت تركيا من خلال عملية “درع الفرات” المشاركة فيها، وقد حققت تركيا العديد من أهدافها على الحدود السورية – التركية، وحررت عدة مناطق أبرزها “جرابلس” وصولاً إلى “دابق”، التي كانت تمثل قيمة تاريخية لـ”داعش” والحديث عن الملاحم والانتصارات، وأطلقت اسم مجلتها التي تصدرها بالعربية والإنجليزية اسم “دابق”.

روسيا والولايات المتحدة

وإذا كانت روسيا ترفض أي حديث عن تنحي الأسد، أو إنهاء وجوده في السلطة، فإنه لا تستطيع أن تتحدث عن إمكانية سيطرته على جميع الأراضي السورية، وواشنطن تريد أن تبقى للمعارضة السورية مناطق نفوذ، وتدعم الأكراد، وتتفهم الدور التركي في سورية، التي أعلنت أنها ليس لها أطماع في الأراضي السورية، ولكن هدفها تأمين حدودها من التنظيمات الإرهابية سواء “داعش” أو التنظيمات الكردية التي تصنفها أنقرة “إرهابية”، ومن ثمَّ القبول بتقسيم سورية يحقق ما تصبو إليه جميع الأطراف المتداخلة في الشأن السوري، والتي لها نفوذ مباشر أو غير مباشر على الأرض، وتملك القوة وتقدم الدعم العسكري واللوجستي للطرف الذي تسانده.

سلطة العلويين

المفاجأة الخطيرة التي فجرها الإعلامي والمعارض السوري الدكتور فيصل القاسم، حول الوضع السوري، تؤكد هذا الاتجاه نحو التقسيم، فقد نقل “القاسم”عن مصادر خاصة، أن روسيا تعمل على “إنشاء جيش سوري وطني جديد لكل السوريين”، وطبقًا لمصادر “القاسم” أن “نظام الأسد يصر على بقاء السلطة العسكرية والأمنية في أيدي العلويين حصرًا”.

المشروع الروسي

“القاسم” قال على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “هاااام: مشروع روسي بعيدًا عن الإعلام من أجل سورية، يعمل الروس حاليًا بعيدًا عن الأضواء على إقناع عشرات الألوف من قوى المعارضة بالاندماج في جيش سوري جديد، وقوات أمن سورية جديدة كمقدمة لحل ينقذ سورية من كارثتها”.

الطريقة الطائفية القديمة

وتابع “القاسم” قائلاً: “سألت مصدرًا روسيًا: وهل يقبل النظام الطائفي أن يكون الجيش والأمن السوري جيشًا وطنيًا غير طائفي ولا يخضع للعلويين تحديدًا؟، فقال: نواجه صعوبة في إقناع النظام الذي يريد أن يحكم سورية بنفس الطريقة الطائفية القديمة، ويصر على أن يكون الجيش والأمن في أيدي الطائفة العلوية كما كان دائمًا، لكن روسيا تحاول أن تفرض مشروعها لإنقاذ سورية بطريقتها الخاصة”.

قوى أمن جديدة

وطبقًا لـ”القاسم”، تقترح روسيا أن تبقى قوى المعارضة في مناطقها، لكن ضمن جيش وقوى أمن سورية جديدة، بعبارة أخرى، كل منطقة يحميها أهلها عسكريًا وأمنيًا، فأهل حلب السنة مثلاً يحمون حلب، وأهل حماة يحمون حماة، وأهل درعا يحمون درعا في إطار الجيش الجديد”، وأضاف “القاسم”: “هذا من شأنه أن يقضي على السيطرة العلوية على الجيش والأمن، وبموجب الخطة الروسية لن يستطيع العلوي أن يعود ليحكم درعا أو السويداء أو حلب عسكريًا وأمنيًا كما كان الوضع في الماضي، بل ستنحصر سلطة العلويين أمنيًا وعسكريًا في مناطقهم حصرًا، وبعد أن تستقر الأمور يتم الإعلان عن جيش وطني سوري جديد وقوى أمن تخضع للدولة لا لطائفة معينة”.

خطوة هل يكتب لها النجاح؟

“القاسم” تساءل: “فهل تنجح روسيا في مسعاها؟ واعتبر أن هذا الحل “خطوة إيجابية إذا كتب لها النجاح، فعلى الأقل يتم تخليص سورية من الإرث الطائفي الحقير الذي أوصل سورية إلى هنا، “كما ورد نصًا بتدوينته المرفقة أسفل”.

الطائفة العلوية

حل التقسيم سيكون الخاسر منه الأغلبية السنية في سورية، والكاسب الأكبر الطائفة العلوية التي ينتمي اليها بشار الاسد، وكبار قادة الجيش والمخابرات، والتي تحتفظ بالسيطرة على أكبر مساحة في سورية رغم أن نسبتهم لا تزيد عن الـ11% من السكان، ويملكون القوة العسكرية فهم يسيطرون على الجيش والشرطة والمخابرات، ويضمن الأكراد البقاء في الأراضي التي سيطروا عليها، وكذلك ضمان ضمان حملية الدروز الذين تحالفوا مع بشار الاسد ولكن تغير موقفهم بعد ذلك.

ولاء الدروز للأسد

والدروز يشكلون أقلية صغيرة نسبيًا في سورية، وسعوا إلى تجنب التدخل بصورة أعمق في الحرب الدائرة في البلاد، إلا أن مكانتهم الاستراتيجية في المنطقة الجنوبية الجبلية من “جبل الدروز” تمنحهم بالضرورة النفوذ للتأثير على الجهات الطامحة إلى السيطرة على مستقبل سورية، وحتى وقت قريب، تسنّت للمعارضة العربية السنية فرص متعدّدة للاستفادة من هذا النفوذ نظرًا لأن ولاء الدروز لنظام الرئيس الأسد كان محدودًا، غير أن الأسد نجح في استغلال مخاوف هذه الطائفة، وإقناعها بالتعاون معه بفاعلية أكبر للدفاع عن مركز دمشق، مستفيدًا بالدرجة الكبرى من سلسلة أخطاءٍ ارتكبها المتمردون.

الإحصاء السكاني

وطبقًا للتعداد السكاني في سورية لإحصاء عام 2010، يعيش في سورية حوالي 700,000 مواطن درزي، أي ما يعادل 3 في المائة من إجمالي عدد السكان، وكانت غالبيتهم تعيش في محافظة السويداء، التي بلغ عدد سكانها 375,000 نسمة – 90 في المائة منهم دروز، و7 في المائة مسيحيين، و3 في المائة من السنة، كما كان هناك 250,000 درزي آخر يقيمون في دمشق وضواحيها (جرمانا، صحنايا، وجديدة عرطوز)، بالإضافة إلى 30,000 درزي على الجانب الشرقي من “جبل حرمون” و25,000 في أربعة عشر قرى في “جبل السماق”، شمال شرق إدلب، وقد غيّرت الحرب التوزيع السكاني في الجنوب بشكل كبير، حيث شُرِّد 100,000 شخص من السنة داخل البلاد، وهاجروا بعد ذلك إلى “جبل الدروز”، وقد فرَّ الكثير من دروز دمشق إلى جنوب البلاد أيضًا، مباشرة بعد أن أصبحت منطقة العاصمة غير آمنة.

ضواحي دمشق الدرزية

وتضطلع ضواحي دمشق الدرزية بدور رئيسي في الدفاع عن المدينة، كونها تحيط بالبلدات الخاضعة للمعارضة على غرار بلدة داريا، وتشكل حاجزًا فاصلاً يقطع الاتصال بين المناطق السنية في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية، وتشكل القرى الدرزية في جبل حرمون معقلاً للموالين للنظام عند الأطراف الجنوبية الشرقية للعاصمة، وتسمح للجيش السوري بالبقاء على اتصال مع مرتفعات الجولان.

ويشكل “جبل الدروز” منطقة عازلة في جنوب العاصمة، ويحافظ على الرابط البري الرمزي بين سورية والأردن، ويأمل النظام بأن يمنع هذا العازل دون دخول المزيد من المتمردين إلى البلاد من تلك الجهة، بالإضافة إلى ذلك، تسهم القواعد الجوية العسكرية في المنطقة في الدفاع عن مواقع الجيش السوري في محافظة درعا، وعلى نطاق أوسع، يشكل المعقل الجبلي تهديدًا مستمرًا لقوات المعارضة المسلحة في تلك المحافظة.

مصير الدروز

ويرى “فابريس بالونش”، الأستاذ المشارك ومدير الأبحاث في “جامعة ليون 2″، والباحث في معهد واشنطن، أنه سيكون من الصعب فصل “جبل الدروز”، عن نظام الأسد بقوة الإقناع وحدها، ولا يمكن كسب ولاء الدروز ما لم تنقطع صلتهم عن دمشق، وحتى في هذه الحالة سيحتاجون إلى ضمانات ملموسة فعلية بأن القوى الدولية ستحميهم من التنظيمات مثل «جبهة النصرة»، وتنظيم داعش.

ويقول “بالونش”، لا يريد أهالي “جبل الدروز”، أن يلقوا المصير نفسه الذي لقيه إخوانهم في الدين في “جبل السماق”، ومن هذا المنطلق، إذا كانت واشنطن وحلفاؤها يريديون لهذه الأقلية الاستراتيجية أن تلعب أي دور في الإطاحة بالنظام أو في إنهاء الحرب بشروط ميسّرة، فلا بد لهم من طمأنة الدروز المحليين بشكل واضح بأنّ لديهم مستقبل آمن في في سورية من دون رعاية الأسد.

المليشيات المحلية

ويقول “بالونش”، إن الجيش السوري لا يشارك بقوة في الدفاع عن “جبل الدروز”، فإن الجزء الأكبر من هذه المهمة يقع على عاتق حوالي 10,000 عنصر من الميليشيات المحلية؛ فهؤلاء يعرفون المنطقة جيدًا ولديهم حافز أكبر للدفاع عن النظام في حلب أو حمص، وإن الاتفاق غير الرسمي الذي توصل إليه الأسد مع الزعماء الروحيين للطائفة الدرزية أو “شيوخ العقل”، نصّ على إبقاء المجندين الدروز في محافظة السويداء، مع الإشارة إلى أن الأسد يعتمد اعتمادًا كبيرًا على هؤلاء الزعماء للتحكم بالدروز.

الحلول البديلة

ولا يزال الحل المتوفر أمام الدروز بربط مصيرهم كليًا بمصير الأسد حلاً غير مرضٍ؛ لأن سقوط الأسد سيترك الدروز في مهب الريح، وتمثل إحدى الحلول البديلة التي تم النظر فيها في الماضي في إقامة منطقة مستقلة في “جبل الدروز”، مع حدود مفتوحة مع الأردن تحت حماية دولية، وبدأت إمكانية تحقيق هذا الخيار تبدو أكثر تيسيرًا حين بدا الجيش السوري على وشك الانهيار في ربيع عام 2015.

مليشيات “الشيخ البلعوس”

“الشيخ البلعوس”، أحد الدروز الأوائل الذين شكّلوا ميليشيات موالية للنظام، وبحلول عام 2014 نجح في تمييز نفسه في اشتباكات متعددة على غرار “معركة داما”، وقد طلب من الأسد تزويد ميليشيات “جبل الدروز” بأسلحة ثقيلة للدفاع بفعالية أكبر عن المنطقة، ولكنه دخل في الوقت نفسه في النقاش السياسي ليعبّر عن مخاوف أبناء طائفته، من خلال انتقاد غلاء المعيشة والفساد المستشري وتجنيد الرجال الدروز للقتال على الخطوط الأمامية خارج “جبل الدروز”، وبحلول حزيران (يونيو) 2015، ازداد عدد أفراد عناصر الميليشيا التابعة له إلى حوالي 1000 مقاتل، وكان يتلقى التمويل اللازم لشراء الأسلحة من جهات خارجية، بما في ذلك من الدروز الإسرائيليين القلقين على مصير إخوانهم في سورية، ولكن في الخامس من أيلول (سبتمبر) من ذلك العام، اغتيل “الشيخ البلعوس” في ظروف غامضة وتم حل ميليشايته.

احتلال مطار الثعلة

ويرى “بالونش” أن نظام الأسد مسؤول عن مقتل “البلعوس”، والسبب المرجح هو أنه أصبح طموحًا جدًا في انفصال “جبل الدروز” عن الدولة، وفي حزيران (يونيو) 2015، وقف “البلعوس” وكتيبته على الحياد عندما حاولت «جبهة النصرة» احتلال مطار الثعلة؛ وقد حثّ الدروز على الاستيلاء على مواقع الجيش ومباني الحكومة عوضًا عن القتال لصدّ الهجوم، ولكنهم لم يفلحوا في ذلك، لعله ظنّ في ذلك الوقت أن الجيش كان يهمّ بالخروج من “جبل الدروز” نظرًا للهجمات الناجحة التي نفّذتها المعارضة المسلحة في إدلب ومحيط درعا، ولكن أدّى مصرعه والتدخل الروسي الذي أعقبه بفترة وجيزة إلى قلب موازين القوى بالكامل على الأرض، ولذلك من المستبعد أن يغامر الدروز بتنفيذ المزيد من المحاولات الانفصالية في أي وقت قريب.

ضمانات ملموسة

ومن ثمَّ سيكون من الصعب فصل “جبل الدروز” عن نظام الأسد بقوة الإقناع وحدها، ولا يمكن كسب ولاء الدروز ما لم تنقطع صلتهم عن دمشق، وحتى في هذه الحالة سيحتاجون إلى ضمانات ملموسة فعلية بأن القوى الدولية ستحميهم، ولا يريد أهالي “جبل الدروز” أن يلقوا المصير نفسه الذي لقيه إخوانهم في الدين في “جبل السماق”، ومن هذا المنطلق، إذا كانت واشنطن وحلفاؤها يريديون لهذه الأقلية الاستراتيجية أن تلعب أي دور في الإطاحة بالنظام أو في إنهاء الحرب بشروط ميسّرة، فلا بد لهم من طمأنة الدروز المحليين بشكل واضح بأنّ لديهم مستقبل آمن في في سورية من دون رعاية الأسد.-(التقرير)

نيسان ـ نشر في 2016-10-31 الساعة 10:57

الكلمات الأكثر بحثاً