اتصل بنا
 

شركات الاتصالات الخلوية..هل التأميم هو الحل؟

نيسان ـ نشر في 2016-11-02 الساعة 11:21

شركات الاتصالات الخلوية.. هل التأميم هو
نيسان ـ


كتب محمد قبيلات.. من القصص المؤثرة لمسيرة الخصخصة في بلادنا؛ قصة خصخصة قطاع الاتصالات، حيث خسّرت هذه العملية خزينة الدولة مليارات الدولارات، وما زال هذا النزيف مستمرا، حيث تواصل الشركات الأجنبية حصد الأرباح المجزية وظلت، لفترة طويلة، تحوّل ما يزيد عن المليار دولار سنويا إلى الخارج، حيث أن ملكيتها آلت الآن لشركات غير محلية.
من الطبيعي أن تكسب هذه الأرباح كلها وقد سيطرت على مشروعات مدرّة للأموال، وأصبحت تنطبق عليها التسمية (Cash Cow) التي عادة تطلق على المشروعات المدرة أرباحا مضاعفة وبقليل من الجهد والكلفة.
شركات الاتصالات، التي تم منح رخصها في البداية لمتنفذين، وقاموا بدورهم ببيعها لشركات أجنبية مقابل مئات الملايين، وجدتها الشركات المُشترية، فرصة سانحة لجني الأرباح؛ فلم يكن مطلوبا منها إلا أن تبيع الهواء، من دون رساميل كبيرة أو كلف تشغيلية تذكر بمقابل الأرباح الطائلة التي ستحققها، فإذا كان تاجر الماء لا يخسر فكيف يخسر من يبيع الهواء!؟
لا نبالغ اذا قلنا أن مجموع المبالغ التي خسرتها خزينة الدولة، من جراء التساهل ببيع هذه الرخص للقطاع الخاص، كان يمكن أن تشطب عائداته بند المديونية كاملا، فبالعودة إلى ميزانيات الشركات المعلنة نجد أنها ظلت، على مدى الخمسة عشر سنة الماضية، تكسب سنويا مئات الملايين من الدولارات.
ونحن نتحدث عن مديونية كان معدل اقتراضها الزمني نحو مليار دينار سنويا، وظلت إلى عام 2012 تراوح بحدود الـ 12 مليار دينار، وهذا يعني أنه لو تم خصم الفوائد وخدمة الدين وتقاضي الحكومة أثمان رخص تشغيل خدمات الهواتف المتنقلة وعائداتها لكانت قيمة المديونية أقرب ما تكون إلى الصفر.
بدأت قصة هدر المال العام، في قطاع الاتصالات، حين تم منح الرخص لثلاث شركات، في الفترة الممتدة بين 1995-2003، بمبالغ زهيدة قد لا تزيد عن بضعة ملايين، في حين أن دولة مثل المملكة العربية السعودية، في الفترة الزمنية نفسها، طرحت رخصة شركة "موبايلي" في مزاد علني، حققت منه خزينتها عوائد قُدرت بنحو 4.5 مليار دولار، وفي لبنان مُنحت رخصة التشغيل لمزود ثالث مقابل أكثر من مليار دولار، دُفعت لخزينة الدولة اللبنانية.
فما الذي جرى؟
كانت وزارة النقل والاتصالات تشرف على الاتصالات، بامكانات متواضعة من حيث الكفاية والمهنية، ونحن نعلم مدى التطور الحاصل في هذا القطاع، حيث كان يجب أن تكون ملاكات الوزارة مؤهلة لمواكبة التطور الذي أحدثته ثورة الاتصالات، فكان الحل، الارتجالي، انشاء هيئة قطاع الاتصالات، وكلنا يعلم ما جرى في هذه الهيئات، حيث كانت مرتعا للمحسوبيات والواسطات، فلقد تم تعيين أبناء المتنفذين في الدولة على سبيل التنفيع في هذا القطاع الحيوي والحساس، ما تسبب في تعطيل تحقيق الغايات المتوقعة من هذا الاجراء الاداري.
جرى ذلك في ظل غياب الجهات الرقابية، وفي أجواء مستحكمة من الجهل الفني والاداري والتقني القادرة على ضبط العمليات التي يحتاجها هذا القطاع.
هذه التجربة كلفت بلدا مثل الأردن الكثير، فالمديونية تجاوزت اليوم 35 مليار دولار، ونسب البطالة، وكذلك العجز في الموازنة، في ارتفاع مستمر، والسبب هو الترجمة الرديئة للنظريات الاقتصادية الليبرالية، فالليبراليون عندنا مجرد سماسرة يُحسنون فقط التواسط لاتمام الصفقات وكسب العمولات، خصوصا ان عمليات الخصخصة كلها تمت بعيدا عن عين الجهات الرقابية.
سوء ادارة هذا القطاع تسبب في اغراق البلد بكارثة اقتصادية، تتحمل نتائجها الان الطبقات الفقيرة في المجتمع.
لا أدري بأي الحجج سيتحجج اليوم من نظّر لهذه الصفقات ونفّذها، خصوصا في ظل تدني مستوى الخدمات التي تُقدم للمواطنين.
المواطن الأردني بعد الخصخصة ولج المرحلة "الزبونية" وهو ينظر اليوم بحيرة إلى هذه الشركات التي كانت- أو يجب أن تكون- وطنية، وكيف حولته من مواطن إلى زبون يدفع من دون ان يتلقى الخدمات بحدها المقبول والمتوقع.
الحل هو أن تُعيد الدولة، وهذا على المستوى الرسمي، النظر بصياغة سياساتها الضريبية في هذا القطاع؛ بما يضمن استعادة المبالغ المفقودة، لأنه لم يعد ممكنا في هذ الزمان إستعادة ملكية هذه الشركات، فلقد ولى زمن التأميم والحلول الثورية، أما على الصعيد الشعبي؛ فلا بد أن تبدأ النضالات الجماهيرية السلمية ضد هذه الشركات، وذلك عن طريق تفعيل دَور جمعيات حماية المستهلك وتشكيل جماعات ضغط محلية، تقوم برفع قضايا لدى المحاكم ضد هذه الشركات.
هناك الكثير من القضايا التي يمكن أن تُثار ضد شركات الاتصالات، منها: عدم حماية الخصوصية والمتمثلة بالتساهل في كشف المعلومات الخاصة بالمستخدمين، وقضية حق الملكية الفكرية المتعلقة بخصوصية رقم الهاتف الشخصي، وعدم أحقية الشركات منحه لآخرين في حال فصله عن مستخدمه الأول، وقضايا تختص بضعف الخدمات والتغطية في الكثير من المناطق، بالاضافة إلى التلاعب بالعروض وعدم حقيقتها في كثير من الأحيان، وأكبر مثال على ذلك أسعار حزم الانترنت؛ حيث يمكن أن يشتري مواطن الحزمة سعة 2 جيجا بستة دنانير، وفي اليوم التالي يكتشف أن سعرها دينار واحد في عرض آخر لنفس الشركة.
وهذا غيض من فيض، وإن دلّ إنما يدل على أن الأرباح الخيالية التي تجنيها هذه الشركات ما كانت لتتحقق إلّا نتيجة لعدم تقديم الخدمة المناسبة للمواطنين- أو الزبائن على رأي هذه الشركات، ولو أنها أديرت بالشكل الصحيح، من قبل الدولة، لحصل المواطن على خدمات أفضل، ولساهمت عائداتها بدعم فعّال لموازنة الدولة.

نيسان ـ نشر في 2016-11-02 الساعة 11:21

الكلمات الأكثر بحثاً