من سيحسم انتخابات أميركا؟
خليل العناني
كاتب مصري
نيسان ـ نشر في 2016-11-07 الساعة 08:55
الانتخابات الرئاسية الأميركية تشهد تعقيداً وغموضاً في تحديد الفائز بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، وذلك بسبب الانقسام والتوتر الكبيرين في المجتمع الأميركي. وتزيد من تعقيد المشهد الكشف عن إيميلات جديدة تخص كلينتون، وفضائح حملة ترامب. وتتأرجح الأمور في الولايات المتأرجحة التي يمكنها حسم الانتخابات لأي مرشح.
تفصلنا ساعات قليلة عن معرفة اسم الفائز بالرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، سواء ما إذا كانت المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، أو المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وذلك في واحدةٍ من أكثر الانتخابات الأميركية انقساماً وتوتراً في التاريخ المعاصر. وعلى الرغم من مناخ الإثارة الذي دائما ما يُصاحب الانتخابات الأميركية، إلا أن الأمور، هذه المرة، تبدو أكثر تعقيداً، ما يزيد من مساحة الغموض وعدم اليقين بشأن تحديد هوية الفائز، ومعرفة آثار ذلك على الداخل الأميركي، في مرحلة ما بعد الانتخابات.
لسنا، هذه المرة، إزاء مرشحين عادييْن أو إزاء انتخابات تقليدية. وإنما هناك ملامح كثيرة تجعل من هذه الانتخابات غير عاديّة وغير مسبوقة. وزاد من تعقيد المشهد ما حدث في الأيام القليلة الماضية، فالحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، وبعد تفوق ملحوظ على ترامب، شهدت تراجعاً وانتكاسة مفاجئة، قبل عشرة أيام من الانتخابات، على خلفية الكشف عن وجود إيميلات جديدة تخص كلينتون، عندما كانت وزيرة للخارجية، على الحاسوب المحمول للزوج السابق لمساعدة كلينتون، هوما عابدين. وفي حين أن مكتب التحقيقات الفيدرالية لم يوجه أية اتهامات لكلينتون، بعد التحقيق في فضيحة استخدام بريد الكتروني خاص بها، بشكل قد يعرّض الأمن القومي الأميركي للخطر، خلال الصيف الماضي، إلا أن إعادة فتح الموضوع قبل أيام من الاقتراع ألقى بظلال كثيفة على حملة كلينتون، وأدى إلى تراجع نسبة تأييدها أمام غريمها ترامب الذي اقترب منها، بل وتفوق عليها في بعض استطلاعات الرأي.
أما ترامب، فبعد أن تراجعت حظوظه في الفوز بالانتخابات، على خلفية الفضائح والانتكاسات العديدة التي تعرضت لها حملته الانتخابية، وآخرها فضيحة مكالمته الخاصة بعلاقاته الجنسية، ونظرته المتدنية للنساء، إلا أنه استطاع أن يقلّل الفارق مع كلينتون، في بعض الولايات
الحاسمة، مثل فلوريدا، بل وتغلب عليها في أوهايو في استطلاعات الرأي، وهما من الولايات التي يمكنها حسم الانتخابات لصالح أي مرشحٍ، باعتبارهما ينتميان إلى ما يُطلق عليها "الولايات المتأرجحة" في الولايات المتحدة، وهي التي لا تنتمي لأي من الحزبين الكبيرين، الديمقراطي والجمهوري، ولا يغلب علي أي منها التصويت لمرشح معين، ولا يزال الناخبون فيهما لم يحسما أمرهما. كما أنها الولايات التي لا يحظى فيها أي مرشحٍ بأفضلية على الآخر، ولا تُعرف نتائج تصويتها إلا عشية الانتخابات. يختلف عدد هذه الولايات المتأرجحة من انتخابات إلى أخرى، ولكن هذه المرة تكاد تكون نسبتها الأكبر في تاريخ الانتخابات الأميركية، فنحن نتحدث عن حوالي 11 ولاية متأرجحة هي (فلوريدا، وكلورادو، وأيوا، وميتشيغان، ونيفادا، ونيوهامبشير، ونورث كارولينا، وأوهايو، وبنسلفيانيا، وفرجينيا، وويسكنسون).
وتظل ولايتا فلوريدا وأوهايو الأكثر أهمية لكلا المرشحين، كلينتون وترامب، كونهما يمتلكان 47 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي (فلوريدا 29 وأوهايو 18) والذي يتكون إجمالاً من 538 صوتا، ويفوز بالانتخابات من يحصل على أكثر من نصف أصواته، وهو 270 صوتا. فإذا نجح أي من المرشحين في الفوز بالولايتين، بالإضافة إلى الولايات الأخرى المعروفة بانتمائها الحزبي له، يفوز بالرئاسة الأميركية. وقد كانت ولاية فلوريدا محط أنظار العالم في انتخابات عام 2000 كونها حسمت الرئاسة لصالح المرشح الجمهوري آنذاك، جورج دبليو بوش، بعد انقسام وخلاف كبيرين بشأن النتائج، ضد غريمه الديمقراطي آل غور، ولم يحسم الخلاف إلا المحكمة الدستورية العليا التي قامت بعملية إعادة فرز للأصوات، وتم تعطيل إعلان الفائز حتى بعد الانتخابات، في سابقةٍ لم تعرفها الولايات المتحدة سوى مرتين في القرن التاسع عشر.
لذلك، تركّزت جهود كلا المرشحين، كلينتون وترامب، طوال اليومين الماضيين على مغازلة الناخبين في هاتين الولايتين، من خلال عقد مؤتمرات انتخابية. كما ذهب الرئيس الحالي، باراك أوباما، إلى أوهايو، وقام بعملية تعبئة للناخبين وحشدهم من أجل التصويت لصالح كلينتون. وكذلك فعلت زوجته، ميشيل أوباما، التي ألقت خطابين حماسيين في كل من بنسلفانيا، والتي تمتلك 20 صوتاً في المجتمع الانتخابي، وكذلك في ولاية نورث كارولينا التي لها 15 صوتاً. وإذا ضمنت كلينتون الفوز بهاتين الولايتين أيضاً تحقق حلمها بالوصول إلى البيت الأبيض، لتصبح أول رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة.
يزيد من عدم عاديّة هذه الانتخابات حالة الاستقطاب بين داعمي الحزبين، الجمهوري
والديمقراطي، والتي وصلت إلى حد تهديد بعض الجمهوريين بالقيام بهجمات، وشن حربٍ إذا خسر مرشحهم الرئاسي، دونالد ترامب. وهو ما كشفت عنه صحيفة واشنطن بوست، قبل أيام، في واحدٍ من أكثر التحقيقات جرأة وإثارة للخوف والذعر، حيث تنقل الصحيفة عن بعض مؤيدي ترامب إنهم سوف يشعلون حرباً أهلية، إذا ما فازت هيلاري كلينتون، وهو أمر لم يحدث في تاريخ الانتخابات الأميركية، ما يعكس حجم الاستقطاب والشحن السياسي الذي يخيّم علي أجواء هذه الانتخابات. وقد ساهم الإعلام المحسوب علي الجمهوريين في تسخين القاعدة المحافظة للحزب الجمهوري، واستثار حماستهم، بحيث جعلهم يتعاطون مع هذه الانتخابات، باعتبارها مسألة حياة أو موت، وليست مجرد منافسةٍ سياسية. وكان لافتا أن يرفض ترامب التصريح بقبوله بنتيجة الانتخابات في حالة الخسارة، في المناظرة الثالثة والأخيرة التي أجراها مع كلينتون قبل حوالي أسبوعين، وهو ما أثار الشكوك حول مدى تماسك النظام الديمقراطي وقوته في الولايات المتحدة، والتي يعتبرها بعضهم من أهم الديمقراطيات في العالم.
نحن إذا إزاء انتخابات غير عاديّة وغير مسبوقة في التاريخ الأميركي، ليس لأهمية المرشحين، وإنما، ويا للمفارقة، لكونهما أسوأ من ترشحوا، إما لفضائحهم السياسية، كما الحال مع كلينتون، أو نتيجة انعدام الخبرة السياسية وتبني خطاب الكراهية والعنصرية، كما ترامب، ما يجعل العالم يحبس أنفاسه انتظاراً لمعرفة الفائز بأهم منصب سياسي في العالم بعد يومين.
العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2016-11-07 الساعة 08:55
رأي: خليل العناني كاتب مصري