اتصل بنا
 

الفجوة الروحيّة

كاتب صحافي

نيسان ـ نشر في 2016-11-23 الساعة 10:14

تأمل الحياة والعيش بوعي وسلام في عالم مليء بالتناقضات
نيسان ـ

عجلة الحياة سريعة وطموحنا وأهدافنا أسرع، نجد الكل من حولنا راكباً الموجة بهدف أو من دون هدف، الغالبية تفكر إما في أحداث الماضي، سواءً أكان في مجدها أم ذلها، أم تفكر في المستقبل بكل ما فيه، وان كان التفكير يحوم بقلق وتوتر من أحداث العالم وصراعاته وتناقضات أنفسنا أيضاً. من بين كل تلك الأشياء ننسى لحظتنا الحالية، ننسى كيف نعيشها بفرح وسلام أو حتى ننسى استشعارها واستشعار كل معانيها. لذا، تكبر الفجوة في دواخلنا يوماً بعد يوم، حتى أدمنا لعبة الركض والتوهان. نتوه في كل شيء، نصدر الأحكام سريعاً، نلوم الآخرين أسرع، نأكل كثيراً وننام أكثر، وإن تقدمنا قليلاً وأصبح مقدار الوعي في مداركنا؛ بدأنا ننظر ونصدر أحكامنا، ونحن للأسف مازلنا نغرق في ضجيج الأفكار والأفعال والاحكام. إذاً، أين نحن من تلك السكينة وذاك الهدوء، وتلك النغمة المحبة للسلام؟

ربما يقول بعضنا كيف نستشعر السلام والهدوء ونحن في عالم يضخ الجنون؟ كيف نعيش ونحن في عالم مليء بالمفاجآت الحزينة؟ حروب وقتال وغضب وانفعال!

على رغم كل تلك الأشياء هكذا هي الحياة، فيها كل شيء المتناغم والمتناقض، لن تكون في سلام دائم، ولن تكون في حرب ودمار مستمر، ستكون بين هذه وتلك.

فلا يضيع وقتنا ونحن نراقب فقط. التأمل مفيد لمعرفة ماذا يجري لنتعلم كيف نعيش، لا لكي ندخل دوامة هذه التناقضات بكل ما فيها، ربما علينا فتح صفحة جديدة مع أنفسنا نحن من الداخل، نعم نحن، أن نشاهد تلك النفس بمحبة، نهدئ من روعها ونسكن من نبضاتها التائهة أو الخانقة، أو نغير من قسوتها وظلمها، سواءً أكان لنفسها أم للآخرين.

الحياة ليست ركضاً في العمل أو العلاقات أو صخبها المعروف، الحياة أيضاً سكينة وهدوء وجمال وسلام، ليست بالضرورة أن تمطر السماء أو أن تكون الأرض خضراء مليئة بالعشب، المهم أن نعيش مع أنفسنا بوعي، أن نلمس تلك العضلة التي تضخ كل دقيقة حياة نتنفس من خلالها، لكي نعيش علينا أن نلمسها برفق وحنّية، أن نعطر أرواحنا بكلمات المحبة وبحديثنا الذاتي بحب، أن نلمس أرواحنا بصدق وأن نترفع عن أحكامنا عن العالم والآخرين، ماذا نضيف في إصدار الأحكام بحدية؟ ربما العمل مع أنفسنا بصدق هو ما يحتاجه العالم. الفجوة أصبحت كبيرة لأننا نشاهد فقط ضعف العالم والبشر ومن حولنا، نكون أكثر من جلاد وناقد على الآخرين، ألم يأت الوقت لاستراحة المحارب كما يقولون، أن نضع أدوات القتال من كلمات جارحة وأحكام صادرة وردود أفعال خاطئة على جنب الطريق، ونحاول من جديد أن نتجرع ونتذوق السلام الداخلي من دون تصنيف، سيئ أم جيد، أن نعيش بصدق في قبول الداخل بكل عيوبه وننظف حجراته من كل ما علق به، ونحلق في بذرة الحب والتسامح والمحبة من جديد، من هنا يبدأ العالم بالتغيير، من هنا يبدأ الافراد بالتحرك بإيجابية، من هنا نفتح نافذة صادقة مع أنفسنا أولاً، بعد ذلك، كل ما يحصل في العالم نتأمله ثم نعدل في أنفسنا نحن، لأن هناك حقيقة غيبها كبر وغرور الإنسان أنه يستطيع أن يغير كل شيء، نستطيع أن نضيف نعم، لكن الشيء الذي نستطيع تغييره هو أنفسنا.

ما أكثر الحكم والمواعظ والكلمات، لكنها ماذا أضافت إن لم تأت من صاحبها الحقيقي الذي يدرك معنى الحياة والوجود فكيف تؤثر في الآخرين وفينا، الحكماء لا يقولون عن أنفسهم حكماء، يتركون آثارهم كنموذج يقتدي به العالم، كيف؟ يكون في معرفة أنفسهم الحقيقية وتهذيبها وتطويرها، يشاهدون عيوبهم وقوتهم بتوازن لا يصدرون الأحكام، بل يحاولون أن يتطوروا بالصبر والوعي والتأني والتواضع وفهم الدروس، لكنهم لا يدخلون في زوبعة الجنون، بعيدون قريبون، لكنهم صادقون، هؤلاء غيروا التاريخ كله، مجدهم مع أنفسهم كان في التغلب على الانفعال والأحكام وردود الأفعال، فكانوا رموزاً حقيقيةً من خلالها تعلم الأفراد بعضهم كيف يسير في الطريق.

لا يضيع الكثير من وقتنا في خوف من المستقبل أو الانتكاسة لظروف الماضي، علينا الآن وفي هذه اللحظة الجلوس قليلاً مع أنفسنا بصدق، نلتمس أرواحنا بحب ونهدئ من روعنا قليلاً، فلماذا الخوف؟ ربما حان الوقت أن نعيد إحياء الجانب الروحاني فينا الذي غيبته الماديات والمظاهر والركض وزادت الفجوة بين الإنسان ونفسه وأصبح يعيش كالغريب.

الحياة

نيسان ـ نشر في 2016-11-23 الساعة 10:14


رأي: هيفاء صفوف كاتب صحافي

الكلمات الأكثر بحثاً