اتصل بنا
 

سينما الخروج من الملائكية

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2016-11-23 الساعة 14:19

تحليل لتصوير المقاوم الفلسطيني في السينما والأدب
نيسان ـ

احتاجت محاولة اخراج الفلسطيني من "شعاريته"و"ملائكيته" شروحات المخرجة الفلسطينية سهى عراف لجمهور السينما الاردني بعد عرض فيلمها "فيلا توما" في سينما الرينبو .
كان واضحا من دهشة الحضور انه لم يألف صورة المقاوم العاشق الذي يستشهد ويخلف وراءه جنينا ويغشى على حبيبته الحامل حين تفاجأ بصورته في "بوستر" معلق على احد جدران رام الله خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية .
لم يكن العيب في الجمهور بطبيعة الحال بل الثقافة التعبوية التي جردت المقاوم الفلسطيني من انسانيته ونمطته وهي تقدمه للمتلقي في صورة تفتقر لابعاد الكائن البشري .
منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في منتصف ستينيات القرن الماضي كان المقاتل والشهيد يصلان الى المشاهد والقارئ قيمة تخلو من كل ما يتعارض مع المنظومة الدينية والاخلاقية .
ارتكز هذا الاداء ـ الذي كان اقرب الى اجهزة التوجيه المعنوي في الجيوش ـ على قدمين خشبيتين فهو يمنح القارئ او المشاهد ما يرضي مثالياته ويقوم بعمل دعائي لثورة مجردة من كل ما هو بعيد عن ذهنية الفئات الشعبية رغم مشاريع التحرر الاجتماعي التي طرحتها بعض فصائل واحزاب المقاومة الفلسطينية .
مثل هذا الدور افرز نتائج بعضها مباشر والاخر اقرب الى العوارض المرضية المزمنة تمثل الواضح منها في اثارة حماسة عابرة لدى الجمهور المنتشر في الاراضي الفلسطينية والشتات وتأليه الثورة وقياداتها .
مضاعفات هذه العوارض انقسمت الى قسمين احدهما التعامل الـ "شيزوفريني" المشطور طوليا بين قناعة ما مبنية على ما يتم سماعه شفهيا في الاوساط والمجالس الضيقة عن ممارسة المقاوم اليومية ـ بكل ما فيها من عشق ونزق وفوضى ـ ورفض تقديمه بصورة الانسان العادي فيما تمثل القسم الاخر بظهور احباطات وصدمات من فعل الثورة والمقاومة بعد اول مقارنة بين الاصل البشري والصورة الملائكية .
وفي الحالتين يظهر الخلل واضحا في العلاقة بين المقاوم وحاضنته المفترضة وتزيد خطورة النتائج من صعوبة الاشارة الى اي من الحالتين باعتبارها اخطر من الحالة الاخرى الا انهما تلتقيان في جميع الاحوال في بعدهما المرضي .
ذهاب الفيلم ـ الذي ابتعد عن الرتابة واستطاع شد المشاهد طيلة فترة عرضه ـ الى هذه المنطقة المحرمة ومناطق محرمة اخرى في الذهنية الفلسطينية مثل البعد الطائفي الذي يتم اخفاءه في العادة بالحديث عن الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال يكشف عن خلل كبير في اداء الادب والسينما الفلسطينيين وتواطؤهما في اخفاء واقع معاش .
اضاءة افلام مثل "فيللا توما" لسهى عراف و"عمر" للمخرج هاني ابو اسعد و"ملح هذا البحر" لآن ماري جاسر بعض المناطق المظلمة وردود الافعال المتباينة عليها يكشف عن حاجة الى ذهنية مختلفة تخرج الفلسطيني من صورته المنمطة في السينما والادب وتقديمه لنفسه والعالم بكامل انسانيته واخطائه البشرية .


نيسان ـ نشر في 2016-11-23 الساعة 14:19


رأي: جهاد الرنتيسي كاتب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً