السياسي والمتدين..تحالف لتطويع المقدس خدمةً للسلطة
نيسان ـ نشر في 2016-11-25 الساعة 11:27
محمد قبيلات
تنشأ العلاقة بين المتدين والسياسي ضمن خطة مبرمة تستهدف تخدير العقل الجمعي، غايتها شرعنة وتثبيت السلطوية وتمرير مآربها الطبقية، فيأتي استثمار السياسي للداعية ضمن هذا الاطار، فهو يستكريه لتنفيذ هذه المهمة مقابل أجر معلوم، لكن الداعية سرعان ما ينقلب عليه طامعا بالسطة، يحدث ذلك حين لا يعود الفتات يكفيه أو مقنعا له، ففي لحظة من لحظات تبعية الجمهور وانسياقه لسحره، تأخذه العزة بقدراته، فيطمع بقيادة القطيع المنصاع مُخدرا لإشاراته.
المقدس يتمتع بالحصانة، ومن صفاته أيضا التراكمية، ووكيله هو المتديّن الذي تعتبر كل أفعاله وحركاته وآثاره مُلحَقة تلقائيا بالمقدس، بحيث يصبح أي اقتراب منه كفرا مبينا وانتهاكا للمحرّم.
خطاب السياسي، بشكل عام، ملغّم بالشيفرات التي تحاكي المقدس، وتستغفل الوسيط في اطار محاولته فتح قنوات مباشرة مع العقل الجمعي، بالصيغة التخاطرية ذاتها، يتم ذلك من باب التحوط الهادف إلى أن لا يضطر السلطوي للخضوع في اللحظة الحرجة ( لحظة الانقلاب) للاستغلال والابتزاز من قبل الداعية.
المقدس هو الخيط الذي يستمد منه السياسي صلته بالقوة الخارقة، فبرغم الادعاء بالعلمانية يُبقي السياسي أدبياته بنكهة ثيوقراطية يجعل منها سقفا يحد به من الحرية، وعندما يضطر لعملية تمثيل القواعد في أروقة السلطة، يستعين بالداعية لتنفيس أحقاد الجماهير من خلال إشعارها بانتصار وهمي، علما أنها فقط تقوم بتقديم الداعية مفوضا عنها بتغاضٍ اضطراري عن دوره الوظيفي.
هنا علينا أن ننتبه إلى أنه ليس من باب المصادفة أن يلجأ السياسي لوسم الانتخابات بالعرس الوطني، فهذه التمثيلات لها أبعاد ومرامٍ مقصودة، فهي تُخاطب أعماق الذاكرة الجمعية، المسكونة بالقرابين والنحر ومراسم الزواج.
فالسياسي يسعى للتفويض، وحتى اللحظة التفصيلة التي يضطر فيها لتقديم جردة الحساب في الخطاب ومنح الثقة، يقدم السياسي كل ما يمكنه تقديمه، بما في ذلك الانتخابات المُهندسة، من أجل نيل هذا التفويض، مع قناعته بأنه ليس تفويضا حقيقيا، لكنه يحتاجه لهدف دعم شرعيته الصورية، وتمرير اللحظة المعيارية، ألا وهي لحظة تجديد العقد الاجتماعي، فيتم هذا الاستحقاق من دون أية مراجعات حقيقية.
الداعية، بصفته السطحية، وضمن لعبته المفضلة في تبديل الحقائق والوجوه والأدوار، يمنح التفويض للسياسي في هذه اللحظة.
في الواقع، ما يفعله هو تجيير التفويض الذي استولى عليه من العامة، بسحر القوة الخارقة، فهو لم يفُز بأصوات الناخبين الذين ناقشوه ببرنامجه الانتخابي أو بناء على تحالف مصلحي واضح المعالم، بل إنه حاز التفويض من مجاميع مُخدرة أوهمها بأن الصالحين كانوا قد مروّا من قراهم وضيعهم، قصة تنطوي على تهديد مُبطن، تستند إلى عملية تزييف الوعي المستمرة، والتهديد، على نحو ما، مدعم بأن للداعية علاقات مع عوالم الغيب التي يمكن أن تحمله إلى كرسي البرلمان، وربما تسخط كل مَن يبخل عليه بالدعم لتحقيق هذه الغاية.
هذا الحلف؛ يستبعد من صفوفه غيبيا آخر، لكنها لعبة الأدوار التي، بشكل أو بآخر، تكمل بعضها البعض، بحيث يتم التآمر الكامل على حرية المجتمع، فيعهد السياسي، بهذه المهمة، إلى فرع آخر من ضمن الفروع المرتبطة بالمقدس؛ يبثه وسط التيار المعارض، فبرغم كل ما يظهر على السطح من صراعات مع هذا التشكيل إلا ان السياسي راضٍ تماما عن آدائه، ضمن عملية ماكرة كبرى، وبرغم كل ما يبدو للعامة من التوهيمات التي يطلقها ضد حليفه المدسوس في منطقة الظل.
هي صراعات شكلية تتم من باب التبادل الجدلي للشرعنة بين المتديّن وراعي السلطة؛ تُظهر المتدين الآخر كفصيل معارض، من دون أن يمنعه ذلك من تنفيذ مهمته على أتم وجه، فيظهر للعيان مضطهدا، يتلذذ بلعب دور الضحية، إلى حين تتكون الحاجة لاستدعائه للخدمة في معركة السلطة ضد عناصر التغيير الحقيقية.
كل هذه التمثيلات لها هدف جامع واحد؛ تعطيل عملية التغيير الحقيقية الهادفة حتما إلى تطور المجتمع.


