اتصل بنا
 

الريسوني بين مرسي والسيسي

صحافي مغربي

نيسان ـ نشر في 2016-11-30 الساعة 10:35

تصريحات أحمد الريسوني حول إزاحة مرسي من الرئاسة في مصر تثير تساؤلات وانتقادات، وينتقد الريسوني تجربة الإخوان المسلمين في مصر ويصفها بالفشل والضحالة الفكرية، ويتهمهم بسوء تقدير الظرفية التاريخية.
نيسان ـ

أثارت تصريحات أحمد الريسوني، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عن 'ارتياحه' لإزاحة الرئيس محمد مرسي عن الرئاسة في مصر، ردود أفعالٍ وتساؤلاتٍ كثيرة لم تفهم المغزى من مثل هذه التصريحات وتوقيتها، والغاية منها.
قال الفقيه المغربي المختص في 'فقه المقاصد'، في حوار مطول مع صحيفة الأيام المغربية الأسبوعية: 'كنت مرتاحاً جداً لإزاحة مرسي من الرئاسة، وفرحت لذلك، لأنها كانت رئاسة في غير محلها'. وتابع إن 'دخول الإخوان بهذه السرعة، وبهذه القفزة الهائلة، كنت أعرف أنها عمل غير طبيعي'، قبل أن يضيف: 'مصر فيها جيش عسكري، وجيش أكبر منه يسمون فنانين، كل هذه الفئات والطبقات ضد الإخوان المسلمين، وهي التي تمسك بالدولة، وأنت تجلس على رأس الدولة، ما عساك تفعل؟'، ليرد الفقيه المقاصدي على نفسه: 'لن تفعل شيئاً سوى الفشل، وكان ممكناً أن يصبروا عليهم حتى يفشلوا تلقائياً، لكن أعداءهم لم يصبروا عليهم، خافوا من أن ينجحوا. ولذلك عجلوا بالانقلاب، خشية نجاحهم، خافوا أن يتداركوا ويعالجوا نقصهم وعدم خبرتهم، فعجلوا بالإطاحة بهم، حتى لا ينجحوا، ولا يراكموا تجربة مقدرة'.
لم يقف انتقاد الريسوني 'إخوان' مصر فقط عند سوء تقديرهم المرحلة السياسية، معتبرا أن ترشّحهم للرئاسة كان 'غلطا'، وتحملهم مسؤوليات الدولة من أعلى هرم السلطة كان مجازفةً، لأن 'جسم الدولة كان ضدهم'، وإنما تجاوزه إلى انتقاد 'الإخوان المسلمين' الذين وصفه تنظيمهم بأنه 'مذهبي' لا يتيح حرية الفكر لمفكريه وعلمائه، ويحجر عليهم التعبير عن آرائهم، ويمنع حتى من 'الاستماع إليهم'، متهما قياداتهم، وأغلبها داخل السجون بـ 'الضحالة الفكرية' (كذا!).
هذا غيض من فيض الانتقادات التي شنها الريسوني على تجربة 'الإخوان المسلمين' في مصر، وعلى تنظيمهم وقيادتهم، ولم يسلم منها حتى مرشدهم الذي وصفه بـأنه 'شخص عادي لا يمتلك أي فكرة'!. وبرّر الفقيه المغربي انتقاداته بضرورة المصارحة 'بصوت مرتفع'، لأنه 'أصبح ينبغي أن يقال هذا ليعتبر من يعتبر'.
في كلام الريسوني ما هو رأي، وهذا من حقه، حتى وإن اختلف معه كثيرون، من قبيل


مؤاخذته على 'إخوان مصر' سوء تقدير الظرفية التاريخية التي قرّروا فيها تولي رئاسة بلدهم وقيادة مؤسساته. وظهرت مثل هذه الآراء المنتقدة حتى بين صفوف 'الإخوان' عند قيام الثورة المصرية عام 2011، وتم التعبير عنها في وقتها. كما أن 'إخوان مصر'، وهم أعلم بتركيبة نظامهم وبلدهم وشعبهم، كانوا يدركون، قبل غيرهم، بأنهم سيواجهون مقاوماتٍ من الداخل، ومصطلح 'الدولة العميقة' و'الفلول' هي من التي ابتدعتها أدبياتهم. وعندما قرّروا تحمل مسؤولياتهم، كان لهم تقديرهم آنذاك الذي كان يشاطرهم الرأي فيه كثيرون، ومن بينهم الريسوني نفسه الذي سبق له أن صرح عام 2012 لموقع هسبرس، عقب فوز مرسي بأن فوزه 'حقّق ثقة وتأييد الشعب المصري'، معتبرا أن ما حققه مرسي 'سيعزّز شيئاً أساسياً، وهو استمرار التغير في موازين القوى، واستمرار التغير في قواعد اللعبة'. وهذا يبيّن أن الريسوني نفسه كان له تقدير آخر عام 2012 يختلف عن 'الحكم القاسي' الذي يصدره اليوم على التجربة نفسها بعد 'فشلها'!
ما هو غير مستساغ في تصريح الريسوني تعبيره عن 'ارتياحه' لـ 'إزاحة' مرسي، لأن ترشيحه، في نظره، كان 'غلطاً'، ولأن رئاسته مصر 'لم تكن في محلها'، والكلمات بين قوسين هنا للريسوني، مع العلم بأن الأمر يتعلق بانقلابٍ دموي، فكيف للمرء أن يعبر عن ارتياحه لانقلاب دموي، كان من نتائجه قتل آلاف الأبرياء، والزج بالآلاف الآخرين في غياهب السجون، ظلما وعدوانا! من دون الحديث عن أن مرسي كان رئيساً منتخباً ترشّح بطريقة ديمقراطية، ووصل إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع. وكيفما كان التقدير لكفاءته وقدرته على إدارة شؤون بلاده، فهو صاحب شرعية شعبية وديمقراطية أولاً وقبل كل شيء. قد يقال الكلام نفسه اليوم عن الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، فهل يعقل أن يأتي من يعبر عن فرحته بالدعوة إلى الانقلاب عليه، لأنه غير كفؤ، أو لأن ترشيحه أصلا كان غلطا؟
وبعيداً عن الآراء المنتقدة تصريحات الريسوني التي رأت فيها نوعاً من 'التشفّي' في تجربةٍ لم يكتب لها النجاح، لأن الفشل، كما يقال، عكس النجاح، لا أبوّة له. هناك ما هو أفظع، هو تبرير الظلم الذي تعرّض له مرسي وجماعته، خصوصاَ أن مثل هذا التبرير صدر عمن يعتبر نفسه 'إسلاميا'. فالريسوني بموقفه هذا، حتى وهو يدين الانقلاب، في جزء آخر من حواره، إدانة صريحة، إلا أنه يبدو كمن يؤيد الانقلاب أو يبرّره، عندما يعبر عن فرحته، لأن الانقلاب أزاح الشخص الذي جاء 'خطأ' إلى السلطة!
الأمر الثاني الذي يبدو متناقضا في تصريح الريسوني قوله إن مرسي كان محكوماً عليه

بالفشل، وكان مصيره سيكون الفشل التلقائي، لو بقي في السلطة، وفي الوقت نفسه، يقول إن من انقلبوا عليه خافوا من أن ينجح، عندما يتدارك نقصه وعدم خبرته، ويراكم تجربةً مقدّرة! فكيف كان سيمكن لمرسي وجماعته أن يراكموا تجربة الحكم، إذا كان الكل ضدهم، ويستعجل إطاحتهم، بمن فيهم حتى المحسوبون على التيار نفسه الذي ينتمون إليه، مثل الريسوني الذي فرح لإزاحتهم عن السلطة.
وتكشف تصريحات الريسوني، في عمقها، عن شيئين مهمين. الأول عدم فهم بعض 'منظّري' الإسلاميين قواعد اللعبة السياسية وشروطها، وما تتطلبه من مناورةٍ وتكتيكٍ وتخطيط استراتيجي. الثاني، وهو الأهم، مسألة تصوّر بعض الإسلاميين للديمقراطية والحكم. فمن يحكم ليس مهماً أن يكون جيداً أو سيئاً، وإنما أن تكون له شرعية ديمقراطية، والحاكم المنتخب يبقى أفضل بكثير من المستبد العادل، لأن الأول يمكن محاسبته وإزاحته، بينما لا يقبل الثاني سوى السمع والطاعة، حتى عندما يظلم ولا يعدل.
ما حدث ويحدث في مصر ليس موضوع ترفٍ فكريٍّ، يمكن اختزاله في التعبير عن رأي، وإنما يتطلب موقفاً واضحاً من الانقلاب على سلطةٍ مدنيةٍ شرعية بوسائل عنيفة، وموقفاً واضحاً يدين الظلم الذي تعرّض له، وما زال يتعرّض له، آلافٌ من الأبرياء. وأخيراً، يتعلق الأمر بتصورٍ للديمقراطية التي تتطلب، في لحظة الحسم، للدفاع عنها المواقف الواضحة، وليس الآراء الملتبسة التي تجلد الضحية، وتبرّر فعل الجلاد

العربي الجديد
.

نيسان ـ نشر في 2016-11-30 الساعة 10:35


رأي: علي أنوزلا صحافي مغربي

الكلمات الأكثر بحثاً