التعليم.. حين تخلت الدولة عن واجبها
د. يوسف ربابعة
كاتب صحافي وأكاديمي أردني
نيسان ـ نشر في 2016-12-04 الساعة 10:35
المقال يتحدث عن الاستثمار في التعليم في القطاع الخاص والحكومي، ويشير إلى أن الاستثمار في التعليم يحتاج إلى تشجيع ودعم، ويتحدث عن عدد المدارس الخاصة والجامعات الخاصة والطلاب الملتحقين بها، ويشير إلى أن المشكلة ليست في الاستثمار في التعليم ولكن في الطريقة التي تمت بها هذه العملية، ويشير إلى أن الدولة فتحت باب التعليم على مصراعيه دون مراعاة للكفاءة والإمكانات المتاحة، ويشير إلى أن الجامعات الخاصة والحكومية لم تتمكن من تطوير أساليبها وزيادة كفاءة أساتذتها.
لا ينكر أحد أن الاستثمار في مجال التعليم هو جزء من قطاعات الاستثمار التي يسعى لها رأس المال في أي مكان وزمان، ولا أحد ينكر حجم الاستثمارات وما تقدمه في مجال التعليم أيضا، وأن هذه القطاعات تحتاج إلى تشجيع ودعم. فحسب إحصائية وزارة التربية والتعليم فإن عدد المدارس الخاصة يبلغ للعام الدراسي الحالي (1055 ) مدرسة، وعدد المعلمين فيها يبلغ (9419 ) معلما ومعلمة، أما عدد عدد الطلبة الملتحقين بها فيبلغ (318459 ) طالبا وطالبة، كما أن هناك 20 جامعة خاصة يعمل فيها حوالي 10000 أستاذ وإداري، وفيها حوالي 100000 طالب وطالبة، وهذا يقلل من حجم الضغط على الدولة ومصروفاتها على قطاع التعليم بشكل عام.
المشكلة ليست في الاستثمار في التعليم لكن المشكلة في الطريقة التي تمت بها هذه العملية، فما حصل لم يكن مبنيا على خطة أو رؤية تراعي التغييرات في المستقبل، ولم تكن مبنية على رؤية لتطوير التعليم والانتقال به إلى تعليم إبداعي منافس على مستوى العالم، فلقد كان من المفترض أن يؤدي الإنفاق على التعليم زيادة في فرص العمل وزيادة في الكفاءة أيضا، لأن الاستثمار له وجهان؛ الإنفاق والتشغيل، فما ينفقه الأهل على أولادهم هدفه زيادة فرصهم في الحصول على العمل وزيادة مداخيلهم أيضا، أما عندما لا يتساوى حجم الإنفاق مع حجم المردود فإن ذلك يعني استثمارا خاسرا.
لقد فتحت الدولة باب التعليم على مصراعيه من خلال الترخيص لجامعات خاصة، وتحويل الجامعات الرسمية فعليا إلى جامعات خاصة من خلال فتح باب الموازي وزيادة أعداد الطلبة المقبولين، دون مراعاة للكفاءة والإمكانات المتاحة فيها، ولم تتمكن الجامعات الخاصة من استخدام طرق جديدة في التعليم تختلف عن الجامعات الرسمية، ولم تتمكن الجامعات الرسمية من تطوير أساليبها أو زيادة كفاءة أساتذتها، وغرقت في الشللية والمناطقية والبيروقراطية المعطلة.
وفي وزارة التربية والتعليم لم يكن الحال أفضل، فقد فتحت الوزارة باب الترخيص لمدارس خاصة، وأهملت المدارس الحكومية من الرعاية بسبب نقص الموارد، وسوء التخطيط، والتخبط في القرارت والاتجاهات، والتدخلات الخارجية التي فرضتها بعض القوى المنتفقعة أو المستفيدة من التجارة بالتعليم، فأصبح المواطن مرتهنا في تعليم أبنائه لرأس مال لا يرحم، ولا يراعي القيم والكفاءة المطلوبة، لا على مستوى الطلبة ولا على مستوى المعلمين أيضا.
لقد كان من واجب الدولة أن تحمي طرفي معادلة الاستثمار وخاصة في التعليم؛ رأس المال والطالب، فلا بأس بأن يكون هناك ربح، لكن من المفترض أن يكون معقولا ويراعي متطلبات التعليم والتربية أيضا، ويراعي القيم والسلوك التي من المفترض أن يكتسبها الطالب من خلال العملية التعليمية والتربوية، لكن ما حصل كان بلا هدف أو بالأحرى بلا أهداف، سوى أن سلمنا رأس المواطن لرحمة رأس المال، وتركنا رأس المال معرضا للخطر تحت أي هزة ممكن أن تحدث ولا يمكن السيطرة عليها.
وما يحصل اليوم للجامعات الخاصة مثلا هو دليل على هذا التخبط، فبعضها قد يعلن إفلاسه قريبا، وحتى الجامعات الرسمية التي تكاثرت، فإن بعضها قد يعلن إفلاسه أيضا، وكان من الممكن تفادي كل هذه الاختلالات لو كان هناك مسؤولون يفكرون بمصلحة الوطن برؤية مستقبلية، وليس بمصلحة جيوبهم أو مصلحة كراسيهم ومناطقهم وعشائرهم.
فالتعليم سواء كان خاصا أو حكوميا هو مسؤولية الدولة، ومن المفترض أن يحقق الأهداف التي تسعى لها برؤية ووضوح، ولا يمكن أن يُترك نهبا للأهواء والاتجاهات المتصارعة على حطام السياسة والدين والنزعات.
نيسان ـ نشر في 2016-12-04 الساعة 10:35
رأي: د. يوسف ربابعة كاتب صحافي وأكاديمي أردني