اتصل بنا
 

عبدالباري عطوان.. للرأي وجوه وأقنعة

نيسان ـ نشر في 2017-01-07 الساعة 23:56

x
نيسان ـ

خضر محمد رضوان

السياسة ليست مصنعا يُنْتِج سلعة تدعى 'مواقف سياسية'، تُعْرَض فوق 'رفوف أسواق العالم' للراغبين في شرائها. ولا هي خط إنتاج 'للمواقف' حسب طلب الزبون، حتى وإن جُبِل قلبها على الانتهازية، وروحها على المتغير، وجسدها على التلاعب، ودأب على إدارتها قوم لا يعرفون للمبادئ عنوانا.

صاحبنا – على أية حال - كان واحدا من الذين تمرّغت مواقفهم السياسية في طين التيارات والأيديولوجيات والخطابات الرنانة، وكأنه أحد فرسان علم 'الكلام' من القادرين على إقناعك بالشيء وضده في الجلسة الواحدة.

عبدالباري عطوان الذي سيُعرف للجمهور العربي ما بعد عام 1989 على نطاق واسع، كأحد أشهر الصحافيين العرب، بعد تسلمه رئاسة تحرير صحيفة القدس العربي في مدينة الضباب لندن منذ عام 1989 وحتى 10 تموز 2013، سينعم بالشهرة والجماهيرية أكثر من ثلاثة عقود، وفيها سيبني سيرة ذاتية تحوي الكثير من اللقاءات المثيرة للاهتمام، لكن شهرته ستنفجر في صيغة غير مأهولة عندما سيلتقي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

ووفق التسريبات القادمة من مصادر في لندن فقد رجحت أن المشترين من قطر، هم من اشترطوا على عطوان ترك موقع رئاسة التحرير لإتمام الصفقة.

وجاءت مفاجأة الاستقالة خلال افتتاحية نشرها عطوان في الصحيفة، صادمة ومحيرة للكثيرين على الساحة السياسية والإعلامية العربية.

لم يسهب عطوان كثيرا في سبب استقالته في مقالته الوداعية عنوان «الى القراء الاعزاء... وداعاً! والى لقاء قريب باذن الله». وكان عطوان أطلق الصحيفة عام 1989 بدعم من «منظمة التحرير الفلسطينية».

ودأب على القول انه يواجهه مشكلات على صعيد تمويل الجريدة. ومن خلال أصدقاء له في قناة «الجزيرة» التي وسّعت شهرته العربية والدولية، بنى علاقة جيدة مع أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة. ومن يومها، صارت «القدس العربي» تحظى بدعم مالي من قطر قبل ان يختلفا. علما بان هذا الاختلاف ما زال سرا خاصة وان عطوان الذي لم يكن يخرج من غرفة اخبار الجزيرة ما عاد يظهر فيها ولو اطلاقا. وهي ملاحظة يمكن ربطها بما جرى للقدس العربي.

وعلى حد قوله للعاملين خلال اجتماعه بهم الاخير فإنّ الطرف المموّل «لم يعد موافقاً على حضوري، وأنا وافقت على الانسحاب لحماية المؤسسة ومنع اقفالها'.

فهل يمكن أن نخضع عبدالباري عطوان المولود في مخيم دير البلح للاجئين بمدينة دير البلح في قطاع غزة في 17 شباط سنة 1950، للقياس باعتباره نموذج للساقطين في حبال ايران؟ وهل يمكن أن نطرح تجربة الرجل إنموذجا للعلاقة الشائكة والغامضة بين الإنظمة العربية والصحافة العربية، ومنها المغتربة، وكحالة وشاهد هل يمكن البناء عليها لرسم خطوط واضحة عن كيف ستحول علاقة 'الرسمي' بـ 'الاعلامي' إلى 'تجارة مواقف حسب الطلب'؟

اليوم (تنعجق) كل أدوات عبدالباري عطوان الاعلامية في محاولة لتقديم خدماته الى ايران من بينها الاخبار غير الدقيقة التي تسيء الى الاردن وقبلها الى السعودية.

السعودية بوصلته .. ولكن

لكل هذه الأسئلة تبدو هناك إجابة واضحة وحيدة، وهي أن الرجل صاحب بوصلة واحدة هي في محاربته الدائمة للمملكة العربية السعودية، حتى فُسّر موقفه المساند تجاه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن نكاية بالرياض، واستمراء لمن يدفع أكثر حتى وصفه ليبيون باسم 'عبدالباقي دولار'، وكأن الدولار هو الثابت فيه والمتغير هو مواقفه.

عطوان الذي خسر صحيفة القدس العربي لم ينس للسعوديين ذلك، فلم يترك منبرا متاحا الا وهاجم فيها الرياض سواء عبر مقالاته أو أحاديثه التلفزيونية، فتح المجال عبر 'رأي اليوم' للمغمورين والحاقدين بامتداح حسن نصر الله و'الجيش العربي السوري' المصطلح الذي دأب عطوان على وصفه لمليشيات الأسد.

آخر ما تجلي من اصطفافاته ظهور انضمام هذا القومجي العربي إلى الحلف الصفوي الفارسي دفاعا عن القومية العربية'. أما كيف؟ فمن الصعب عليك العثور على إجابة.

كما قال عن نفسه بنفسه ان سياسة صاحب ليبيا الهالك معمر القذافي ساعدته في الشهرة كصحافي، حتى وصفته الصحافة الليبية يوما بـ 'الصحفي العربي الكبير عبدالباري عطوان' سنة 1974 رغم انه كان متعطلا من العمل، قد تخرج حديثا من كلية الاعلام بجامعة القاهرة، باحثا عن وظيفة في أي صحيفة ليبية. لكنها الأقدار يوم ترسم خطوطها على جبين المرء فلا ينفك منها ولا تنفك منه.

هذا يعني انه سيعرض نفسه لإغراءات 'الرسمي العربي'، مبكرا مستفيدا من حمق القذافي وانفلات عقله. إغراءات تهدف إلى اصطياده ومن هم على شاكلته من إعلاميين وحملهم إلى حضنها، وقد كان مستعدا. حضن سيكون فيه الكثير من الإلتباس، - وهو على أية حال - يحصل مع الكثير من الصحافين، أما ما لا يقع كثيرا هو أن يرتمي الإعلامي المغترب في كل حقبة بحضن. يوما صداميا، وآخر ليبيا، وثالثة خليجيا ورابعة ايرانيا، وما خفي ربما كان أكثر.

التمرّغ في الطين

ليس بالخيانة وحدها يستقيم أمر القدرة على التمرّغ في طين المراحل السياسية، فأنْ تكون مستعدا لحمل الموقف وضده استنادا لطلب الزبون، من دون الوقوف على أرضية صلبة، سيعني بالضرورة موافقتك المسبقة على أن تكون 'تاجر شنطة'، أو ربما قل 'إعلامي شنطة'.

حينها يومها سيعرف عنه الطواف حول عواصم العالم، باحثا عن زبائن بكامل دسمهم، راغبون في تلميع مواقفهم السياسية التي سيرسمونها لك بدقة لاحقا بعد الاتفاق على التفاصيل.

لهذا، لم ينكشف عطوان في السابق، كما انكشف اليوم، وهو يصطف مع النظام السوري في قتله للشعب. وكأنه عاد إلى ما كان قد بدأ حيث مقالته الأولى عن شاه إيران الذي أطاحت به ثورة الخميني، يوم كان يبحث عن عمل في بلاد القذافي، فوافقت المقال في ذلك الوقت في هوى معمر الذي كان قد طلب من الصحف الليبية مهاجمة شاه ايران، فصادف أن مقالة عبدالباري عطوان كانت موضوعة على رفّ إحدى الصحف هناك مرفوضة، وما أن انتهى اجتماع ممثل القذافي مع رؤساء تحرير الصحف حتى تصدرت مقالته رأس الصحفة الأولى بتوقيع 'الصحافي العربي الكبير' رغم أن هذه الكلمات الثلاثة لم تصدق منها سوى كلمة 'عربي'، فلم يكن عبدالباري إلا مجرد خريج اعلام، وبالتأكيد كان صغيرا.

عبدالباري الذي بشّر وهو الكذوب أن جيش الأسد بصفته الجيش العربي السوري الوطني والعروبي الذي يقصف حلب سيسطر على المدينة خلال أيام، وهي الرؤية ذاتها التي كان يتحدث بها لسان الشيعة الصفويه عن معركة حلب؛ سيستمر باهانة الشعب السوري وثورته بالقول ان المقاتلين الثوار مجرد مرتزقة لدول في المنطقة منها السعودية وقطر. ألم نقل سابقا ان بوصلته في معظم مواقفه كرهه للعربية السعودية؟

سيف بيد طهران

لقد وضع عطوان كل ما يجري في سوريا على كاهل الضحية، تاركا المدائح والاجلال للجلاد، ولأنه كذلك ولان السعودية بالنسبة له العدو فانه سيمضي في غيه لينعق بتقسيم للسعودية وهي الاسطورة التي طالما تحدث بها إعلام ايران واليسار والقومجية العربية.

هكذا سيرسم عطوان خط مواقفه السياسية، علماني، تقرّب إلى الإسلاميين، لأمر في نفس يعقوب، ساعة من الزمان، فلما أزف الربيع العربي للاستحضار كانت مواقفه ملتبسة إلتباس الربيع نفسه، لكنها سرعان ما انفضح كما انفضح كثر مثله، قوميون سيوف بيد الفرس ضد العرب، وعلمانيون وضعوا أنفسهم تحت أمر فيالق الصفويين الشيعة، ويساريون صار ملالي قم رموزهم، والعمائم السوداء أبطالهم، واللطم طريقتهم في فهم ما يجري في المنطقة.

ويسرد عطوان جزء من ادواته الفكرية فيقول: انه لا يكترث فيما اذا كان المرء سنيا ام شيعيا. وكان التفريق عنه هو: يميني متخلف او يساري متقدم، فنحبه لانه يساري ونعادي الاخر اليميني المتخلف. ولمن سها عن المعنى، فإن اليميني المتخلف عند العلمانيين واليسار هم الاسلاميين، وأن التخلف هو الاسلام.

لا يرى عطوان قتل المليشيا الإيرانية والمرتزقة لمئات السوريين فعلا يستحق التجريم وكعادته سيفتعل المعارك الدونكيشوتية في هجومه على السعودية موجها كلامه الساذج ضد كل من ساعد الثوار السوريين وقبلهم الليبيين.

ولم يكن مستغربا التحولات الدائمة التي يمارسها عطوان لمواقفه السياسية فهنا علينا البحث عمن يدفع في هذه الفترة. لهذا كان متوقعا ان يعيد تكرير مواقفه اليوم الموجه ضد الثورة السورية وداعميها من الدول ويساند النظام الوحشي في دمشق، فالممول هي ايران فيما يبدو.

ربيع يكشف عيوب الصنعة

لقد أتاحت أزمان سابقة لكثير من النخب المراوغة برسم مواقفهم السياسية حسب الطلب. كان هذا ممكنا قبل سحابة 'الربيع العربي'، فمطر 'الربيع' كشف عن عيوب 'الصنعة'. هنا برزت نتوءات المواقف السياسية والإعلامية، بما لا يمكن أن تظهر لولا هذا 'المطر'.

إن الوقت الذي كان يُسمح فيه أن يقف المثقف مع النقيضين في وقت واحد ولّى، فحدّة وضوح الدماء وضجيج أصوات المعارك، وصفير الصواريح وانفجارها لن تسمح لك بالاختباء وراء مواقف مائعة.

اليوم نحكي عن فتنة ومحن، بِهَرجها ومرجها، وما آلت إليه أرض الإسلام، شامها وعراقها، يمنها وليبها، نيلها، ومغربها.

على أننا لا نلتفت بحديثنا هذا لمسألة الابتلاء والمحن، وأن ما نراه اليوم من سقوط للبعض، هو أثر من آثار الفتنة, فمن بدا وكأنه سقط اليوم، كان ساقطا سياسيا أصلا، سوى أن 'ربيع العرب' جاء فجّلاه.

إن من ذاب في ماء نار الأعداء اليوم، كان في السابق مُذابا، سوى أن ضبابية الساحة كانت تخفي معضلات المواقف وإشكالاتها، وتفسح المجال واسعا للنفاق السياسي بأن يتمدد دون أن يُرى، وكيف يُرى ولم يُختبر. فجاءت السحابة وبللت الجميع، فمن احتمى بمظلة مواقفه الثابتة نجا، ومن كانت مظلته مثقوبة بعشرات التناقضات غٓرِق.

ليس من السهل أن تكون مراوغا في حقبة ما بعد الربيع العربي. هنا عليك أن تتموضع في دائرة ما، ثم تكشفها لنفسك وللعالم. فإنْ لم تبادر بكشفها لك أولا وللعالم ثانيا، سيتبرع العالم نفسه بفضحها عنك.

تعميم تجربة جورج بوش

هي حقبة استهلّها الرئيس الأمريكي المجنون جورج بوش الابن، بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر، عندما خاطب العالم بالقول: 'من ليس معنا فهو ضدنا'. أَطْرَقَ الناس انصياعا له، ثم عمّموا التجربة، ليبدأ في العالم تمايز تدريجي، سيكون فيه على النخب - ولاحقا العامة - الاختيار القسري بين فريقين أو قل مبدئين.

لهذا - وكما أُجبرت السحابة كثير من النخب - كان على صاحبنا أن يتبلل، فهل غرق أم احتمى؟ وهل سينجيه اختباءه، كما فعل الجميع تحت عباءة 'فلسطين البوصلة' لعقود.

صحيح أن فلسطين ستبقى البوصلة، لكن من قال إن البوصلة لم تفضح من امتطى الأرض المقدسة سنين، ثم تبدّت عورة سياسته لتظهر أن وراء الأكمة ما وراءها. فمن منا لم يختبئ تحت عباءتها أصلا، صادق وكاذب، مجاهد وجاسوس، وليّ من أولياء الله، ومنافق. كلنا كنا ولم نزل نفتح في خيمة فلسطين نوافذ لنا، فإما ناج أو هالك.

عشية هذا الزمان، أو في الساعة الأخيرة منه، سيكون عليك وسط هذا الهرج والمرج، أن تخلع اللثام عن وجهك، رغم ما تبدو عليه الأمور أنها مختلطة، أو غامضة.

حتى وإن ظننت، لوهلة، أن بإمكانك التموضع في مربعات الحياد، فعليك أن تنظر حولك. هناك من يصنفك بوضوح، خاصة إن كنت من العاملين في الشأن العام، ثم لا يبقى فوق نواياك أي حجاب فتكشف جميعها للناس دون التباس. أنه العصر الذي سيعرفك فيه الاخرون أكثر منك ويرسموا خطوطك العريضة بكثير من الدقة.

لقاء الشيخ .. السيرة الأولى

منذ خطوته الأولى بعد أن يخرج من لقاء 'الشيخ' ستبدأ شهرته تَغْرِف من بئر المقابلة، عربيا وعالميا، وسيغدو واحدا من القلائل الذين أُتيح لهم 'شرف' لقاء أسامة أبن لادن، ساردا للعالم حكايته مع 'الشيخ'. هي سردية ستؤمّن له 'رصيدا' لا ينضب، وأنى له النضوب، وهو استاذ في إعادة تكرار تجربته على كل الشاشات الناطقة بكل اللغات.

في الحقيقة ستكون مقابلة 'الشيخ' اسامة بن لادن إحدى أهم بند في بنود سيرته الذاتية، وهو صحيح، وصحيح أيضا أن الرجل كان يدرك هذا، ويدرك أكثر منه أن عليه سلوك خط حذر في طريق مملوءة بالألغام السياسية والتيارات المتصارعة، وأنه يمكن أن ينجو شرط أن تبقى المنطقة ذات أغلال تردّها إلى عقود الانقلابات العسكرية التي أرتكبها جميع المنقلبون باسم فلسطين.

لكن ماذا يفعل، وقد حل 'الربيع العربي'؟ ربيع رغم بكل ما فيه من فوضى جلّا أمرا واحدا هو أين تقف من قضايا المنطقة وعلى الرأس منها فلسطين وكيف ولماذا؟ هنا سيتبلل، فيما الرأي الشائع بين من متابعيه انه غَرِق. ولذلك ركب موجة داعش واصدر فيا كتابا لا قيمة له! سوى التكسب.

التباس في العلاقة

كثير ما التبست على المواطن العادي طبيعة العلاقة بن الأنظمة العربية والصحافة، لكنها ستكون ملتبسة أكثر في حال أردنا الاستشهاد بالصحافة مغتربة. هنا سيكون علينا ضخ الكثير من الشهادات حول رغبة 'الرسمي' في اصطياد الصحافي المغترب.

هناك من سقط في وحل 'السياسي'، لكن عطوان كان مع من غرقوا. ويمكن طرح شهادات عدة في علاقاته الغريبة مع أنظمة عربية من أقصى اليمين الى اقصى اليسار. نحن هنا نتحدث عن الزعيم العراقي الراحل صدام حسين ونتحدث أيضا عن الزعيم الليبي الهالك معمر القذافي بصفته نموذج للرسمي الخَرِف الذي لم يترك لبلده أخضرا إلا أيبسه، منذ زمن الانقلابات العسكرية التي حكمت المنطقة العربية. أما الاستشهاد الذي سيبدو غير مفهوم هو عندما نشير إلى علاقته بايران إذا ما أردنا أن ندير الحكاية الى العصر الراهن. هنا سيكون 'الرسمي' أعجمي لكنه في صدره شيء من وعن العرب.

كيف يستقيم لعطوان اعتبار صدام حسين بطلا من أبطال العرب فيما يتحالف اليوم مع اعدائه، بل ومن قتلوه بحبلهم.

لن يستقيم لكنّا على أية حال نتحدث عن شخصية تنظر الى الأمور بالقطعة، استطاعت عبر تاريخها التحالف مع الشيء وضده.

صدام حسين

مبكرا اتهم عطوان وصحيفة القدس معه بتلقيها الدعم من العراق في حكم الرئيس صدام حسين. وعن ذلك يقول انه رفض دعوات عدة من الحكومة العراقية لزيارة بغداد بسبب هذا الاتهام.

يقول في إحدى مقالاته اعترف، بأنني لم اقابل الرئيس الراحل صدام حسين مطلقا، رغم انه وجه الي العديد من الدعوات الشخصية، حملها الي مبعوثون وسفراء، كانت آخرها قبل الغزو الامريكي الاخير للعراق ببضعة اشهر.

ويضيف، لم أقبل الدعوات هذه لعدة اسباب ابرزها ان هذه الصحيفة التي اتشرف برئاسة تحريرها، والعمل مع نخبة من الشرفاء العاملين فيها، كانت متهمة بتلقي الدعم المالي من الرئيس العراقي، لانها كانت الى جانب بضعة صحف أخرى تعد علي أصابع اليد الواحدة، التي تنبهت الى المؤامرة الامريكية ضد العراق والامة العربية مبكرا، أي منذ ان جرى استخدام الكويت كمصيدة او طعم لاستفزاز العراق.

وفي المقالة ذاتها قال: لم أقف مع النظام العراقي اثناء حربه الاولي ضد ايران وثورتها الاسلامية، لانني كنت علي قناعة راسخة بانها كانت فتنة.

ويتابع، 'بعد أيام من غزو العراق واحتلاله، واختفاء الرئيس صدام حسين، تشرفت بتلقي خمس رسائل بخط يده يخاطب فيها الشعب العراقي والأمة العربية، ويعلن انطلاق المقاومة للاحتلال التي خطط لها جيدا قبل عامين من الغزو، ودرب معظم كوادرها، وترك اكثر من خمسين مليون قطعة سلاح وملايين الاطنان من الذخائر'.

واشار الى انه وبعد تنفيذ حكم الاعدام بالرئيس الراحل ببضعة ايام، وصلتني رسالة الكترونية من السيد ودود فوزي شمس الدين محامي الدفاع عن الرئيس صدام، يقول فيها ان الرئيس الشهيد الذي التقاه قبل ساعات من استشهاده لأخذ متعلقاته بعد استدعائه من قبل سلطات الاحتلال الامريكية، حمّله رسالة يريد ايصالها لي شخصيا، ويطلب مني ان اتصل به هاتفيا علي رقم معين في العاصمة الاردنية عمان حتي اتسلمها.

واضاف اتصلت بالسيد ودود فأبلغني انه التقي الرئيس الشهيد لاكثر من ثلاث ساعات وطلب منه ان يتصل بي هاتفيا ويبلغني انه ممتن جدا لكل مواقفي الداعمة للعراق وشعبه في مواجهة العدوان الامريكي، ويري ان امة فيها شرفاء مثلي لن تهزم ابدا .

في المقال ذاته يرى عطوان ان العراق ممزق محتل، تحول كله الي مقبرة جماعية تحكمه الميليشيات الطائفية وفرق الموت. والغريب في مقاله الطويل ان عطوان لم يتحدث بكلمة واحدة عن ايران في معرض حديثه عن المليشيات الطائفية.

ويبدو ان ايران كانت اشد تحصينا في نفس عطوان من الانتقاد.

ولم تكن حياة عطوان الأولى بعيدة بالمطلق - ولو ترميزا - عن التي انتهى إليها، فمن حسن التدريب العملي المبكر كان عطوان واحدٌ من أحد عشر ابناً لعائلة تنحدر من إسدود، فليس من السهل ان تكون في عائلة كبيرة العدد ثم تطالب بكامل احتياجاتك ورغباته.

ومثله مثل الآلاف من الفلسطينيين وبعد الانتهاء من الدراسة الابتدائية في المخيم، أكمل دراسته الإعدادية والثانوية في الأردن، عام 1967، لينتقل بعدها الى القاهرة عام 1970 ملتحقا بجامعة القاهرة التي تفوق فيها بكلية الاعلام، بل ويحوز على دبلوم في الترجمة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

إذن 'الاعلام' و'الترجمة'، سيعمدان الى رسم مستقبل الرجل، فبعد التخرج عمل لجريدة البلاغ في ليبيا، ثم جريدة المدينة في السعودية. وفي عام 1978 انتقل إلى لندن، حيث استقر، ليعمل في جريدة الشرق الأوسط و'مجلة المجلة' السعوديتان الصادرتان في لندن، ثم ينشئ عام 1980 مكتب لندن لجريدة المدينة، ولاحقا وتحديدا بعد اربع سنوات سيعود إلى جريدة الشرق الأوسط. لكن فيما يبدو كان كل ما سبق تدريب بالرصاص الحي على ما سيتلوه.

وفي عام 1989 تم تأسيس جريدة القدس العربي في لندن وعـُرض على عبد الباري عطوان رئاسة تحريرها وبقي في هذا المنصب حتى 10 تموز 2013 حيث اعلن استقالته من رئاسة تحرير الصحيفة مؤسسا صحيفة رأي اليوم.

فهلوة

ربما نحن بحاجة إلى خبير في الصراعات الدولية ليرسم لنا مؤشرات الخريطة السياسية التي سار عليها رئيس التحرير السابق لصحيفة القدس العربي والمالك الحالي لصحيفة جديدة أطلق عليها اسم 'رأي اليوم' الإلكترونية في العقدين الماضيين. لكن علينا قبل ذلك الالتفاتة الى اسم الصحيفة التي اسهها وكم انها تشي بالكثير من مواقف الرجل. إنها 'رأي اليوم' وغدا رأي الغد، وبعد غد سينطلق وفق الخلفية التعاقدات مع رأي ثالث، وهكذا.

وتنقل عطوان بين عدة مواقف سياسية متناقضة وعمل لصالح مجموعة من الدول كانت تمول نشاطه الاعلامي بشكل أو بآخر.

كل ذلك كان الى حد ما سيبقى مسكوتا عنه ويسلك في معنى 'الفهلوة'، خاصة وأن صندوق أفاعي المنطقة لم يفتح بعد، أما وقد فُتِح، ووقع عطوان بين أحضان الفريق الإيراني وممثله في سوريا نظام بشار الأسد فلم يكن بإمكان مشهده أن يبقى مسكوتا عنه أو مقبولا، خاصة وأن جمهوره الذي جعله 'جماهيري' ذهب كله نحو اعتبار ايران العدو رقم '1' للأمة، فيما عرّف نظام بشار الأسد في كونه خائن موغل في دم المسلمين في سوريا.

من سوء طالع صاحبنا أن كثيرا من المصفقين له هم من الفئة التي رفضت ولوغ ايران في الدم السوري، بعناوين مختلفة مرة على يد النظام السوري، وأخرى على يد حزب الله الشيعي اللبناني، وثالثة على يد الف مليشيا وميليشا عراقية وأفغانية إضافة إلى 'الصليبي الروسي'.

هنا، كان عليه أن يسقط، لكن ليس سقوطا كاملا، فما زال البعض 'يحن' لآرائه السابقة، وخاصة في الشيخ أسامة بن لادن، وفي ملفات أخرى منها فلسطين، من دون أن يتذكر 'هذا البعض' أن عطوان في تلك المرحلة كان يتموضع في دائرة تفرض عليه أن يقول ما قال، وقد أجاد إذ سمعنا قول لسانه.

ما يدعو إلى الشعور بالفاجعة أن مرحلة عطوان الأخيرة، كانت في تبنيه مواقف موالية لإيران ونظام بشار الأسد.

الجزيرة .. السيرة الثانية

ينبّه الخبير في الصراعات الدولية أن 'من أهم المنابر التي ساهمت في نجومية عطوان هو الخط السياسي الذي كانت تتبعه قناة الجزيرة من حقوق الانسان العربي، والقضية الفلسطينية'، قبل أن ينفض عطوان يده من القناة وتنفيضه هي من استديوهاتها.

في زمن سقوط بغداد، والاحتلال الامريكي للعراق، لعب عبدالباري دورا توعويا مهما في تفهيم الرأي العام ما يجري، وقد كان له اسلوبه المباشر البعيد عن الدبلوماسية التي تخصي المعنى وتقصيه. كما ساهمت ادارة الجزيرة في استدعاء الرجل مرة بعد مرة حتى ألفه الجمهور وبات وجها محببا له.

وقبل هذا لعبت منظمة التحرير الفلسطينية دورا مهما في تصعيد صحيفة القدس العربي، وبالتالي رئيس تحريرها، خاصة وأنها – أي المنظمة – كانت ما تزال في يدها بعض التأثير الاعلامي في الساحة العربية، والحديث هنا عن حقبة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات قبل أوسلو بل وما بعدها.

وكثيرا ما أشار عطوان في مقالاته لطبيعة علاقته مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وهي علاقة على العموم لا تتعدى المتوقع منها، من حيث حمل عطوان لشخصية عرفات الى مرتبة الرمز والأب لكل الفلسطينيين، على حد قوله في سيرته الذاتية.

وكان أول لقاء له مع عرفات عام 1976 حيث كان ما زال شابا صغيرا يعمل في جدة. ويقول عطوان عن ذلك في كتابة سيرة حياته: قررت أن أقابل هذا الرجل العظيم بنفسي، عرفات الرمز، أب كل الفلسطينيين.

هكذا إذن يعترف الرجل بأن انطلاقته الحقيقة والطريق السريع الخاص به كانت في صحيفة 'المدينة' بجدة، وأنها التي فتحت له بوابة الشهرة بل وحملته الى 'مدينة الضباب' لندن حيث لا زال.

من جدة عرف عطوان رموز الثورة الفلسطينية، وفي السعودية بدأت علاقاته بهم، بل وفي القضية كصحافي فلسطيني. لكنها العلاقة التي ستأخذ شكلا مشهورا للنخب والشخصيات السياسية والثقافية التي ستعمل على النظر الى قادة حركة فتح السابقين وفق فلسفة تقزيم السلبيات وتعظيم الايجابيات.

إذا أردنا ترسيم حدود الرجل - وفق ملفات المنطقة السياسية على القطعة - واحدة واحدة، فغالبا لن نستطيع أن نبني صورة واضحة عنه. نحن بحاجة إلى النظر للوحة كاملة، بجميع تفاصيلها وخطوطها الواضحة والقصية. واللوحة الكاملة له تظهر الكثير مما يعيب.

نيسان ـ نشر في 2017-01-07 الساعة 23:56

الكلمات الأكثر بحثاً