ما الذي تريده "شارلي إيبدو"؟
نيسان ـ نشر في 2017-01-08
مرّت، في الخامس من يناير/ كانون الثاني الجاري، سنتان على الاعتداء الوحشي على صحافيي صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة، وقُتل عدد منهم. ثم ذاع شعار 'أنا شارلي إيبدو'، واتخذه فرنسيون وغير فرنسيين كثيرون دليلاً على تعاطفهم مع الصحيفة. وبالطبع، لا يوجد سبب يبرّر العنف والقتل، لكن ثمة أفكاراً يحسن التوقف عندها، ثمة فرق شاسع بين حرية التعبير غير المضبوطة والحرية التي تقف عند حدود حرية الآخرين. بنت تلك الصحيفة شهرتها على الاستخفاف بكل القيم، ومن ذلك نشرها رسوماً مسيئة للنبي محمد، واستفزّت كثيرين، حتى الوصول إلى الاعتداء الإجرامي على مبنى الصحيفة، وقتل صحافيين عاملين فيها. وقبل أسابيع، تضمن عدد من 'شارلي إيبدو' رسماً ساخراً يمثل بابا روما (أعلى رمز ديني لدى المسيحيين)، وشديد الإساءة إليه في تصويره عارياً، في وضعيةٍ بذيئة، عدا عن الإساءة البالغة للصليب، رمز الدين المسيحي.
ما الغرض من نشر رسمٍ كهذا، ولماذا تحقير أهم شخصية دينية اعتبارية لدى المسيحيين، وأية وقاحةٍ في تحقير رمز الصليب الذي يرسم ملايين المسيحيين إشارته على صدورهم؟ هل الغرض من الاستفزاز مجرّد الاستفزاز، أم إن الكاريكاتور والصور يجب أن يكون لها هدف وغاية؟ دلّ علم النفس، وشرح عبد الله الغذامي في كتبه عن تأثير الصورة في اللاوعي البشري، وكذا مصطفى حجازي في كتابه 'حصار الثقافة بين القنوات الفضائية والدعوات الأصولية' أننا في عصر تأثير الصورة أكثر من الكتابة المطبوعة. فما غاية رسامي 'شارلي إيبدو' سوى تحطيم المقدسات التي يؤمن بها الناس. لا أراهم يختلفون عن الذين حطموا تماثيل بوذا وغيرها من التماثيل العظيمة والتاريخية، لمجرد قناعتهم بأنه يحق لهم ذلك، كما لو أنهم وحدهم يملكون الحقيقة، ويحق لهم أن يتمادوا في اعتدائهم على كل شيء، على معتقدات الملايين، مسلمين ومسيحيين وغيرهم، وأن يسخروا من تلك المعتقدات. وإذا كان أولئك استعملوا المعاول والقنابل، فإن صحفيي 'شارلي إيبدو' استعملوا القلم للغاية نفسها، ومن قال إن الكلمة والرسوم ليسا سلاحين، قد يكونان أقوى بكثير من قوة السلاح القاتل.
لا يوجد تبريرٌ واحد للرسم المهين لبابا روما والصليب، وما يدّعونه حرية ما هو إلا تحقير وإهانة وأذى للناس، خصوصاً المؤمنين منهم. وليس في وسع أحد أن يجد أي مسوّغ للرسم الشنيع المجرم بحق بابا روما والصليب والمسيحيين. ليس الغرض منه سوى الاستفزاز لمجرد الاستفزاز، والهزء من الأديان والمقدسات، تحت وهم حرية الصحافة. وبما أن شعار 'شارلي إيبدو' هو الحرية المطلقة بلا حدود، إذاً، يحق لعبدة الشيطان أن يمارسوا طقوسهم، ويحق لكل إنسان أن يعفّر كرامة أخيه الإنسان ومقدساته في التراب. وقد أغرقتنا المحطات الفرنسية بالدموع والحزن على الصحافيين، ضحايا جريمة القتل التي ارتكبها شبّان أشبه بقنابل موقوتة، بعد أن كانت الصور المسيئة للرسول محمد أشبه بالشرارة التي أشعلت حريقاً.
لست 'شارلي إيبدو'، ولن أكونها أبداً، وعلى الصحافة الحرة أن تحترم مقدسات الناس وإيمانها، وألا تستبيح، بكل وقاحة وعهر، رموزاً دينيةً تعطي الأمل والطمأنينة للملايين من شعوب الأرض. ثمّة فرق شاسع بين الحرية لغاية نبيلة وإنسانية، وهي فائدة البشرية، وشجاعة مواجهة الحقيقة، وبين حرية زائفة ومنافقة، لا غرض لها سوى الأذى والتحطيم. وتحديداً خطة بعيدة المدى (كما أؤمن) لتدمير نفسية الإنسان، وجعله يائساً لا يؤمن بشيء سوى العبث. كما كان يفعل الدعاة المنافقون في أميركا وغيرها، حين كانوا يخدّرون عقول الألوف، ويدفعونهم إلى انتحارات جماعية.