اتصل بنا
 

حين أطفأنا هواتفنا

نيسان ـ نشر في 2017-01-11 الساعة 01:11

نيسان ـ

يوم الأحد الفائت، أطفأنا، نحن اللبنانيين، هواتفنا الخليوية الجوّالة، اعتراضاً على ما تنزله بنا من ذلّ وهوان الشركتان الحصريتان اللتان تحتكران سوق الاتصالات الهاتفية، 'ألفا' و'تاتش'، هما اللتان تسيطران على كلماتنا، وعلى رغبتنا بالتواصل، وبإقامة علاقات اجتماعية، إلى درجة أنهما دفعتانا، من حيث لا تريدان، إلى ابتكار قاموسٍ خاص هو أشبه بالشيفرة. كأن نتصّل ونترك الخليوي يرنّ مرّة أو مرّتين، إيذاناً بأننا قد وصلنا إلى وجهتنا آمنين، من دون أن نتعرّض للخطف أو لحادث سيارة أو لانفجار، أو أننا استلمنا رسالة مخاطبنا على الطرف الآخر للخط، أو إيذاناً بقرب قدومنا، إلى ما هنالك من مواضيع يومية يتواصل الناسُ بشأنها، مراراً وتكراراً وبشكل يومي. أمّا لمَ اخترع اللبنانيون القاموس هذا الذي يمكن اختصاره بكلمة 'علِّـمْلي'، أي اتصل بي ثم أقفِل الخط مباشرة وسأفهم، فلأنّ أسعار خدمات الهواتف الجوّالة في لبنان هي حتماً من بين الأكثر ارتفاعاً في العالم. ولا يغرّنك أن تكون الهواتف الذكية قد خفّفت من وطأة هذه المشكلة المزمنة المستفحلة، فهي، وإن فعلت بحق، لم تلغها أبداً، لأن الإنترنت هو أيضاً من الخدمات المكلفة، سيئة النوعية والتغطية. فإما هو غير متوفر، أو هو غادرٌ ينقطع بين الحين والحين، فلا يؤمَن له كلية، أو أنه غير لائق الاستخدام في المجالات التي تتعدّى العلاقات الشخصية حصرياً.
هكذا انطلقت حملة 'سكر خطك' ليوم واحد في مرحلة أولى، بهدف المطالبة بخفض أسعار المكالمات الخليوية في لبنان، وعدم إلغاء الأرصدة التي يكون المواطنُ قد دفع ثمنَها بذريعة انقضاء مدّتها وإجبار المشترك على تعبئة خطّه شهرياً، وإن لم يكن قد صرف رصيده كاملاً، والتوقف عن 'حرق' الخط إذا لم يجدَّد الاشتراك، وخصوصاً أن المشترك يكون قد دفع ثمن خطّ صار ملكه. هذا وقد أطلق الحملة ناشطون مدنيون، يحكون بالكفاح المهذّب، ويقترحون حلولاً بديلة لإقفال الخط، فكان أن كبرت الحملة ككرة الثلج، واجتاحت كل وسائل الاتصال الاجتماعية، حيث بدا أن المعنيين بها والمنضمين إليها يشكلون عدداً لا يستهان به.
أطفأنا هواتفنا يوم الأحد 8 يناير/ كانون الثاني إذن، بعد أن تفقّدنا أصدقاءنا ومَن حولنا، واستفتيناهم في آرائهم، ووجدنا أننا وهم متفقون على ضرورة إيلام الشركتين، بتكبيدهما خسائر مهما تدنّت، تبقى تمثل بعض انتقامٍ نُنزله بمن سبق أن أوجعنا في جيوبنا وقلوبنا عقوداً، فيما هو يضع عينيه في أعنينا متبسّماً وشامتاً، كأنه يقول: لا مفرّ لكم منا، فنحن كالكمّاشة نحيق بكم، ومن يستطيع اليوم التخلّي عن الجوّال.
مع انتصاف النهار، وبعد أن وضعنا هواتفنا الذكية على وضعية الطائرة، بدأت رسائل 'واتساب' وسواها من وسائل الاتصال عبر 'الواي فاي'، تصل متضمّنةً جملا من نوع: أنا سكّرت، وأنت؟ أكيد نحن أكثر من مليون... وكان يلوح فيها شعورٌ بشيء من الافتخار بالذات، بعد أن بلغ الإحساسُ بالاستباحة، والمهانة والعجز، حدّا أفقد معظم اللبنانيين رغبة المطالبة بالحد الأدنى من حقوقهم كمواطنين. تلتها رسائل مضادّة تفهمنا أن الخسائر لن تلحق بشركتي ألفا وتاتش، لأنهما تتقاضيان مبلغاً مقطوعاً بقيمة 77 مليون دولار لتشغيل قطاع الخليوي، وإنما بالخزينة، حيث تذهب كل العائدات التي تقدر سنوياً بمليارين و500 مليون دولار، وبأن وزارة الاتصالات هي التي تحدّد تسعيرة الخطوط والتخابر الخليوي.
وبعد أن كنا متفائلين نخطّط لآحادٍ مقبلة، نقاطع فيها قطاعَ الخدمة هذا أو ذاك، بدأ مستوى المعنويات ينخفض قليلاً لدى بعضٍ منا، لدرايتهم أن الدولة قلّما فعلت ما هو في صالح مواطنيها، فلمَ تراها ستفعل الآن؟ لا بد وأنها ستترك أصحاب 4 ملايين و500 ألف خط خلوي 85% منها مسبقة الدفع، يفرحون بإغلاق هواتفهم الأحد الفائت، مراهنةً على أنهم، إنْ صمدوا وأعادوا الكرة في الأحد المقبل، سيكونون أقلّ عدداً وأفتر همّةً بكثير، وهم حتماً، في حسابات الخسارة والربح، وفي مواجهة الدولة التي تجيد إفشال أي تحرّك مدني، سيكونون هم حتماً الخاسرين.
مشاركة

نيسان ـ نشر في 2017-01-11 الساعة 01:11

الكلمات الأكثر بحثاً