اتصل بنا
 

روائع قصاصة كتبها مسافر

نيسان ـ جورج الرنتيسي ـ نشر في 2017-01-11 الساعة 03:47

x
نيسان ـ

ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺮ

ليس ﻣِﻦ ﻓﺮحٍ أقولها ﻟﻠﺮﻳاح
تأﺧﺬ ﺍﻟﻐﺒﺎﺭ ﻋﻦ وجهي وتلقيها بعيداً
أقول للريح عن أسرار وسادتي
اهمس في اذنها عن اسرار عاشق متهور
أسطر كلمات لا يعرفها أي شخص
قال العجوز للمسافر
ليس هناك ﺣﺰﻥ يلتقي بهذه الرياح وجه لوجه ﻭﻳﻐﺎﺩرها بسكون ايها المسافر!


- فالكلمات لها رنين و نبض في الذاكرة
تكلم المُسافَرُ: وهو في قمة السكون
اعرفُ أني لنَ اسَافرُ وبأن الريحَ هي التي قد حَملتْني وكأنها تَلعبُ بيَّ، وأظنُ أني أركب ُأجنحة الرَّيِّحُ السريعة في دوامة العمر التي تدور بركلة من قدم الزمن العتيقة ألقى بنا كحجر نرد على وجه هذا الوطن. وصرنا كقطعة خشب تجري على وجه نهر لا تعرف مصيرها.
أعود إدراج الأفكار وترتيب وتصفيف نفسي وأفتش فيها عن جسد في مكان مفقود إثراء عالم لا يملك شيء مما أمَلكَ
كما يبحث فيها شخصٌ عن صرخةِ قلبهِ ونبضاتهِ التي فُقِدَت، فَوجَدَها غَارِقة في قاع ِبحرٍ مِن النِسيان، هذا ليس مكان للسخرية مِن زمن لا أعرفُ أن أثقُ فيه بأيٍ كان أو أن أشعرَ معه بفرحِ الامتداد يخرج فيها من منفى النفس.


أتعرف أيها العجوز
ما هو الذي يسافر؟؟


يسافرُ الحب وشقائقَ النُعمان في رحلةِ يحولان فيها الفُراق الى معبدٍ للصلاة يخلو من المؤمنين اطلاقا، وتتحولُ فيها النجوم الى عقد في عنق حورية وجدت نفسها على سطح القمر، بدلا من ان تجد نفسها على يابسة ساحلية.
تصبح صدى هذه الكلمات تتكلم داخل قلبي الذي هو أسمى من أحلامي
وأحلامي تصبح عالقة في سقف غرفتي حيث تبيتُ وتنام معي على وسائدِ المنفى.
اريد ان اعيدَ تركيب الزمن واكتب جدول هذا الزمان وأسافر إلى الموتِ وأعود ثانية إلى الحياة بعد الالتقاء من نشوةِ النومِ وعذابِ اليقظة إلى راحةٍ لا اعرف حقيقتها
سأصنع لنفسي تمثالاً أحطم فيه الوهم ويزداد التعلق برحيق كدت أمسك فيه خيط أمل يصلني الى قلبها وبشعرها المتبلور في كل الفصول التي تسكنها.
اريدُ أن اسافر في بحر لا ينتهي اريد ان احمل لغة جديدة وكتاب جديد فما زلتُ أذكرُ الحبَ في أوراقي الهامِدة إلى هذا اليوم
فقبل سنين كنتُ أعتقدُ أنني أكتبُ حينَ أشفى من لمسِ لجراحتنا القديمة، دون أن أمُرَ على الأروقة القديمة والمقاهي وحارات النبيذ، فلا بُدَ الأنَ أن أعثرَ أخيراً على الكلمات التي سأنهمك في كتبتها، فهذا حقي كاملاً في اختيار كيف أنتقي كلماتي
التي سأخوضها في مساحةِ أوراقي البيضاء
سأكتب قصتي التي أخترتها الآن فيعرض فيها شريطا قديماً للذاكرة، فالكلمات التي سأكتبها قد حُرمِتُ منها سابقاً، وإنها سوفَ تولدُ عارية لا مَحالة تاركة فيها رعشة الخوفِ التي تشجنت فيها يدي عن الحركة، ويصبح حاجز الصمت الذي يمنعني من التكلم أصبح يعيش ضوضاء العقل وسرير الجسد الهامد.
في شتاءِ كانون يطرق الشتاء ابوابي ويأذن بدخولِ البرد على الاعتابِ حيث يعبث بستائر النوافذ المفتوحة، واشتم رائحة القرفة المنتشرة في ارجاء البيت مع فطائر التفاح الشهية وفنجان قهوة داكن السواد، حيث تركتُ معطفي جانباً على الاريكة في أحد زوايا البيت معلقا بين خيبة كاتب يخوض صراع أوراقه وبين دخان إمراه أشكلها في سيجارتي.
هذه القصة التي ولدت من خاصرة من حارة من حارات مدينة القهوة والتي تَحول فيها الصمت إلى الكلام والذاكرة للنسيان
فالقلم هو الأكثرُ قولاً والأكثر جرحاً، والأكثر قتلاً وانتقاماً وإثارة....
إذا هنيئا للقلم لأنه يروي قصة حدثت وقصة أخرى ماتت بين ثنايا الأوراق فكتبتُ رواية في فصلها الاخير عن بقايا قصاصات كنتُ أهذي بها لا تصلح إلا لكتاب يحفظ عن ظهر قلب لكل شخص مطعون من عشق اصابه بخيبة الوداع.
وسأقولُ أيضاً هنيئا للحب .... الضائع الذي لمسَ جِراحنا القَديمة بسكينة بدلاً من القلم وجعلنا نتألم مرة أخرى. فأصبح من الصعب أن أتذكر ومن الصعب أن أنسى في نفس الوقت، فَسرِتُ في غياهِب مقفرة من الدموع والأحزان وقد طال الطريق أمامي وأنا أسير لعلَ النسيان يكون حليفي، ولكن كان ذلك صعبا منذ البداية فأضاع قلبي وعقلي في جعبة النسيان، فذهبتُ لتمَسكِ بالإرٍادة ورحلتُ من هذه البلاد الى مدينة القهوة على أمل أن أنسىَ ومع الأيام بدأ طيفُكِ يتلاشى وبدأتُ أنسى شكلَ وجهكِ وتفاصيلكِ الدقيقة، فبدأت شفتاي تعرفُ طعم الابتسامة والتي لم ترتَسم فوقها منذ زمن بعيد، وقد شغلتني الحياة أكثر وأكثر وتعرفتُ فيها على أناسٍ كثر، فالصراع الذي أجهدني مِن قبل عشيقة أصبحت تشبه القهوة في بدايتها مرارة و علقم ، تبدو لك للمرة الأولى بإن رائحتها شهية للتذوق وبعد تناولها تجدُ أنها غير مناسبة للشرب و تترك أثرا داخلك من الصداع والقيء ويظهر على وجهك ملامح متعبه و وجه غير صباحي مشرق بأمل حتى لو قمت بغسله أكثر من مرة، فتتنقل عفوتنها إليك فتختفي الابتسامة وتزول الضحكة لأنكَ ابداً لن تكون امرأة مصنوعة من النبيذ ومن ورقة كاتب يصنعها بأقلامه. تعشق وتتعرى على ورق عاشق مغرم. تتربع على غيم الياسمين
يصنع من صلصالٍ تمثالٍ لها ويضعه في غرفته
فليس من البديهي أن يعشقُ الشخص امرأة قالت وداعا وتعود مجددا على نفس الورقة التي غادرتها، وإن قتلت بين يدي غريمها وأحيت نفسها بين يديه بجرّة قلمه.
فكيف لا أرتبك وأخاف أن ارتشف إمراه تشبه طعم القهوة الا انها مخلوطة بالسم وتشبه الرعشة التي تذعرك أن امسكتك الكهرباء فتسري في الجسد جزءا فجزء، وتزيد من خفقات القلب حتى تقضي عليك.
أنا هو ذلك الشخص القريب الذي يغفو الزهر في حضنه وتُعشعش العَصافير على أغصانه في كل هذا الشُغف وكهولِ النبضُ لستُ الا حارساً أغواهُ الحُبَ ففي قلبي رسالةِعشقٍ قد كفرتُ بها، وانا وقهوتي السمراء نتقنُ ونجيدُ الغياب في تفاصيلكِ، لا شيء يشبهُ الحزنَ الا عينيكِ الخادعة تستقبلُ ديسمبر بالرحيل الى كانون الوداع
فأرسم لوحة فتاة بيدها عصا وترتدي ثوب الخيبة في عينيها عصية النسيان وفي ساعتها عقارب تلدغ، يلتف وشاح السم حول عنقها، لا تحاولي ان تثيري بسحرك الاسود على ابوابي
قالَ العجوز وأخبرَنيِ ايضاً بائِعُ الخَزفِ بهمسٍ في اذُنِي بأن لا تَقتربْ من امرأةٍ تجيدُ رائحة الخبثِ وأن تكونَ مصابة بشقاء، تصيبُ بلعنة الحب الخانق فإنها تنظف الدم من بقايا سمها وتبتسم في وجهك وتقوم بمسح عسل الشفاه الملوث وتبتسم خلف قناع الكذب لعلك تصدق أخر الحكاية بعد أن تزرع سكينا في الخاصرة
أجبتُه قائلاً: بأني أصبحتُ انصتُ للقيامة بذهول واحتراف وما زَالتْ تَجهلُ ولا تَعرف أني أعجنُ الحروفَ بطعمِ الياسمين وأستبدلُ قلبي بنافذة مشرقة تُطلُ على سماءِ جديدة.
فكلامُ القواميس قد مات وكل كلام العشق اندثر ،لقد أكتشفتُ طريقاً جديدةَ هي أن أحبَ بلا كلمات فالطريقة الوحيدة التي يجبُ أن تعرفي في قانوني بأني لا أسمحُ بإسقاط كرامتي
وأني أقوم باعتزال يتجرد من الحب يصبح يحمل جراحه على عاتقه في حقائبه فالرسائل والقصاصات تقتلُ الروح وتُحدثَ عَن اسرارِ اوراقٍ خاضت وطيسٌ من الاقلام الخَانِقة في مَعركة هذا الجِوار القريبُ.
جورج رنتيسي

نيسان ـ جورج الرنتيسي ـ نشر في 2017-01-11 الساعة 03:47

الكلمات الأكثر بحثاً