هل اكتمل السلام في دارفور؟
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2017-01-27
كأن القتال الأهلي في إقليم دارفور في غرب السودان توقّف، فباستثناء منازعاتٍ على المواشي، تنشب أحياناً، ويقضي فيها عشراتٌ من الناس، لا تُطيّر وكالات الأنباء أخباراً عن حربٍ من هناك، وهذا مبعث غبطةٍ، ولا سيما وأن الأخبار المتعلقة بالإقليم (6 ملايين نسمة، 510 آلاف كيلومتر مربع) تتواتر، بين شهر وآخر، عن انضمام حركاتٍ متمرّدةٍ إلى وثيقة الدوحة للسلام الموقعة في العام 2011 بين الحكومة السودانية و14 فصيلاً متمرّداً، وهذه مجموعةٌ منشقةٌ عن حركة تحرير السودان وقّعت عليها في العاصمة القطرية، الأسبوع الجاري. ومعلومٌ أن الوثيقة تشتمل على تفاهماتٍ بشأن تقاسم السلطة والثروة، وتقرّ تعويضاتٍ للنازحين، وتعالج أوضاع اللجوء والإقليم عموماً. وفي غياب أدوارٍ عملياتية لجامعة الدول العربية، بذلت دولة قطر جهوداً جبّارة، ودؤوبة، في مسيرة السلام في دارفور، وأقامت في الإقليم مشروعاتٍ خدميةً وتعليميةً وإعاشيةً عديدة، منها الالتزام ببناء 75 قرية نموذجية، فضلاً عن تبنّيها مؤتمراً دولياً للإعمار، وتقديمها، في الأثناء، تبرعاتٍ سخية. وإذ سمع حضورُ حفل التوقيع الجديد في الدوحة، من مشاركين سودانيين فيه، إن العنف في دارفور تراجع إلى حد كبير، ففي الوسع أن يُجزل المراقب ثناءً مستحقّاً على جهود دولة قطر من أجل إنهاء النزاع هناك، ولا سيما وأن مشاركة الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الاحتفال في سبتمبر/ أيلول الماضي، في الفاشر (شمال دارفور)، باستكمال إنفاذ وثيقة الدوحة، مثلت التزاماً قطرياً بمواصلة هذه الجهود التي أثمرت الكثير.
انصرفت وسائل الإعلام العالمية عن الاكتراث بدارفور، وهي التي كانت قد كثفت الأضواء على الحرب الأهلية المريرة هناك في سنواتها الأولى، منذ ضرب قوة من حركة تحرير السودان مطار الفاشر في إبريل/ نيسان 2013، واعتداء الحركة نفسها على قبائل عربية قرب جبل مرة (غرب دارفور). وقد سوّغت الخرطوم زعمها أن الجاري في الإقليم محضُ مؤامرةٍ خارجيةٍ، تستثمر منازعاتٍ قبليةً، بذلك الإعلام المكثّف، وفيما ظلت تردّد أن الضحايا لا يتعدّون عشرة آلاف، كانت وكالات الأنباء تشيع أنهم 200 ألف، استناداً إلى تصريحاتٍ للأمم المتحدة غير مسندة دائماً، وحدث مراتٍ أن أذاعت أن عددهم يصل إلى 300 ألف. وأياً كان الحال، المؤكّد أن جرائم حرب مروّعة ارتكبتها مليشيا الجنجويد المدعومة من الحكومة ضد القبائل الإفريقية (الفور والمساليت والزغاوة) وأن فصائل المتمرّدين وحركاتها وجبهاتها اقترفت جرائم مهولة، ولن يقلّ عدد الضحايا عن أزيد من 100 ألف، وما شاهده صاحب هذه السطور (وغيره من زملاء صحافيين) من أوضاع غير إنسانية، في مخيمات لاجئين في دارفور، ينطق بمقادير كبيرة من العار الذي يلحق بطرفي الصراع.
إنْ كان ضعف الانتباه الإعلامي، منذ خمس سنوات ربما، إلى الحال الأمني والمعيشي والإنساني العام، في مناطق الاحتكاك بين القبائل العربية والإفريقية المتنازعة (كلها مسلمة)، يؤشر إلى أمن وأمان وفيريْن استجدّا هناك، وإلى عودة لاجئين ونازحين وهاربين إلى أماكنهم (ما عددهم الآن، وقد كانوا مليونين ونصف مليون؟)، فأنعم وأكرم، سيما وأن الرئيس، عمر البشير، أعلن، أخيراً، عن تمديد وقف إطلاق النار في دارفور (والنيل الأبيض وكردفان) ستة أشهر، تجاوباً مع رفع الولايات المتحدة عدة عقوبات عن السودان، غير أن الصورة العامة تبقى في حاجةٍ إلى جلاءٍ أوفى، مع مواظبة حركة التمرّد العريضة، جيش تحرير السودان، بزعامة عبد الواحد نور (يقيم في باريس منذ 2006!)، على استنكافها عن حسم خيارها باتجاه السلام، وتتهمها الأمم المتحدة، أخيراً، بارتكاب جرائم حرب في ليبيا (!)، وهي على أي حال حركةٌ قبلية أصلاً. كما أن حركة العدل والمساواة لا تتقدّم باتجاه السلام النهائي، وتتهمها الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب في جنوب السودان (!)، وهي حركةٌ سياسيةٌ أصلاً. والمأمول أن تنجح الجهود القطرية (وغيرها) في ضمّهما إلى وثيقة الدوحة التي لا أرضية غيرها مطروحةٌ لإنجاز صيغة أمن وسلامٍ وتنميةٍ في تلك المطارح السودانية، غير المشمولة باعتناء العرب إعلامياً، ربما بفعل المشاغل بالحرائق