اتصل بنا
 

ترامب والمسلمون واليهود

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين

نيسان ـ نشر في 2017-02-04 الساعة 01:01

نيسان ـ

منذ انتخابه رئيساً وقراراته المختلفة الصاعقة، وخصوصاً قراره منع مواطني سبع دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة، أثار دونالد ترامب عواصف من النقد والهجوم والرفض لوجوده في منصبه، كما لم يثر رئيس أميركيٌ قبله. لا حاجة للتذكير بالمظاهرات التي قامت في الولايات المتحدة فور تسلّمه منصبه، والمظاهرات في شوارع عواصم غربية، منددة بقراراته بحق المهاجرين والمقيمين من دولٍ يعتبرها إرهابية، أو تشكل خطراً أمنياً على بلاده. ربما كان للتطور في وسائل الاتصال الاجتماعي تأثير كبير في الضجيج العالمي، وربما يكون لشخصية ترامب نفسها التي لم يرها معظم الناس صالحة للحكم، ولكن الأهم من ذلك كله سياسته ومنهج تفكيره وتعبيره الفظ عن محاولة النهوض بأشد القيم رجعيةً في التاريخ الأميركي، وتسلّط فكر نقاء الرجل الأبيض وعظمته وهيمنته من جديد محركاً أساسياً من محركات النظم السياسية والفكرية القديمة التي قامت الولايات المتحدة عليها، والتي كان من عناصرها العنف والإبادة ضد السكان الأصليين، واستعباد الأقلية الإفريقية، وعزل بقية الأقليات العرقية والدينية الأخرى، لتثبيت فلسفة النقاء للرجل الأبيض.
وقد مرت الولايات المتحدة بأطوارٍ عدة في سياق هذه العملية البغيضة، إلى أن جاءت تطورات السنوات الماضية في الصراعات العالمية، وصار المسلمون يتصدّرون المشهد العالمي، مع ما أصاب بلدانهم من حروبٍ واقتتال أهلي، وبروز حركات إرهابية صادمة في عنفها وتوجهاتها التدميرية، ما جعل المسلمين، بغض النظر عن اعتبارهم الإسلام هوية دينية أو مجرد هوية ثقافية، وسط دائرة الضوء. وبهذا صار المسلمون في أميركا يمثلون الأقلية التي سيقع عليها الظلم الذي وقع على الأقليات منذ بدايات تأسيس الدولة الأميركية وتطورها عبر التاريخ. وعلى الرغم من وجود ملايين المسلمين في أميركا والعلاقات بين أميركا والدول العربية والإسلامية، إلاّ أنه تم استثناء ممثلين عنهم في حفل تنصيب ترامب.
لم يقتصر الخوف الذي أثاره انتخاب ترامب على المجتمعات المسلمة، فحتى الأميركيون اليهود أصابتهم رعشات الخوف والريبة. وبحسب الأبحاث، فإن ثلاثة أرباع يهود أميركا لم ينتخبوا ترامب، ووقف معظمهم ضد سياسته منع المسلمين من دخول البلاد، وقاموا بحملات جدية وفاعلة ضد هذه السياسات، وهذا ما يتضح في حملات الكُنس بالعمل على دعم المهاجرين المهدّدين بالطرد، وقيام عدد من النخبة من المثقفين اليهود بالتصريح عن مواقف مناهضة للرئيس. وبدا الأمر مثيراً لأسئلةٍ معقدةٍ ليس من السهل البحث عن أجوبة عليها، وإن كان من المهم جداً طرحها للدراسة، كونها تشكل مشهداً جديداً في التحولات التي أصابت العالم اليوم، فاليهود جزء من المجتمع الأميركي، ويمتلكون القوة والسلطة، وهم فاعلون في مراكز حكومية وأكاديمية وثقافية واجتماعية. ومع ذلك، انتابهم الرعب والشعور بعدم الأمان، وكأن ترامب أعاد إلى أميركا ويهودها اليوم الخوف والقلق والاضطهاد الذي عاشه أجدادهم من المهاجرين الأوائل، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع صعود النازية.
وعلى الرغم من وجود إسرائيل قوة مدعومة من الولايات المتحدة، إلاّ أن الأميركيين اليهود لا يعوّلون عليها، كي يطمئنوا إلى مستقبلهم الأميركي، وخصوصاً في ظل التصريحات العنصرية لبنيامين نتنياهو المؤيدة لعنصرية ترامب في بناء الجدار العازل مع المكسيك التي أثارت سخط مجتمع اليهود في المكسيك ومخاوفهم، كما في أميركا، تحسباً لانعكاسات موقف نتنياهو عليهم في وطنهم. ما تعيشه أميركا في عصر ترامب سيشكل بدايةً لعصر تتضارب فيه الأفكار، وتصطدم الرؤى حول شكل العالم مستقبلاً، وقد تتهاوى مسلماتٌ وبديهياتٌ في علاقة المفاهيم القديمة، ما يجعل التغيير في العالم خارج معظم النظريات والتحليلات المستهلكة.
نحن أمام أسئلةٍ، علينا أن نبذل جهداً مضنياً في البحث عن أجوبة لها خارج مناهج البحث المعتادة.

نيسان ـ نشر في 2017-02-04 الساعة 01:01

الكلمات الأكثر بحثاً