مجرّد طلب من "الجزيرة"
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2017-02-18 الساعة 01:10
يكتمل اليوم عامٌ على وفاة محمد حسنين هيكل. والتقليديّ، في هذه الذكرى، أن تُستعاد شمائل وسجايا في الرجل، ووقائع ومواقف في تجربته العريضة، كاتبا وصحافيا كبيرا واستثنائيا. وقد يُشار إلى مؤاخذاتٍ على خياراتٍ سياسيةٍ اعتنقها، وتناقضاتٍ ومغالطاتٍ وقع فيها، في نحو سبعين عاما، بقي اسمُه فيها حاضراً ولامعاً. وغداة وفاة الأستاذ هيكل، جاء صاحب هذه الكلمات على الأمريْن، في أربع مقالاتٍ في 'العربي الجديد'. أما هذه السطور فتدعو قناة الجزيرة إلى أن تبث حلقاتٍ لديها، لم تعرضها، من البرنامج الذي واظبت على إذاعته نحو ست سنوات، 'مع هيكل.. تجربة حياة'، عددها 14 حلقة (أو ربما 13)، كانت آخر ما سجّله الراحل، وكان مقرّرا أن يبدأ بثّها في ديسمبر/ كانون الأول 2010، وهي المجموعة الثامنة من البرنامج، وعنوانها 'طريق أكتوبر – أنور السادات'، وتُكمل المجموعاتِ التي تتابعت ووصلت إلى نحو 150 حلقة، وانتهت سابعتُها 'طريق أكتوبر- حرب الاستنزاف' عند وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في سبتمبر/ أيلول 1970.
تصادف موعد بث أولى الحلقات، المدعوّ هنا إلى أن يُشاهدها الجمهور، مع اشتعال الثورة التونسية، ثم تعذّر بث الحلقات، بسبب انقطاع القناة لمتابعة الثورات العربية، وبسبب طلب هيكل نفسه وقف بثّها (أو إرجاءه)، بداعي أنه لا يكون مناسباً، في أثناء الإيقاع العام في أتون تلك الانتفاضات، أن يطلّ على الشاشة، للحديث عن السادات وعبد الناصر. وقد قال 'الأستاذ'، في إطلالةٍ له عن تونس، بثتها 'الجزيرة' في يناير/ كانون الثاني 2011، إنه استأذن القناة، 'مرّة ثانيةً خلال أقل من شهر'، في أن يؤجل المجموعة الجديدة من 'تجربة حياة'، لأنه وجد أن 'الحدث التونسي ينادي كل الناس'. ولكن، يمكن أن يُخمَّنَ أيضا أن القناة حافظت على هذه القناعة، مع تتابع المستجدّات العربية العاصفة، في العامين التاليين، استضيف هيكل فيهما في مقابلاتٍ أجراها معه الزميل محمد كريشان، وبسط فيها آراءه في الشأن العربي الحادث في حينه. وربما لم تتحمّس 'الجزيرة' تاليا لبث الحلقات المُحتفظ بها، ولا لتصوير حلقاتٍ جديدةٍ تستأنف البرنامج، ربما لدعمه بشدة الانقلاب العسكري الذي طرأ في مصر، فيما أخذت القناة موقفها المعلوم.
... قال نجيب محفوظ 'لو كان هيكل روائيا لما كان لنا عيشٌ في هذا البلد'. وقد تبدّى في 'تجربة حياة' أن لدى 'الجورنالجي' الشهير، بالإضافة إلى جاذبيّة كتابته، وأناقة خياله وعبارته، جاذبيّةً أخرى في الحكي والسرد والقص، وموهبة في التشويق والانعطاف من قصةٍ إلى أخرى، وفي التباسط مع جمهور التلفزيون. وفي تجواله بين تفاصيل وقائع مصرية وعربية بلا عدد، كان شاهدا على كثيرٍ منها، عرضها في حلقات البرنامج الطويل بكيفيةٍ شائقةٍ، شدّت مشاهديها، كانت ذاكرتُه مدهشةً، مستعيناً بأوراق ووثائق وصحف وصور وكتب، وقد تزوّد البرنامج بعناصر بصريةٍ لكسر أي ملل. وقال مخرج الحلقات، خالد سليم، إن هيكل كان يُشرف بحرصٍ على المونتاج والتصوير. ومع التسليم بأنه حضرت، أحيانا، استرسالاتٌ واستعراضيةٌ لا مدعاة لهما، إلا أن هذه الهنات الهيّنات لا تُنقص من أهمية البرنامج. ولا تزيّد في الزعم، هنا، إن سرديّة هيكل عن حرب السويس تعد الأوفى، كما عرَضها على الشاشة وفي كتابيْن له، كما أن لروايته عن حرب 1967 أهميتها الخاصة، وأظنه تألّق كثيرا في عرضها في 'الجزيرة'.
ظلّ هيكل في 'تجربة حياة' وفيّا لفكرته التي أوضحها، في مقابلةٍ مع كريشان، إنه لا يتحدّث في التاريخ، وإنما في التجربة الإنسانية، 'لأنها المعنى الحقيقي للتاريخ'، وإنه 'لا قيمة لأن نتذكّر، إذا لم تقترن الذكريات بالتفكير'. ولأن الحلقات التي يُطلب هنا بثّها تتعلق برئاسة أنور السادات وسنوات حكمه الأولى، ولأن هيكل كان من أبرز مساندي السادات في تلك الأثناء، ولأنه لم يُقنع كثيرين في دفاعِه عن دوره ذاك، وهو الذي لم يوفر مناسبةً في انتقاد الرجل وتبخيسه، (ألمح في البرنامج إلى اتهامه بتسميم عبد الناصر!)، ولأنه أبلغ صحافيا مقرّبا منه أنه يكشف جديدا في هذه الحلقات، ولأن هيكل، أيا كان الرأي في حكاياته ومرويّاته وكتاباته، قيمةٌ باقية، فإن المأمول أن تُشاهد هذه الحلقات على شاشة 'الجزيرة' قريبا.