اتصل بنا
 

كي لا يتزوج عليك

نيسان ـ نشر في 2017-02-21

نيسان ـ

كلماتٌ بالغة الركاكة، كفيلةٌ بإثارة حنق وغضب أي امرأةٍ، تتمتع بحس كرامةٍ وعنفوان، وكذلك تتضمن إساءة كبرى للرجل، إذ تطرحه بصورة الأبله فاقد الإرادة والقدرة على التمييز، عديم الأهلية، قابل للسلب والاختطاف، من دون إبداء مقاومة. وصل إليّ النص العظيم عبر 'واتس أب' من سيدةٍ المفترض أنها حاصلة على درجات علمية عليا، ولها حضورها في المجتمع. ظننت لوهلة أن الرسالة واحدةٌ من الطرائف التي يتداولها الناس بغزارة هذه الأيام، كونها كتبت بلغةٍ ساذجةٍ وسطحيةٍ مدعمة برسوماتٍ لوجوه صفراء اللون، تعبر عن مشاعر عديدة، كالغضب والهلع، يبيحها التطبيق الذكي واسع الانتشار. وبقليلٍ من التدقيق، تبين أن صاحبة النص هي السيدة المثقفة، بدليل أنها ترسله إلى صديقاتها، من باب تعميم الفائدة. اتضح أن الكاتبة جادّة جدا في ما تقول، على الرغم من الأخطاء النحوية والإملائية الكارثية في نصها المؤسف، وهو بعنوان تحذيري، المفترض أن يبث الهلع في نفوس النسوة 'كي لا يتزوج عليك'، ويتضمن، على ما يبدو، خلاصة حكمتها في سنوات استلابٍ وعبوديةٍ وامتهانٍ واحتقار للذات، في جملة نصائح وجهتها للمرأة المهدّدة على الدوام بعدم دوام الحال في كيفية الحفاظ على زوجها، باعتباره درّة التاج، وغنيمةً قابلة للنهب عند أدنى تقصيرٍ متعلق بمتطلباته، سيد مدلل ينبغي أن لا يرد له طلب!
وفي سياق تحذير الكاتبة الألمعية من مغبة خيار الزوجة الثانية الضرة المرة، المتاح سيفا مهدّدا على أمن النساء واستقرارهن، تقول الكاتبة بسلامتها 'إنه يحتاجها تماما مثل من يريد شوكولاتة معينة من سوق كبير، سيظل يبحث عنها في أي محل، حينها سيتمتع بتذوقها، سيأتي يوم يتزوج بغيرك، وربما طلقك أيضا، كوني ذكيةً، بدلا من أن تأتي غيرك بذكائها، فتحصل على زوجك على وبيتك وأبنائك أيضا، بسبب عدم اعتذارك عن المشاكل والخصام، كوني ذكيةً، وانتبهي قبل أن تندمي، ولن ينفعك الندم'. يعبّر المقال، إذا جازت تسميته كذلك، عن جهل كاتبته، وإحساسها بالدونية، وعدم احترام قيمة الأنوثة، بل عملت على تحقيرها، والحط من شأنها، باعتبارها في مرتبةٍ أدنى من الرجل. وهذا الطرح نموذج لفكر سائد، وهو سبب أساسي في تخلف مجتمعاتٍ بأكملها، عملت على تعطيل إمكانات المرأة، على الرغم من أنها العنصر الفاعل والمؤثر في حركة تطور المجتمع، وكذلك حصرها في صورةٍ نمطيةٍ بائسةٍ، موضوعا جنسيا صرفا وأداة متعة للرجل.
مقترح ذكوري تقليدي مستفز، يرى في المرأة جارية، مرتهنة لمزاج سيدها الملول، صعب الإرضاء، مخلوقا ضعيفا تتحكّم به غرائزه. العلاقة الزوجية أسمى بكثير من هذا الهراء الرجعي، ذلك أنها ينبغي أن تقوم على الندّية والاحترام المتبادل، وتقدير المرأة كياناً مستقلاً، وشخصيةً لها قيمتها، وليست مجرد تابعة ذليلة، تلجأ إلى الحيل والمكائد الصغيرة التي تمكّنها من الاحتفاظ بزوجها، بعيدا عن مطامع الطامعات بتحفتها النفيسة، امرأة تتمتع بالكرامة وعزة النفس والشجاعة والصدق والوضوح، سوف ترفض الفكرة من حيث المبدأ. في هذه الحالة من الاعتداء على كرامتها، سوف تترك شهريار غير الرشيد يستمتع بالشوكولاتة، غير مأسوفٍ عليه، ذلك أنها تملك الحق ذاته في اختيار نموذج مختلف أعلى سوية. زوج عاقل وحضاري يحترم إنسانيتها، ويرفض من باب الاحتفاظ بإنسانيته التعامل مع شريكة الحياة باعتبارها جاريةً، وظيفتها الحصرية في الحياة العمل على إرضاء غروره الأحمق، تحت طائلة الاستبدال، بل يجلّها حبيبةً وصديقةً وأما وربّة البيت المدبّرة والعاملة المتميزة المنتجة التي تعينه على متطلبات الأسرة، وتقف معه في الشدائد، سنداً وسدّاً وسبباً أساسياً للإحساس بالأمان.

نيسان ـ نشر في 2017-02-21

الكلمات الأكثر بحثاً