اتصل بنا
 

السلطانُ لا يفهمُ أوروبا

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2017-03-16 الساعة 15:21

نيسان ـ

تحوّلَ مركزٌ قديمٌ للشرطة في أمستردام إلى مقهىً، يفتحُ بابه الحديديَّ الصلبَ لمدخني الحشيش والماريغوانا. كانَ المركزُ شرساً ضدّ عشّاق القنّب الهندي، قبل العام 1976. وعندما قنّنهُ الليبراليون الهولنديون بات متحفاً ومقهىً، يجدُ فيه السيّاحُ متعةَ التحديقِ إلى الماضي، وقد أصبحَ ماضياً تامّاً، وهم يُدخّنون الحشيشَ، ويختبرونَ الإحساسَ بالكثافة والتفاصيل الخفيّة، ويتناولونَ فطيرةَ التفّاح.

ذلك ما لا يفهمه خليفةُ 'الإخوان المسلمين' ومُستضيفهم رجب طيب أردوغان، وهو يهاجمُ هولندا، ورئيسَ وزرائها الليبراليّ مارك روتة، لأنه منعَ وزيرَ الخارجية التركي من الترويج في روتردام لـ 'توسيع صلاحيّات أردوغان' في استفتاء تنظمه أنقرة الشهر القادم، وتأمل أنْ تحشدَ له تأييداً لدى الجاليات التركية في أوروبا، فيما ترى القارة العجوزُ في ذلك 'خطوةً للوراء'.

أردوغان محقٌّ طبعاً. كيفَ للسلطان العثمانيّ أنْ يفهمَ ليبراليةَ هولندا. وهو 'الزعيمُ التاريخيُّ' الذي يعيشُ في قصورٍ، تستعيدُ أبّهة السلاطين الغابرين، ولديه حاشيةٌ ضخمةٌ من بقايا تلك الامبراطوريّة الآفلة. لا يفهمُ أنّ رئيس الوزراء الهولنديّ الذي يذهب إلى عمله على درّاجةٍ هوائية، دون حراسة، يجدُ توسيعَ صلاحيات السلطان وهماً تاريخيّاً زاخراً بالكوميديا، ولا يؤهّله لاجتيازِ عتبة أوروبا. فهذه ليست قصراً في إسطنبول، يُطلُّ منه السلطانُ، ويهتفُ: 'نحنُ أبناء الحضارة العثمانيّة العظيمة'.

السلطانُ وريثُ مذابح الأرمن، ووريثُ الإنكار، اتهمَ هولندا بـ'الفاشيّة' ودعمَ زعيمَ حزب 'الحرية' اليمينيّ المتطرّف المناهض للإسلام خيرت فيلدرز في الانتخابات البرلمانية الهولندية، نكايةً بمارك روتة الذي فازَ، وذلك لأنّ الشعبَ الهولنديّ يُريدُ بلاداً ليبراليةً مسالمةً، لا تُعادي المسلمين والأكراد والأرمن. وتهتمُّ بشؤون الأزهار والحمضيّات، وتقطعُ فيها الحريّةُ يومياً جسرَ 'أمستل'، وليسَ مضيقَ البسفور.

لنْ يفهمَ أردوغان أوروبا. عينهُ على 'الإخوان المسلمين'. وعلى الخليفة المنافس التائه في صحراء ما، بين الموصل والرقّة.

نيسان ـ نشر في 2017-03-16 الساعة 15:21

الكلمات الأكثر بحثاً