سنوات الصحافة العجاف !
محمد المحيسن
كاتب وصحافي أردني
نيسان ـ نشر في 2017-03-18 الساعة 20:43
مرت مهنة الصحافة خلال فترة ما سمي بالربيع العربي بسنوات عجاف ، اكل فيها اخضر المهنة يابسها ، فنهارت صحف كبيرة ، وتراجعت الحريات بشكل لم يسبق له مثيل، وتساقطت شخصيات اعلامية كورق التوت. ومن المفارقات التي حدثت خلال تلك السنوات الصعبة،تغير الكثير من المصطلحات والمفاهيم التي تربى عليها الكثير من رفاق المهنة وباتت الكثير من المسلمات محلا للحوار والنقاش، بل والنقد ، والانقلاب وبالتالي التحول من النقيض الى النقيض. الا ان ما يؤخذ على الصحفيين هو وقوفهم متفرجين على مهنتهم وهي تنهار ، بل اكتفى اشد الغاضين منهم بالوضع القائم، وبالتباكي وكيل الاتهامات هنا وهناك ، والصراخ على صفحات الفيسبوك دون ان يقدم مقترحا مفيدا واحدا.. بل ان بعض المتباكين ترك زملاءه يصارعون الادارة المتنفذة عندما انهارت احدى الصحف، فخسر نفسه ورفاقة وما زال يصرخ... لقد مرت مهنة الصحافة في الاردن خلال السنوات العجاف الماضية باختبار ربما كان الأعسر في تاريخنا الحديث بحيث لم تسلم الهوية والجذور من حملات التشكيك والتسفيه والمقايضات السياسية ورغم كل هذه الثرثرة عن الحرية والوحدة والانعتاق الا انها بقيت مجرد 'حكي' ولم يصل الى فعل يمارس على الارض. السنوات العجاف مازالت مستمرة وتأثيراتها تتسع مع مرور الوقت لتحط من قيمة المهنة وتزيد الهوة بينها وبين القارئ والمستمع وحتى المشاهد، بعد ان انفتح العام العربي طولا وعرضا على مصرعية لكافة اشكال الرسائل الهادفة والغير الهادفة. ومن كافة المصادر الموثوقة وغير الموثوقة. ومن بين اكثر المسلمات التي شهدت تراجعا على مستوى الرسالة الاعلامية كانت القضية الفلسطينية ، حيث لم تعد تحتل السطر الاول في العامود الصحفي ، ولم يعد ترتيب الخبر المتعلق بالقدس يحتل الخبر الثاني ولا حتى الثالث في نشرة اخبار الثامنة ، بل صارت فلسطين خبر يشبة الى حد كبير اخبار حوادث السير. هذا الانهيار بدأ عندما سمحت بعض الفضائيات لنفسها تسمية الشهداء الذين يسقطون يوميا دفعا عن فلسطين وعروبيتها وأسلاميتها بالقتلى ، بل لم تخجل بعض تلك الوسائل من وصف فلسطينيون استشهدوا بالانفاق بالإرهابيين' . مؤخرا انتشر احد الفيديوهات على نطاق واسع ، يتبجح فيها احد الصهاينة القتلة بأغنية 'وين الملايين' ليكمل حالة الهستيريا بتهكم واضح ولكنه نطق بحقيقة مخجلة عندما قال 'ملايين العرب تركوكم وصاروا معنا' . في الحقيقة لا يمكن الحديث عن المحنة التي تمر بها مهنة الصحافة ، بمعزل عن ظروف ومعاناة االواقع العربي برمته فالانحدار طال كل شيئ حتى لم تعد الصحافة معتمدة على الصحفي او القلم الحر والخبر الطازج ، بل على الفيسبوك والتويتر وأحيانا ما يتلقاه الصحفي من املاءات .