ربيع الانتصار في الكرامة، الهزيمة ليست قدراً!!
د. زيد النوايسة
أكاديمي وكاتب
نيسان ـ نشر في 2017-03-21 الساعة 12:39
لم يكن الخامس من حزيران/1967، حدثا عابرا في التاريخ العربي، ولم يكن مجرد سقوط القدس في أيدي المحتل الصهيوني فقط، 'على ما يحمل سقوطها من فجيعة تمس الكرامة القومية والدينية'، واستكمال احتلال فلسطين التاريخية، والجولان وسيناء، وهزيمة عسكرية وسياسية لثلاث أقطار عربية معاً، وإنهاء الوحدة بين الضفتين فقط، وسقوط المشروع القومي بأحلامه وآماله، بل شكل ذلك الجرح الحزيراني الغائر حتى الآن في جسد الأمة الممتد من الماء إلى الماء، انكسارا نفسيا وهزيمة للإرادة والجندية العربية، وكان أكثر وقعاً على شخصية الإنسان العربي وربما منذ سقوط غرناطة والأندلس، عندما غادرها العرب في عام 1492، يبكون ملكا مضاعاً لم يحافظوا عليه كالأمم العظيمة!!. تلك الهزيمة التي يتحمل بعض المغامرون من حكام النظام الرسمي العربي نصيبا وافرا من المسؤولية فيها، عندما استهانوا بالعدو والدعم الأمريكي والغربي وأمعنوا في تغييب العقل والاستعداد العسكري الحقيقي، وتحصين الجبهة الداخلية لمواجهة أشرس عدو عرفته الأمة منذ أن كانت، فكان ذلك الاثنين الأسود الخامس من حزيران/1967، عندما سفحت الإرادة العربية وكرامة وشرف الجندية فيها،ولم تتحطم الطائرات على مدارجها فقط، بل تحطم الكبرياء والعنفوان القومي الذي كان يملئ الدنيا يومها، وغدت الهزيمة قدراُ مستحكما وليلها طويل حالك السواد وبلا نهاية!!. لقد انسحبت الهزيمة والإحساس باليأس ليشمل المجتمع العربي بكل مكوناته وقواه السياسية، مما زاد في الغطرسة الصهيونية والاستعلاء والرغبة الجامحة في التوسع، فكان العدوان فجر الخميس، الحادي والعشرين من آذار من عام 1968، عندما حاولت قوات العدو التقدم على محاور الأغوار وعلى امتداد الجبهة الأطول باتجاه البلقاء والعاصمة عمان، ليعلن وزير الحرب الصهيوني'ديان' باستعلاء وغرور وصلف، انه سيعقد مؤتمرا صحفيا في العاصمة عمان بعد ساعات، ولكن رجال الله رجال الجيش العربي الأردني وقوى المقاومة الفلسطينية والأردنية المتواجدين على قاطع الأغوار كانوا على وعدهم مع الوطن وما نكثوا عهداً، فكان ذلك الفجر عربياً أردنيا بامتياز، تصدى فيها أبطال القوات المسلحة البواسل ببسالة منقطعة النظير، ومع إحراق أول دبابة صهيونية وتوالي الضربات العسكرية لوقف العدوان، بدأت أسطورة الجيش الذي لا يقهر تنهار أمام الصمود الأسطوري للجيش البطل والمقاومة الشعبية، فكان ذلك اليوم من خالدات الأيام في تاريخ العرب كيوم مؤتة واليرموك والقادسية، اعتلى فيه الشهداء أحرارا للسماء وقد خضبوا هذه الأرض بالنجيع الطاهر كما خضب أجدادهم، جعفر وزيد وعبد الله، ارض مؤتة ذات زمن انتصار عربي أخر على الظلم والطغيان. يمكننا القول اليوم أن الكرامة المعركة الخالدة، أسقطت مبكراً تلك الهالة الأسطورية للجيش الذي لا يقهر، وأسست للدخول في حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية، ولانتصارات تشرين اكتوبر1973 لاحقاً، ذلك أنها أعادت للجندية العربية الاعتبار والثقة والروح بان الانتصار هو أولا وأخيرا ' إيمان وإرادة وتحدي'، وان هذه الأمة بالرغم من الوجع الحزيراني لن تموت، وأنها على موعد مع الانتصار واستعادة الكرامة ووقف الزحف الصهيوني بالرغم من الدعم الأمريكي والغربي غير المحدود!!. اليوم، ونحن نستحضر الذكرى التاسعة والأربعون ليوم الكرامة الأغر، ننحني أمام الشهداء الأبرار الذي كتبوا بدمهم 'وشماً' للحرية والصمود والكرامة على الجباه والزنود، ونطبع قبلة على جبين كل الشهداء الأحياء من قادة وضباط وجنود ومقاومين الذين تشرفوا بان دافعوا عن وطنهم وأمتهم وشعبهم، وحملوا أرواحهم على الأكف، ليبقى هذا الوطن الأردني العظيم حرا وعزيزا وسيداً. وسيظل ربيع الانتصار في آذار الكرامة يزهر وردا ودحنونا وكبرياءً مهما بقي الدهر، وسيظل من عناوين اعتزازنا الوطني بجيشنا وقواتنا المسلحة الباسلة وقيادتها التي قررت ومنذ اللحظة الأولى للعدوان أن لا يتغيب شمس ذلك اليوم وعلى هذه الأرض الطاهرة أثرا لجندي صهيوني. نحيي هذه الذكرى العظيمة اليوم، بالسلام على الشهادة والشهداء، والسلام على أبطال الكرامة الكبار من قضى منهم نحبه ومن ينتظر، والسلام على الجيش وقيادته وقائده الأعلى، وسيظل جيشنا الرمز الوطني الجامع والسيادي الكبير الذي ما خذل شعبه وأمته في كل المواقع والمواقف منذ أن كان ومنذ أن حمل الاسم الكبير 'الجيش العربي الأردني'.