مِعراجٌ فوق الفساد

الفساد من أقبح صور الشرّ ، مجرّد كتابة الكلمة يُشعرنا بالضيق ، بينما الخير يقودنا نحو الابتسام والراحة والمثالية . هل يمكن لمجتمع أن يكون بلا فساد؟ ، بالطبع لا ولا بلا خير أيضا .
الأردن -التي كانت ممرّا لرحلة الإسراء نحو القدس - تتنامى فيها منذ سنين حالة الشكوى من الفساد ، وأصبح تضخيمها دافعا لتبرير كَسَل بعض النفوس وميلها نحو قلّة الإنتاج بِحُجّة أنّ الخارج كلّة مغموس بالفساد ، ولكن هل هذه الحالة طبيعية ؟.
في نطاق بعيد عن جغرافيا الإسراء وعقيدته ،تُوصَف الهند بأنّها بلد غارق في محيط من الفساد ، بل وتمتاز بالصنف الأخطر منه وهو الفساد السياسي ، لا شكّ أنّهذا جانب قاتم جدا ، فهل توقّف المِغْزَل الهندي عن كسوة العُراة ، أم هل تخامد ضجيج آلاته العملاقة ؟ .
الهند الآن أكبر مُصدّر للناس على مستوى العالم ، يتراوح نطاق صادراتهاالبشريّة من طيفها الأدنى على شكل عمالة رخيصة جدا، مرورا بالطيف الثاني من العمالة الأرقى مُمثّلة بالراسخين في العلم من القابضين على رأس التقانة والصناعة والاقتصاد ، وصولا إلى الطيف الثالث المحظوظ الذي حَلَّقَتْ طائراته بعيدا عن فضاءات الدول العربية التي لا تزال تعتبر الهندي معيارا للدونيّة ، فاستلم هناك في الغرب أعلى المناصب السياسيّة والعلميّة وأصبح مُتحكّما فيها ، فإلى أي مدى ستذهب الأجيال اللاحقة من أولئك البشر وما هي حدود معراجهم ؟ .
كل ذلك ،ولا يزال ثلث الهنود أمّيّين ، وملايين منهم يحلمون بمترٍ مربّعٍ مسقوف ليقضوا حاجتهم تحته بعد أن ازدحم الخلاء في وجوههم، فيما يقول لي صديقي 'أبو علي'العائد للتوّ من تلك البلاد ، أنّ الماشي على بعض شوارعها قد ينزلق في أيّ لحظة بفعل طبقة متجددة من البصاق البشري تسكن دوما ما بين الأرض والنعال .
أيها الأردنيّون ، قوموا لأعمالكم يرحمكم الله ، فالمدينة الفاضلة لا وجود لها إلا في أذهان الفلاسفة والحالمين والكسالى ، والمتحجّج منّا بالفساد هو شخص قانط ملّ الانتظار لصفقة فساد ترضي طموحه .
يكفي أن نقرأ وطننا في جداول التعليم الدولية فنفرح ، يكفي أنّ شُقمَة من الأرض ما يزال نسيجها قوي رغم أنّها على صفيح دافئ وحولها صفائح ملتهبة متأرجحة ، كما ويكفي حجم الثقة المُشبِع الذي تمنحه لأبنائها فيما هم يتشاركون في منحها كل فرادة وتميّز .