جميل النمري..الأوطان لا تستقيم لمنطق الكيمياء المجردة
نيسان ـ نشر في 2017-04-25 الساعة 16:08
كرّس الزملاء الصحافيون في إقليم الشمال وجودهم على الخارطة النقابية بعد تسليطهم الضوء على المحطات المفصلية من عمر نقابتنا، في محاولة جادة لإعادتها إلى سياقها بعد ان استقرت كثراً على رأس الشجرة.
ندرك أن الشمال خصب بناسه وقيمه كما هو خصب بترابه، في مشهد يعكس رجاحة عقلية لا تنساق إلا لأفكارها وقناعاتها بعيداً عن القنوات والهويات الفرعية التي ابتلعت حضورنا، بعد أن قزّمت الحالة النقابية ومزّقت الصحافيين تبعاً 'للجغرافيا' و'التاريخ'، فيما تبقى العناوين الرئيسية والبرامج والمعايير مركونة على الرفوف بغبارها وغثها وسمينها.
تشعر بالفخر وأنت تسمع حديثاً نقابياً عميقاً، أتى من الشمال متجاوزاً تشوهات المجتمع، وممسكاً بالعناوين الرئيسية، فدغدغ فينا روحا نقابية انشغل الرسمي كثيراً بتخديرها، ثم عمل بصمت على تنميطها، بعد تقليم أظافرها، وفق أسس ومعايير ألبستها العباءة فور تجريدها من رؤيتها وقيمها الوطنية والنقابية.
ما حدث في إربد من طرح نقابي جاد، مستنداً إلى حاجة الزملاء في الهيئة العامة؛ حرك مياهنا الراكدة؛ في مسعى لإيصال الحرارة إلى شرايين نقابية ملّت بقاءها بلا دماء، ما حدث في إربد لا ينفع معه حسد الحاسدين ولا عمل المشعوذين، ولا حتى نطنطة 'طرزان' وأحباله الكثيرة المنسوجة بين الشجر، وعلى رؤوس الجبال بعد أن قال الزملاء كلمتهم ورفضوا إلا أن يكونوا ذاتهم.
إنها الفكرة، وإنه الموقف، وإنه الرأي، وإنه الوضوح، وإنه الحلم الذي نسعى ليلاً نهارا لإخراجه من إطار الفكرة إلى حيز الوجود.
في الحقيقة، لم ينحصر أثر حديث الزملاء في إربد بجغرافيا الشمال، بل امتد حتى تضاريس القلب ونبضه، بعد أن قدم الصحافيون مشهداً وقع في الوجدان الجمعي للصحافيين بلا ضجيج.
ولاننا نحب شمالنا كما نحب جنوبنا ووسطنا نربت على كتف الزملاء في إربد، ونكبر فيهم ضبط إيقاع الحديث، ومنعه من انحرافات جهوية حادة، والعمل بشكل عقلاني لصالح إبقائه على مساره الصحيح، في تحصين لهيئتنا العامة، وتدعيم لبوصلتها.
أخطأ النائب السابق، جميل النمري في استخدامه مفردات لا تخدم سوى عصبوية مناطقية دفعنا فواتير كثيرة قبل أن نخرج من دهاليزها ولا سيما أنه السياسي واليساري والكاتب الذي يدرك جيدا حاجة الطفيلة كما يدرك حاجة الحصن.
نعتب على النمري بقدر محبتنا له، واحترامنا لشخصه، ونتشارك معه حبه للشمال، وكان عليه ان يبقى سياسيا وطنيا بدلا من الانزلاق إلى حواف خطيرة ظهرت في خطابه حين أكد في إحدى جمله على ان 'إربد الأقل جهوية والأعمق في ولائها وانتمائها النزيه للوطن..والشمال الطرف الأقل الذي يأخذ'.
لو خلا حديث النمري من هذه المفردات حتماً سيجد صداه في الأردن على امتداده من الشمال وحتى الجنوب، لكنه خنق فكرته وكبّلها بالجغرافيا، ففقدت بريقها.
إن انتقادي محصور بجزئية يتيمة من حديث النمري وآمل أن لا يؤخذ في غير مساره، ويضعني في سلة خصومه .وقد يكون النمري وهو الصيدلاني في تركيبته الأساسية، والكاتب الصحافي المشهور في تاريخه المهني، قد اعتمد مرجعيته ككيميائي ليفكك الوطن إلى مواد كيميائية حسب النسب المفترضة لكل مادة مكونة له.
الأوطان لا تستقيم لمنطق الكيمياء المجردة يا 'حكيم'.