اتصل بنا
 

(زلزال القلوب) بقلم مجد رشيد سليم عدي

نيسان ـ نشر في 2017-05-01 الساعة 09:12

x
نيسان ـ

أجراس الإنذار تُقرع...

صياح الفتيات وصراخ الفتيان يعلو ويعلو...
نركض نحو المنطقة الآمنة في ساحة باصات الجامعة...
طلابٌ وطالباتٌ ومدرسون وموظفون يبتعدون عن ارتدادت الزلزال المحتملة...
وفي البعيد أخذنا نشاهد مصرع حجارة جامعتنا وهي تسقط واحدة تلو الأخرى...
لفتني غياب تلك الطالبة، لم أعثر على عينيها بين جموع العيون المندهشة والمتعبة، هممتُ بالبحث عنها بين الطلاب هنا وهناك...
أركض وشعري ملتصقٌ بجبهتي إثر تعرّقي، وحبات العرق تختلط بالغبار المنثور على خدي ...
رصيدي من الخوف يزداد كلما أنهيتُ البحث بين مجموعة من الطلاب ولم أعثر على أثر لها، أين أنتِ ؟!
لمحتُ إحدى زميلاتها أخيراً، تلك التي ترافقها في الباص إياباً إلى منزلها، فالعثور على فتاة تتوارى خلف خمارها الأسود أسهل من ملاحظة غيرها
- لو سمحتِ أين وردة ؟!
- من أنتَ ؟!
- أرجوكِ، لا وقت الآن للشرح، هل شاهدتها تصعد إحدى الباصات أم هي هنا بين الطلبة؟
- لا أعرف لا أعرف، حاولتُ الاتصال بها على هاتفها مراراً لكنها لا تجيب .
- أعطيني رقم هاتفها وسأقوم بالبحث عنها، وهذا رقمي، إن التقيتِ بها أخبريني .
عرقلني بعض رجال الأمن الجامعي عن مسيري، لكنّي استطعتُ مغافلتهم والمضيّ في سبيلي .
أقفز فوق الصخور الراكنة على الأرضية لأدخل المبنى الأقرب إليّ وهو المبنى … B
هاتفي المحمول يواصل اتصاله بهاتف وردة، علّ الأخير يُوصل رنينه إليّ ليُسهّل عليّ مهمة الوصول إليها.
الطابق الأول كان خالياً منها و مملوءًا بالحجارة المتبعثرة في الممرات، تواري تحتها عدداً من الطلبة ممّن أعرف و ممن لا أعرف، كان منظراً مقيتاً!
الطابقان الثاني والثالث لم يختلفا كثيرًا عن الأول إلّا ببعض ثغرات كانت في الأرضية تتيحُ للناظر من خلالها الكشف عن الطابق الواقع أسفلها .
أعلنتُ فشلي في المبنى الأول و أسرعت متأملًا إيجادها في المبنى A المجاور.
ما إن تخطيت باب المبنى حتى ولج إلى أذنيّ رنين هاتف محمول، فتبعتُ الصوت أركض لاهثاً .
وجدتُ هاتفاً مرمياً على الأرض يرنّ ويضيء، وبجانبه أعدادٌ من الحجارة البيضاء الكبيرة لا يظهر من تحتها إلّا يد.
كانت يداً رمادية اللون مغبرّة، بالكاد يلمع الخاتم في أحد أصابعها ويسيلُ فوقها خيطٌ من الدماء مُباعدًا ذرات الغبار عن بعضها البعض، كاشفاً في مسيره عن لون يدها الأبيض الزاهي .
جفلتُ وآثرتُ الصمت والسكون، لكأنني متّ أنا الأخر، هل ماتت فعلاً ؟! لا أودّ رؤية آخر وجهٍ لـها خاليًا من ضحكتها، جامداً لا دماء ترتحل في جوفه...
دموعٌ تطرق باب عيني تستأذنُ العبور...
هل أصابعها تتحرك أم إنني أتوهّم ؟!
ركضتُ إليها أجاهد في رفع الحجارة عنها حتى تبيّن القليل من ملامحها، مستلقيةً على بطنها كانت ورأسها يميل إلى جهتي.جلستُ مستسلماً بجانبها ثانياً قدميّ خلفي، بعدما عجزت عن إزاحة باقي الصخور عن جسـدها لثقل وزن الحجارة.
أمسكتُ يدها أبحث عن نبضٍ يُطمئنني _ما أنعم يدها رغم كل شيء_ وجدت النبض الذي أعاد تشغيل قلبي من جديد .
نفضتْ رأسها تسعل الغبار الأبيض متناثرًا عن وجهها، وحاولتِ النهوض لكنها عجزت؛ فهدأت ثانيةً وسألتني ببرود: أحيةٌ أنا أم ميتة ؟!
شددْتُ يدي على يدها بقوة لأشعرها أنّها لازالت حيّة تُرزق، وأنا أبكي دموع الفرح وجسدي يزغرد
_ حيّةٌ أنتِ، حيّة الحمد لله.
_ لا أشعر بقدميّ
_ لا تخافي لابدّ أنهما تخدرتا تحت الصخور، بسبب عدم وصول الدم إليهما.
آمل ذلك ...
_ هل أتيتَ من أجلي ؟!
- بالطبع، محالٌ أن أخرج من الجامعة دون أن أراكِ وأطمئن عليكِ .
عدتُ من جديد أحاول زحزحة الحجارة عن قدميها، مراقباً إيّاها تُعلن على وجهها ابتسامة خجولة .
لو استطعتُ وصف تلك الابتسامة لكَ عزيزي القارئ، إنها كـ .. كـ.. لا أدري ليس لها تشبيه .
***************************
- عزيزي القارئ ؟! أتقول عزيزي القارئ في نص الرواية ؟
- نعم، أشركه في أحاسيسي .
- عليكَ دعوته إلى خضّم الإحساس بطريقة خفيّة لا صريحة كهذه، ثم إن روايتك ضعيفة، ومستهلكة جدًّا، ولا تصلح للنشر .
- لكن، لكن أرجوك اقرأها حتى النهاية فكلها أفكارٌ من مخيلتي أنا .
- يا بُنيّ، المكتوب واضحٌ من عنوانه، لا ضرورة لقراءتها كاملةً، ثم إنّني أعرف ما سيجري لاحقًا، سوف ينقذها حبيبها من تحت الحجارة، ويحملها إلى الخارج حيث الأطباء أو الإسعاف و نحو ذلك، ثم يعيشان في حب وهناء وربما يتزوجان، هذا ما قصدته بالأفكار القديمة المستهلكة، لكأنني أشاهد فيلمًا هنديًّا ينقذ فيه البطل الخارق حبيبته من بين الأشرار.
- ولكن معظم الروايات هذه الأيام تدور في هذا المحور .
- بالضبط ! باتت كثيرة وهذا ليس دليلاً على أن كل رواية في هذه الأيام تُقرأ، وهناك ناشرون غيري ينشرون أي كلام، ولا يهتمون بالجودة.
- وما الحل الآن ؟
- اسمعني جيدًا، أنت تمتلك مخزونًا لغويًّا جيّدًا، ولكنك تحتاج إلى صقلٍ للأفكار، استمر في قراءة الروايات ففيها مستودعٌ وفيرٌ من الأفكار، هل قرأت لدوستوفيسكي ؟ ها ! باولو كويلو، تولستوي، ماركيز؟! ... إليكَ نصيحتي يا بُني، الحبّ لا يحتاج إلى إثارة الزلازل كي نعبّر عنه ونظهره، الحبّ يُشعل الزلازل في القلوب.

نيسان ـ نشر في 2017-05-01 الساعة 09:12

الكلمات الأكثر بحثاً