اتصل بنا
 

كربلاء واخواتها 4 - 4 .. الوجه الآخر

كاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2017-05-01 الساعة 09:15

نيسان ـ

طوال ثلاثة اجزاء سابقة من هذا المقال ، كانت تتردد عبارة الروضتان الحسينيه والعباسيه ، حيث ارتبطت بهما الكثير من مشاهد الثورة وكانتا المحور الذي تدور حوله فصول الرواية الكربلائية ، فسماعات مناراتها الاربع استخدمت كاذاعة للثورة ، منها بثت بياناتها ومنها حثت الثوار على المقاومة والصمود ، وفي قاعاتها تم نصب المشانق لاعضاء ومسؤولي حزب البعث والعديد من ضباط وجنود الجيش والمسؤولين الحكوميين في المدينة ، ثم وبعد القضاء على الثورة كانت الروضتان ملجأً وملاذا للاهالي من نساء واطفال وشيوخ ، مدفوعين بقناعة مفادها ان الالتجاء الى المراقد المقدسه سيجعلهم في مأمن من القتل ، فما هي قصة الروضتين ؟
الروضة الحسينية هي مرقد الحسين بن علي بن ابي طالب ، له منارتان وقبه مذهبه ، تتميز بضريحها الكبير واواوينها الواسعة ، تضم الروضة كذلك قبور ابناء واخوة وابناء عمومة الحسين الذين استشهدوا معه في معركة كربلاء ، وعلى بعد 100 متر من مرقد الحسين هناك الروضة العباسيه وهي مرقد اخيه العباس بن علي بن ابي طالب . وتتألف الروضتان من 500 غرفة وقاعة وايوان ومقابر لشخصيات عامه.
يقول المؤلف ان العتبات المقدسة في كربلاء تستقبل زوارا من شتى بقاع العالم ، ملوكا واباطرة وامراء ورؤساء جمهوريات وشيوخا خليجيين ، يصلون حاملين آلاف التحف من الذهب والفضة والجواهر والسجاد الثمين المطرز بخيوط الذهب ، وسنأتي لاحقا على ذكر الاضرار التي لحقت بتلك المراقد اثناء وبعد اخماد الثوره .
في الجزء الثالث ، كانت حكاية صاحبنا قد توقفت عندما خرج من معسكر الرضوانيه في بغداد وبيده ورقة موقعة من صدام كامل تفيد بان حاملها لم يشارك في صفحة الغدر والخيانه . عاد الى كربلاء ليكمل رواية فصول المأساة فيقول : احتل الحرس الجمهوري كربلاء واقتحمت قواته الروضتين مدعمة بالدبابات والطائرات العموديه ، تم انزال العلمين الاخضرين من فوق القبتين المذهبتين ورفع مكانهما علمان للجمهورية العراقية وصورة كبيرة للرئيس صدام.
وابتداءا من 16/3/1991 تاريخ استكمال احتلال المدينة وحتى 21/3/1991 تاريخ ارجاعها محافظة وتعيين اللواء عبد الخالق عبد العزيز محافظا لها ، استبيحت المدينة اسبوعا ، ووضعت تحت الاحكام العرفيه ، وانيطت ادارتها بالاجهزة الامنية التي اعطيت لها صلاحيات واسعة بالقاء القبض والتعذيب والاعدام والتفتيش والترحيل القسري والنهب والسلب والتهديم ، استحوذوا على ممتلكات الروضتين ، بيعت ثريات الكرستال والسجاد الفاخر والمعدات الكهربائية في تكريت والفلوجه والرمادي والموصل .
موقع الروضتين كان هدفا سهلا ومكشوفا لطائرات الحرس الجمهوري ، فاوض الثوار 'حسين كامل ' لإخراج المدنيين من الروضتين لكنه رفض، طلب منهم الاستسلام بلا قيد او شرط ، استمر القصف والحصار عدة ايام وتضررت المراقد والقباب الذهبيه بشكل كبير ، اما من كانوا بداخلها من العائلات فقد سرت معلومات مؤكده مصدرها بعض الحزبيين بأن كل روضه اخرجوا منها ثلاثة آلاف جثه لنساء واطفال وشيوخ .
حسين وحسين !
اقتحمت وحدات الحرس الجمهوري الضريحين بالدبابات ، ودخل حسين كامل الروضة الحسينية وبيده مسدس ، قفز من فوق آلاف الجثث وصل الى ضريح الحسين وافرغ مسدسه باتجاه الضريح وقال قولته المشهوره التي حفظها كل العراقيين :
( انا حسين وانت حسين ،، منو هسه اللي ما يسوه فلسين) .

المحافظ السابق لكربلاء غازي محمد علي الديراوي الذي توقع الجميع اعدامه من قبل السلطات بعد فراره عقب الثورة ،عاد الى كربلاء بصفته الحاكم العسكري لها ، واول ما قام به هو استدعاء جميع موظفي الدولة في المحافظة الى فندق كربلاء السياحي ، وقبل ان يعيدهم الى وظائفهم القى فيهم خطبة عصماء ارتعدت لها فرائصهم ، قال انه سيعاقب البريء بالمذنب والظاعن بالمقيم والقاعد بالقائم .
تعاون الديراوي مع الاجهزة الخاصة تعاونا شرسا ، سيق الآلاف الى الفندق وعذبوا واعدموا ودفنوا بلا علم ذويهم ، واصبح فندق كربلاء السياحي المعلم الحضاري الذي استقبل الملوك ورؤساء الجمهوريات والامراء وكبار الزوار ، اصبح رمزا للتعذيب .
واخيرا نطقت الاذاعة الحكومية الخرساء ، فتحلق الناس حول اجهزة الراديو للاستماع الى خطاب الرئيس صدام حول الحوادث التي وقعت منذ انسحاب الجيش من الكويت وسقوط المدن ومحاصرة الحرس الجمهوري لها ، وكان من ابرز ما جاء في الخطاب قرار تعيين علي حسن المجيد وزيرا للداخلية . ولم تمنع الاوضاع المأساوية التي وصلت اليها غالبية المدن العراقية المنكوبة من نشر اخبار تنظيم الاحتفالات بعيد ميلاد ( القائد) .
لم تنته مأساة كربلاء عند هذا الحد ، فقد بدأت عمليات الهدم في المدينة ، هدم العمارات والاسواق والمنازل ومؤسسات عديدة ، كانت الاوامر تقضي بـ ( كل جدار ، كل باب ، كل سطح ، كل شارع ، كل شرفه انطلقت منها رصاصة نحونا ، امسحوها بالارض) .
دخلت آليات وحفارات يملكها (آل خريبط) الى المدينه ، وهؤلاء عائلة ثرية جدا منهم مقاولون وتجار واصحاب عقارات واسطول نقل ضخم ، اعطيت لهم مقاولة غريبة من نوعها ، تهديم جوامع كربلاء وحسينياتها وقطع بساتينها . كان الحرس الجمهوري يهدم وسط المدينة وآل خريبط كانوا يهدمون الجوامع والحسينيات ، ثم سأل صدام رجاله : ما اجمل معالم كربلاء ؟ أجابوه : بساتينها ، قال لهم : اذن اقطعوها .
كان الكربلائيون يشعرون بالفخر وهم يتجولون في اسواق خضار العاصمة بغداد ، يسمعون الباعة يروجون لفواكههم ويهتفون : تفاح كربلاء ، بطيخ كربلاء ، برتقال كربلاء ، مشمش كربلاء . جاء الرئيس عبد الكريم قاسم وسمع هتافاتهم ، فقرر انشاء اكبر مصنع للفواكه المعلبة في الشرق الاوسط بمساعدة حلفائه الروس .
يروي المؤلف حكاية احد اثرياء المدينة العصاميين ويدعى محمد علي سعدون الهر ، وكيف استطاع ان يصبح من اصحاب الاملاك وكانت بساتينه هي كل حياته بها بنى دارا فخمه واسس حقل دواجن ومنحلا ، وحفر فيها آبارا وجداول ، وعندما وصلت عملية قطع البساتين الى جيرانه جن جنونه ، بعث بالعديد من الرسائل الى ديوان الرئاسه ومجلس الوزراء ووزارة الزراعه والى سعدون حمادي ابن مدينة كربلاء ، مذكرا بما قدمه للدولة من تبرعات بمئات الآلاف من الدنانير للقادسيه وانه لم يشترك في اعمال الغوغاء والخيانه ، مناشدا اياهم بان لا يقطعوا بستانه .
وعندما دخلت معدات آل خريبط الى بستانه وقف عند احدى نخلات بستانه صائحا فيهم : انا والنخله . وصدرت الاوامر اليهم بقطعه مع بستانه ، وانشطر محمد علي الهر الى نصفين ، نصف تدحرج مع النخلة ونصفه الآخر وقع في ساقية قريبة ليكون عبرة لبقية اصحاب البساتين .
أربعة وثلاثون من كبار السن قضوا بالسكتة القلبية او بجلطات المخ ، بعد قطع بساتينهم ، اخذ بعضهم يغرق بستانه بالماء معطلا عمل آلات القطع لكن ذلك لم يمنع التقطيع بهمة عاليه مئات البساتين بل الآلاف تمت ازالتها .
استلم سعدون حمادي رئاسة الوزراء فذهب الكربلائيون يتوسلون اليه ، اقترح عليهم تشكيل وفد من وجهاء المدينة لمقابلة صدام حسين ، رفض الاخير طلبهم مقابلته لثلاث مرات وفي المرة الرابعه جاءت الموافقة ، دخلوا عليه وكاميرات التلفزيون تصور اللقاء ، اعتذروا عما بدر من ابنائهم ، وحصلوا منه على وعد بايقاف التهديم وقطع البساتين ، ولاحقا اصدر امرا بتعويض اصحاب البساتين المقطوعة بـ (100) دينار عن كل نخله و (50) دينارا عن كل شجره .
وصلت تعليمات جديدة الى آل خريبط بالابقاء على الضريحين فقط وتهديم الابنية المقدسة الاخرى وتحويلها الى دورات مياه . وتحت ضغط من علماء الهند والباكستان الشيعه تقرر ترميم العتبات المقدسة وصيانتها بسرعة فائقة وبصورة رديئة .
يختتم المؤلف عباس ناظم كتابه بمقولة لعجائز العراق اللاتي كن يرددن ان هذا الزمان – زمان الطاغية- هو الزمان الذي سيستمر الى المرحلة التي اذا رميت ( برتقالة ) من الموصل ستظل تتدحرج بلا عوائق حتى تصل جنوبا الى البصرة ، لا زرع ولا ضرع ولا حرث ولا نسل ولا بناء ولا حضاره .

محاولة للفهم : -
لكي نفهم محتوى كتاب من هذا النوع يجب ان نحيط بالظروف التي تم فيها كتابته ، ظروف الكاتب الخاصة وسمات الحقبة الزمنية التي صدر فيها الكتاب ، ذكرنا في الجزء الاول ان الكتاب تمت طباعته في العام 1997، كان الحصار الاقتصادي الخانق على العراق قد آتى اكله ، فبدأ الناس يتململون وطرأ تغير كبير على ملامح الشخصية العامه العراقية بسبب الجوع والفقر ، وكانت ثمة حملة اعلاميه دوليه لشيطنة صدام حسين ونظامه . لا اقول هذا لكي ابرر ما جرى من قبل النظام فهذا ليس هدفي ، ولا اقصد ابدا التقليل من حجم المأساة التي وقعت في كربلاء وسواها من المدن او الاساءة الى ارواح من سقطوا من كلا الجانبين ، وانما هي محاولة لتقليب الوجوه العديدة للحقيقة ، والنظر الى المشهد من زوايا مختلفه .
المؤلف وان كان ابن كربلاء ومن عشائرها الاصيله الا ان ذلك لم يمنعه من انتقاد الكثير من مجريات الثورة وذكر كل ما وصل اليه او شاهده او عايشه من يومياتها، وكنت افضل عدم صبغ الثورة بطابع شيعي ، فحكاية كربلاء لا تختلف عن حكايات اخواتها المدن العراقية الاخرى الثائرة احتجاجا على تغييب الشعب عن مجريات الامور واقصاءه عن المشاركة الفعليه في صنع القرار السياسي .
جرأة الكاتب واستخدامه مساحة الحرية المتاحة له في التحدث بصراحة عن مثالب الثورة قبل مناقبها ، اوغرت صدور بعض من كانوا يسمون انفسهم بالمعارضة العراقية في الخارج فكتبت بعض وسائل الاعلام المتصلة بها ردودا على ما جاء في الكتاب ، احدهم كتب بعنوان ( تاريخ الانتفاضة بيد كل من هب ودب) قال فيه : ' اذا كان الامر يتعلق بتوثيق احداث تاريخية فليس من حق كل احد ان يخوض فيها إلا من خلال احداثها الواقعية واصحابها الذين صنعوها' .
وهنا اتساءل أليس من حق الكاتب الصحفي ان يوثق حدثا تاريخيا شاهده بعيني رأسه وعايشه ، وذاق مرارة وقائعه ؟ هو لم يشارك في احداث الثورة ، ليس لانه لا يريد ذلك بل لان طبيعة المراقب والراصد في نفسه جعلته يحجم عن الخوض في تلك الثورة لمعرفته المسبقة بانها تحمل بذور الفشل في داخلها .
للكاتب ميزة نفسية فريدة ، فهو سبق وتنبأ بالغزو العراقي للكويت في روايته' العذراء والجمر' وأظنه اخفى في هذا الكتاب الذي بين ايدينا نبوءة اخرى من نبوءاته او ارهاصاته لقادم الايام ، فيقول في صفحه 87 ( هذا هو موعدهم مع الحرية تختص الكربلائيين ، يلطمون ، يبكون ، يضحكون ، يتنفسون ، ينهبون ، يحرقون ، يقتلون ، يُقتلون ) .
اليوم وبعد مرور اربعة عشر عاما على انتهاء حكم البعث ورحيل صدام حسين هل تحقق شيء مما كان يرجوه الثوار ، الهتافات التي كانوا يرددونها عقب الثوره ( لا تقرير بعد اليوم ، لا ظلم بعد اليوم ، لا طاغية بعد اليوم) . هل اصبحت هذه الهتافات واقعا معاشا ، هل حقا اختفى الظلم والتجبر والفقر والوشايه، والطائفيه ، وعَم الرخاء والعدالة وتكافؤ الفرص؟

هل كان صدام حسين وحشا متعطشا للدماء مريضا نفسيا كما تم تصويره في الكتاب ؟ لنقرأ عن تجربة صدام حسين مع عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي ، وكيف كان صدام يهتم لسماع آرائه حتى وان كانت مخالفة لطريقته في معالجته لبعض الامور وخاصة في تعامل قواته مع ثورات المدن العراقية عقب الانسحاب العشوائي من الكويت .
في مقالة منشورة بوكالة الحدث الدولية يقول الصحفي سلام الشماع الذي ربطته علاقة صداقة بالدكتور الوردي وألف الكتب عن حياته : (أشيع، بعد احتلال العراق في العام 2003 أن نظام الرئيس الراحل صدام حسين اعتقل عالم الاجتماع الأبرز الدكتور علي الوردي وحبسه، وروج لمثل هذا كثيرون، من بينهم من تسبق اسمه صفة “برفيسور” أو “دكتور” أو “باحث”، ومثل هؤلاء يجب أن يقدموا لنا إثباتات على ادعاءاتهم، وهم يشيعون أن ذلك النظام، وبأمر من الرجل الأول فيه، ضيّق على الدكتور الوردي وضايقه ومنعه من الكتابة ومنع طبع كتبه، وهي ادعاءات لم ترد حتى على لسان الوردي نفسه.
أما التهميش والإفقار، فلم يحصلا أبدا وحتى في أيام الحصار كان الوردي في قائمة المفكرين والكتاب الذين يتسلمون أعلى الرواتب الشهرية المستحدثة لمعاونة المثقفين على مجابهة الظروف الاقتصادية التي خلفها الحصار ، إن الدولة العراقية أيام الرئيس الراحل كانت تهاب الوردي وتحترمه، ولم تكن تتحرش به، بل أستطيع القول إن الوردي هو من كان يتحرّش بها، والدليل على ذلك محاضرته الصاعقة في منتدى أمانة العاصمة، بعد أحداث الربع الأول من العام 1991، والتي أصابت محبيّه بالرعب وأطلقوا عليها اسم (قنبلة الوردي الانتحارية)
كنت حاضرا في القاعة التي شهدت الوردي وهو يلقي تلك المحاضرة، والتي أمّها عدد كبير من المثقفين العراقيين، حتى أني مازلت أذكر أن منتدى أمانة بغداد كان يعقد جلساته، عادة، في قاعة تقع في الطابق الثاني من بناية المتحف البغدادي، ولكن القاعة ضاقت بالحاضرين الذين وقفوا على السلالم، بل حتى ملأوا الشوارع المجاورة فأوعز أمين بغداد، يومها، الراحل خالد عبدالمنعم، لرشيد الجنابي بنقل المحاضر والمحاضرين بحافلات كبيرة إلى القاعة الكبرى في مبنى أمانة بغداد والتي ضاقت هي الأخرى بالحاضرين على الرغم من اتساعها.
الحكومة العراقية كانت تهاب الوردي وتحترمه، وهو من كان يشاكسها
كانت أهمية تلك المحاضرة تكمن في تزامنها مع حدث مهم في تلك الأيام، هو انتهاء حرب الخليج الثانية وما أعقبها من أحداث في محافظات العراق، سميت، في حينها، أحداث الغدر والخيانة، والغوغاء، ويسميها الذين كانوا يعارضون السلطة “الانتفاضة الشعبانية”، إذ عدّ بعضهم حوادث السلب والنهب والعنف تأكيدا لنظريات الوردي وتحليلاته حول تأثير البداوة في شخصية الفرد العراقي . في تلك المحاضرة أعلن الوردي بنحو هادئ غضبه على الطريقة التي تعاملت بها الدولة مع ما سمي وقتها بـ”الغوغاء” أو “صفحة الغدر والخيانة”، ومن الطريف الذي يجدر ذكره هنا هو أن أمين بغداد تقدم إلى المنصة ووضع جهاز تسجيل أمام الوردي، وعندما سأله الوردي عن سبب تسجيل المحاضرة قال له أمين بغداد: إن السيّد الرئيس (صدام حسين) يريد الاستماع إليها، وتمنعه من الحضور إلى المحاضرة الظروف الراهنة للبلاد .
إن الوردي، عندما تلقى هذه المعلومة من أمين بغداد، بدأ بتوجيه انتقادات حادّة وصريحة ليسمعها الرئيس صدام حسين، وقال في ما قال “نحن لسنا فئران تجارب لتدخلونا كل يوم في تجربة جديدة، فما معنى أن تستحدثوا مثلا شرطة أخلاق، بالله عليكم هل لدى الشرطة أخلاق أصلا؟ فإذا كنتم قد ضللتم الطريق فتعالوا إلينا لندلكم على الطريق الصحيح لحكم الشعب”.
ثم قال الوردي بالحرف “لا تليق بهذا الشعب الـ(…) إلاّ مـثل هـذه الحكومة الـ(…)”. وكانت الأوصاف قاسية جدا وشديدة الجرأة. وعندما رأى علامات الغضب على وجه أمين بغداد، قال الوردي مبرّرا “هذا ليس قولي.. إنما هو قول النبي محمد، الذي يقول: “كيفما تكونوا يولّ عليكم ، ولم تحصل أي تبعات على انتقادات الوردي الحادة للنظام والدولة، ولم تمنع مقالات الوردي التي كنت آخذها منه لأنشرها في جريدة الجمهورية وهي الناطقة باسم الحكومة العراقية ، نعم، ربما لم يكن الرئيس الراحل صدام حسين يرتاح لأقوال الوردي وكتاباته وكتبه لاختلاف توجهاتهما ومنطلقاتهما الذهنية والفكرية، وهذا هو رأي الشاعر حميد سعيد، أيضا، الذي قال لي “إن ما كان لا يرتاح إليه الرئيس الراحل من طروحات الوردي هو موضوع البداوة والحضارة، وهذا طبيعي جدا، لكنه كان يحرص على ألا يبدي أي مظهر من مظاهر عدم الارتياح علنا ، وامام الآخرين )
هذه الشهادة التاريخية من قبل الصحفي سلام الشماع تبين لنا ان صدام كان يحرص على الاستماع لآراء من يتوسم فيهم الاخلاص في القول والعمل امثال الدكتور الوردي .
ويحق لنا جميعا ان نتساءل لماذا لم يتعافى العراق بعد رحيل صدام وكل رموز البعث ؟ لماذا تمزقه الصراعات الطائفية والمذهبية ؟ لماذا تنهب ثرواته ؟ وتسرق آثاره وتختطف هويته الحضاريه وترتهن ارادته ، اسئلة بات العراقيون يعرفون اجاباتها بكل وضوح ، ويعرفون جيدا الى اين وصلت البرتقالة المتدحرجة من الموصل .

نيسان ـ نشر في 2017-05-01 الساعة 09:15

الكلمات الأكثر بحثاً