كتب علي عبيدات..خشمُ مَنْ سندُق؟
نيسان ـ الصورة بعدسة محمد القرالة ـ نشر في 2017-05-07 الساعة 15:32
دائمًا تفوزُ البلد، تفوزُ الأردن وتنجو من هذر بعض أبنائها المرضى بالشوفانية وكذلك تبقى ويزولُ الآكلُ من خبزها والناكرُ لجميلها. الأردن عروسٌ بِكرٌ تحومُ الشائعاتُ حولها ونحن أمها التي تفهم أسرار ابنتها؛ وتعرفُ أن أحمق الحيّ راودها عن نفسها فصدته وانطلق بعدها بفمٍ مليءٍ بالإشاعات... والحرةُ حُرَة.
الأردن التي تجاوزت مهباش بطولة الأجداد الذين بطحوا الناقة واصطادوا الضباع وقتلوا رجلًا راشدًا كان من الممكنِ أنْ يصبحَ شاعرًا! قتلوه لأن حماره مرّ أمام بيت الشيخ دون أن يرمي التحية، وكذلك لأنه 'طلَّ' على ابنة الشيخ الجميلة 'طلةٍ ما هي بزينة'! وأجمل ما في البلد أن حفيدة هذا الشيخ تدرس اليوم الإعلام الرقمي وتوثق في سيرتها المهنية الكثير من دورات التصوير والمونتاج وتضع العطر الفرنسي بعد رحيل الدوّاج عن مضارب عشيرتها التي باعها الأحفاد ليدرسوا في أوكرانيا.
الأردن التي يلخصها مرضى الشوفانية بـ 'دق خشوم' و 'كراسي البلد' و غيرها من الأغنيات السمجة، تخلصت من عبادة الربابة ووصف بنادق الأفراح ورجالات الجيش المتقاعدين والتفاخر الأعمى بالقبيلة والاحتفاء المُبتذل بالشرق أردني ولو كان هشًا، والاحتفاء هذا نكايةً برأس المال الغرب أردني الذي يتحكم بأبنائهم ويتحمل الكثير من جوع البلاد وإقطاع الأنظمة. هذا السجال المسكين أهون من تعايش الاثنيات والأقليات والطوائف التي تعيش معًا في كل دول العالم دون 'دق حشوم'.
الأردن لا تعرف دق الخشوم، ذلكَ أنَّ الحرب قليلة والاستنفار أقل والعدوانية غائبة، فالرجل الذي رخصَ مركبته 'الكيا سيفيا' ودفع مخالفةً مخففةً لأن رقيب السير من بني حسن وهو عبادي لا يفكر بـ 'دق خشوم' أبناء خالته الرماثنة أو زوج عمته الطفيلي، والأردنُ يا سادة قريةٌ صغيرةٌ في آخر أرياف القلب، وهي الوشمُ البدوي على حنك 'فضية' التي تنتظر ابن عمها العجرمي ريثما ينهي تدريبه في الجيش ويوزع على كتيبةٍ عسكريةٍ قريبةٍ من 'المشقر' بعد أن يتوسط له جاره العدواني، والعدواني كما نعرف في 'مجلى' واحد مع العجرمي، وهذا عهد قديم منذ صايل وماجد. المهم هنا: خشمُ من دقَ صايل؟ وهل دقَ ماجد خشومًا أخرى؟!
في الأردن وفي جيبوتي وفي نيبال وحتى نيجيريا، ثمة صغار يفسدون علاقات الناس، والصغار هنا بين فاشل ومنبوذ وضعيف يحاول الاعتزاز بشيء لم يصنعه، بطولة عشيرته الغائب مثًلا أو سطوة جد جده التي استبدلناها بهيبة المتصرف ووزارة الداخلية، وهؤلاء الصغار 'دقاقين لخشوم' لا يعرفون شيئًأ عن العهد الأردني الكبير الذي جاء في دستوره 'كُلنا اولاد اقريه' و'كل القرية تأكل من البقرة التي سقطت وتداركها الشباب بالذبح' عهدٌ مليءٌ بحقن الدم والفدائيين والعمل في حواكير فلسطين وجمع التبرعات لنجدة الثوار النائمين في بيوتنا ريثما تبدأ المعركة في الداخل..
عهدنا غصنٌ من شجرة الحنيطي في البلقاء، وفرعٌ من شجرة القينوسي في الكورة، وبين شجرتين تنامُ أحلامُ الرجالِ بعروس لها عيون البقر وبِحَبْلٍ بعد عُقْمٍ طويل، شجرتان خفيفتان في الوهم كبيرتان في الحلم وتتطاير عليهما أمنيات الجدّات بأن يكون هذا الوطن هادئًا مثل طفل شبع من ثدي أمه وارخى ساقه اليمنى ليمضغ سبابته وينام.
الأردن تريدُ أن يدقَ الشاب التائه في أمجاد عشيرته خشمَ ابن عمه الفاسد وأن لا يستخدم هاتفه النقال ليتعين مترجمًا بمعية عشيرته رغم أنه لم ينجح في الثانوية العامة، وأن لا يضرب ابن عمه (باعتباره يعبد العشيرة) لأنه من فخذٍ مختلف ولا يحق له الترشح للانتخابات بسبب تواضع فخذه، وأن يحاول النجاح وإعمار المشهد الاقتصادي بعد أن سرقه الهوامير، لا أن يكره أهل الهوامير لأنه عاجز عن حيتانهم.
الأردنيُّ لا يحب الموت والكراهية والمذّلة والبؤس الأمني، ولا يحترم الفاسدين لأسباب قبلية، الأردنيُّ لا يكبرُ على خازوق، فهو يسعى لدفع إيجار بيته واقتناء مركبته ودفع أقساط أبنائه ويؤمن تمامًا أنه لا يقدر على دق أيّ خشم، فدقُ الخشومِ يشبهُ العفن المنتشر حولَ بئر الماء، عفنٌ يسخرُ منه 'الكولر' الذي يقدم لك الماء ساخنًا وباردًا! ودق الخشوم كذبة الضعيف وادعاء الناقص، ناقصٌ لا يقوى على قول رأيه ويدعي أنه يملك كسارة الخشوم.


