عن العراق العظيم أتحدث
أسعد العزوني
كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية
نيسان ـ نشر في 2017-05-10 الساعة 11:04
كتب على العراق أن يكون متميزا وقاسيا في خطابه القومي ،وأن تكون خاصرته مرتعا لسهام الغدر العربية ، حتى أن نظام حافظ'...' تحالف مع إيران ضده في الحرب العراقية –الإيرانية التي تم توريطه فيها ،وتمنينا لو لم تحدث ،كما أنه كان مكروها حضوره في القمم العربية ،وهذا ما جعل البعض يطالب واشنطن بتخليصهم من 'المجنون'.
لم تكن بغداد العروبة 'تتبغدد'بما من الله على العراق من نعم كثيرة ،بل كان خيرها يعم البلاد والعباد ، وجيشها كان منذورا للجميع ،وما تزال قبور العراقيين في جنين رغم عمالة نوري السعيد للإنجليز ودوره المخزي في إحباط إضراب عام 1936 في فلسطين عندما قال لهم أن صديقتنا العظمى بريطانيا ستحل المشكلة'،وما أزال اتذكر كيف تحرك الجيش العراقي برمته إبان العدوان الإسرائيلي على سوريا في شهر تشرين 1973 ،ورغم أن احدا لم يبلغ القيادة بالأمر إلا انها أمرت بتحريك كافة القطعات العسكرية فورا وللمرة الأولى تسير المدرعات 'حافية'على الشارع بسبب عدم وجود ناقلات مدرعات كفاية ، وكان ذلك أمام عيني بنفس يوم الحرب .
كانت العلاقات العراقية –السورية متوترة ولذلك رفض نظام الغدر في دمشق إدخال الجيش العراقي إلى الأراضي السورية ،إلا بعد مجيء وفد سوفييتي من موسكو وتعهد بإنسحاب العراقيين فور وقف إطلاق النار ،ومع ذلك رفض النظام السوري دخول العراقيين وهم يحملون أسلحتهم وأخبرهم انه سيسلمهم الأسلحة في أرض المعركة وقد وافق العراق العظيم المتعطش للتحرير غلى ذلك، وفي أرض المعركة إستبسل العراقيون الأشاوس وحرروا ما كان محتلا وكانوا يسلمون ما يحررونه إلى السوريين الذين كانوا بدورهم يسلمونه للإسرائيليين ، وكان الإسرائيليون يطلقون الرصاص من الخلف على العراقيين.
وقبلها حاول الجيش العراقي المساعدة في حرب حزيران 1967 لكنه لم يتمكن لأنه ضرب في الطريق ، وعموما سجل العراق بصماته القومية نافرة في سجلات التاريخ في حين سجل التاريخ المخازي للآخرين.
كانت أمريكا تخطط لإحتواء مزدوج يضم العراق وإيران معا لكنها فشلت فقررت إشعال النيران بين البلدين بعد إزاحة الشاه المقبور ، وأوعزت لعملائها توريط العراق ونجحوا في ذلك ،وبدلا من إستمرار الحرب مع إيران أسبوعا إستمرت ثماني سنوات وأكلت الأخضر قبل اليابس .
في الأيام الأولى للحرب العراقية –الإيرانية عقد وزير خارجية امريكا الثعلب الماكر 'العزيز'هنري كيسنجر الذي تمتع برقص سهير زكي بعد مسرحية حرب 1973،عقد مؤتمرا صحفيا في مدينة فراكفورت الألمانية، وعندما سأله صحفي ألماني عن رأي واشنطن في الحرب الدائرة في الخليج بين العراق وإيران ،أجابه بلا إكتراث ' فخار يكسر بعضه'،لكنه رفع رأسه فجأة وقال بتركيز'ولكن عليك ان تعلم بأن حكومة بلادي سوف تتولى أمر الرابح في هذه الحرب'؟؟؟
وهذا بنظري هو سبب إنهاء الحرب بإنتصار العراق على إيران لسهولة الإنقضاض عليه ،لأنهم يخافون من الإيرانيين 'الفرس'الذين يتحدون بوجه العدو الخارجي عكس العرب الذين يطلبون من الآخر أن يهاجمهم .
بعد إنتهاء الحرب العراقية – الإيرانية العسكرية جاء دور الحروب الأخرى المجتمعة التي شنوها على العراق ،وفي مقدمتها حرب الحصار الغاشم الذي اوصل العراق إلى حرمانه من الخبز والدواء ،وقد رأيت بأم عيني خلال زياراتي الإعلامية للمستشفيات العراقية أن الأطفال يموتون إما بين يدي الأطباء لعدم وجود أدوية وأجهزة فحص حديثة ، أو على صدور أمهاتهم لإنعدام الحليب في أثدائهن بسبب الجوع والمرض والفقر والخوف.
أحد عشر عاما والعراق يقبع تحت الحصار والعرب لاهون بأفراحهم لقرب تخلصهم من العراق ،وقد قبل العراق بفرق التفتيش الدولية وليته لم يقبل ،لأنهم زرعوا له الجراد والجراثيم تحت الأرض وحفظوا خارطته عن ظهر قلب حتى قصور الرئاسة.
كان يمكن أن تحل الأمور مع الكويت بدون تدخل عسكري عراقي أفضى إلى تدخل عسكري عالمي قادته امريكا ضد العراق في الكويت ،وبعدها طال العراق في عقر داره .
هناك من أوعز للقيادة الكويتية أن ترفض منح بغدا عشرة مليارات دولار ،وقد أعلن حكيم العرب وشيخ كرمهم الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أنه سيدفع المبلغ للعراق حقنا للدماء ،لكن رسالة وصلته تقول أن 'القضية أكبر منك فتنح عن الأمر '، وبعد ذلك تحرك الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للتهدئة ولم يتمكن ،وتبعه الراحل الملك حسين لكنه فشل أيضا رغم براعته الدبلوماسية.
كان ما حدث في الثاني من آب 1990 ضربة مزدوجة لكل من الكويت التي 'تمادت 'في البروز الدولي،والعراق الذي يشكل أصلا هدفا لأمريكا المدفوعة من قبل مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيوينة 'يهود اليوم ليسوا يهودا' ، وبضغط من مراكز الضغط اليهودي في واشنطن واهمها مركز الإيباك وما أعنيه أن هناك طرفا ثالثا أراد 'تأديب 'الكويت أيضا .
في آخر زيارة إعلامية لي إلى بغداد قبيل الغزو الدولي المدعوم عربيا ،وجدت أن 'الديكتاتورية'العراقية نجحت في إعادة الأمن والأمان إلى هذه المدينة ،بدليل أن أهلها عادوا إلى سيرتهم الأولى ونزلوا إلى الشوارع عصرا لتناول 'البوظة'أو 'الموطة كما يسمونها ، بمعنى أن الأمن كان مستتبا وأن العراقيين تجاوزوا المحنة وبدأوا مرحلة البناء.
كان الإدعاء الأمريكي أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وان نظامه ديكتاتوري ،ولم يقولوا علانية أنه الوحيد الذي تجرأ وأطلق صواريخه ضد مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية ،ولذلك كانت سهولة الحملة الددولية على إسرائيل ،والغريب أن وزير الحرب/الخارجية الأمريكيةكولن باول عاد وإعترف بأن الفبركات كانت بالجملة ضد النظام العراقي ،ولكن بعد خراب البصرة كما يقول المثل.
هناك أخطاء وقعت في ترتيبات الإستعدادات للمواجهة والصمود ،وتم تهميش كبار الضباط العراقيين ولا أحد ينكر ذلك ،كما أن هناك خيانات قادها رئيس الحرس الجمهوري الخاص الذي وشى بأسرار أسوار'خنادق'بغداد السبعة التي كانت معدة لتكون محرقة الغزاة بما يحملون من أسلحة ،ولا ننسى معركة بلدة أمقصر العراقية التي إستمرت لأسبوعين وهي قرية حدودية صغيرة أبدت فيها القوات العراقية أشد انواع البطولة وكذلك مطار بغداد .
عموما جرى ما جرى وقالوا انهم سيشكلون عراقا جديدا خال من الديكتاتورية والحروب والفلتان الأمني والعنف ،ولكن ما جرى وبعد14 عاما على إحتلال العراق وتسليمه ظاهريا لبعض أهله ،نرى الدم المسفوح يسيل يوميا بسبب القتل متعدد الأشكال والألوان.
كانت 'الديكتاتورية'تشمل الجميع من أجل ضبط المسار ،لكن العراق الجديد تحكمه طائفية بغيضة وينتظرة تقسيم ،علما أن العراق'الديكتاتوري'كان عادلا في ديكتاتوريته عصيا على التقسيم ، عكس ما نرى اليوم.
العراق الجديد بات على وشك التقسيم بين الشيعة والسنة والأكراد مع إقامة كانتون يهودي كردي في سهل الموصل ،كما أنه جرى في عهد المالكي تسليم الموصل لداعش وكذلك غرب العراق ،وقد نزف العراق سيولا من الدماء في حربه غير المفهومة مع داعش ،وتأهب الأكراد لشن حرب التقسيم .
تسلموا العراق واحدا موحدا لكنهم سيتركونه مقسما لا خيارات امامه للعيش بكرامة لأن التقسيم خراب ،وسوف لن تترك أمريكا العراق حتى آخر نقطة نفط وآخر درهم في الخزينة وآخر قطعة آثار تحت الأرض.
معروف أن اليهود في الجيش الأمريكي شاركوا في غزو العراق بكتيبة خاصة ولكن مهمتها لم تكن القتال بل نصبوا خيامهم في اماكن محددة ومدروسة ،وبدأوا بالحفر للتنقيب عن آثار يعرفونها جيدا وترتبط بوجودهم في بابل وبتاريخ العراق حتى أنه يقال أنهم عثروا على التوراة الأصلية .
قبل أيام جرى تسريب أقوال لمسؤول امريكي نسيت إسمه في مواقع التواصل الإجتماعي يقول فيها :واهم من يقول أنناجئنا إلى العراق من أجل نفطه ،بل جئنا من أجل كشف تاريخه والتنقيب عن آثار تنقصنا لمعرفة تاريخ العراق حتى نعرف سر نجاحاته التاريخية.