الغنى في الغربة وطن
محمد المحيسن
كاتب وصحافي أردني
نيسان ـ نشر في 2017-05-13 الساعة 15:34
يقول الامام على كرم الله وجهه «ان الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة»، وبالقدر الذي ترسخه صدقية هاتين العبارتين وانسجامهما مع الواقع بالقدر الذي بات فيه الوطن مجرد حقيبة سفر يحمله الاشخاص اينما حلوا لمجرد الذكرى.
في الحقيية، ليس الفقر وحده الذي يجعلنا نشعر بالغربة، حتى وان كنا داخل منازلنا وبين اقرب وأحب الناس الينا، بل هناك الكثير من الاشياء التي تدفعنا دفعا لأن نبحث عن مكان لنسكن فيه، مكان نشعر فيه بالامان والاستقرار والدفء.
وفي الجزء الاول من حكمة الامام علي «الغنى في الغربة وطن» تكرس حقيقة الانتماء القصري للملاذ الآمن.. وفي الجزء الثاني البحث عن وطن تحب أن تعيش فيه.
ورغم ان الوطن مسقط النبض الاول وأكبر من ان يكون مجرد ذكرى إلا أن الغربة تبقى بالنسبة للبعض أفضل كثيرا من العيش في ظل فساد استشرى حتى النخاع، ومع فقدان الامان بات الجميع يبحث عن الراحة المادية والنفسية له ولأسرته.
وفي كل الحالات فإن الشعوب المنكوبة والمغلوبة على أمرها هي التي تشعر بالغربة في وطنها، فهي حبيسة سياسة قمعت كل شيء، قمعت حرية التعبير حتى لقمة العيش لم تسلم من القمع، فبات البحث عن وطن للقمة العيش افضل بكثير من التمسك بحنين ممتلئ بالاوجاع والذل والقهر.
وبما أن الفقر لا يجب اختزاله فقط في الجانب المادي المتمثل في توفير الشغل والعيش الكريم والسكن والتعليم والصحة وغير ذلك، بل يتعداه إلى الجانب المعنوي المتمثل في الكرامة الإنسانية والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين وتكافؤ الفرص والعدل بحيث يصبح الناس متساوين، بات المكان الذي يؤمن القليل من هذه المتطلبات هو الوطن الاخر الذي اصبح يتمناه الكثيرون، ويسعى وراءه آلاف حتى وان كانت النتيجة الموت غرقا في البحر، او اعتقالا عند احد المرافئ.
أن تموت في بلاد الغربة وأن تموت في حضن الوطن النتيجة واحدة، ولكن الفرق، هو ما يحصده ذوو الضحايا، او الباقون خلفه بانتظار غائب طالت غربته ولكنه لن يعود.
صحيح ان الوطن أكبر من أن يُحمل في حقيبة. والانتماء أقوى من أن يكون مجرد ذكريات وشعارات او حتى جواز سفر، ولكن عندما يفر المرء بروحه من وطن ضاعت فيه الكرامة وفقدت فيه البوصلة تكون الهجرة هي الحل، حتى وان كان الغرق احد النتائج المتوقعة.