(أسلمة) نقابة المهندسين

قد يستطيع مهندس ساهم في اجتماع هيئة عامة او ربما قدم لدفع اشتراك سنوي قبل اكثر من ربع قرن من الزمن ان يتذكر بأن كان هناك مبنى يسمى مجمع للنقابات المهنية يضج بالحركة مساء اكثر من اوقات الدوام الرسمي، حتى في زمن لم يكن به عدد المنتسبين لنقابة المهندسين يتجاوز ال 12% من العدد الحالي, الاضواء ليلا تغمر القاعات وكل الامكنة والمحيط, يتوافد اناس مختلفون فيما بينهم في الهيئة والافكار, يجمعهم المكان والصراحة حتى في زمن قمع الدولة, وكأن المجمع كان دولة خارج حدود الوطن المغلق.
تمضي بضع سنين ينفتح الوطن ويغلق المكان, وكان لا بد ان تتبدل الادوار, وتتلفح بركة السباحة بعبائة بحجم ربما اقل قليلا من كسوة الكعبة المشرفة, تغلق المقاهي المحيطة بالقاعات, ويغلق المطعم الوحيد. وتطفأ الانوار, ويرخي سدوله من ذكرى امرؤ القيس ليل كموج البحر ليصبح سديما قاتما يلف كل المكان.
تصعد الدرج لتصل الطابق الثالث, مقر نقابة المهندسين, صور لاشخاص ملتحين على المكاتب والجدران, نصوص ادعية مختلفة, شعارات بصبغة دينية, طاولات ومكاتب في اسفلها احذية احتياطية، وخلفها كراسٍ ممهرة بمناشف, ويخيم عليك شعور قربك من شفير الحفرة. وكانك امام لوحة سريالية متخيلة لفنان في القرن الرابع الهجري عن الحياة بعد مئات السنين.
بالطبع كل الاشياء والمعارف بالقدر التي يرتبط احدها بالاخر وتبدأ بالاشياء الاولية التي يرتكز عليها الحالة الاكثر تعقيدا وصولا الى الصورة الكاملة, فالكلمة هي البداية.
عادة الكلمات لها مدلولات معينة, ولكل مجال معرفي له تعابيره الخاصة , واية مؤسسة لها مفرداتها التي تعبر عن طبيعة نشاطاتها, لكن نقابة المهندسين هي الجامع, حيث تستطيع ان تجد نفسك في المحكمة الشرعية ومؤسسة الزكاة واحيانا في العصر العباسي امام القاضي عبد الجبار, أو تمسح جبينك من غبار ما قبل المعركة الذي تسببه سنابك العاديات ضبحا، حين تضج المعارك الانتخابية, وادوات الهجوم والدفاع وتبرير المواقف وادانة الاخر بتعبيرات كالشرعة الاسلامية, الحلال والحرام, الحشد والرباط , صوت اهل الحق وصوت اهل الباطل.
هذه هي مفردات الحوار داخل نقابة المهندسين وهي تمثيل لعقل مجلس النقابة واتباعه وتشكل المنهج الذي يرتكز عليه نمط التفكير لديهم.
ثم ينتقل المستوى من الصورة والمفردة الى البناء. حيث يصبح الزواج والطلاق والاسرة وتربية الافراد والابناء هي الهم الاكبر وهي الموضوعات التي اصبحت صلب اهتمام ادارة النقابة من خلال الدورات التي تعدها او الاموال التي تنفقها لدعم الجمعيات الدعوية المختلفة خارج النقابة نفسها.
هذه الصورة بابعاد عدة لنقابة المهندسين, لكن البعد الاهم هو الاخر, فكيف يعرف ومن هو الآخر، هم الأغيار, لم يولدوا اخوانا, فكل فعل يصدر عنهم محرم, وكفر. ولن يعود للمنطق والمادي اية قيمة في اجتماعات الهيئات العامة او الانتخابات, ويصبح الموقف من الاشياء هو حالة ذهنية غير ملموسة, فهي تصبح فكرة ربانية يمثلها مجلس الاخوان واتباعهم المباشرون فيصبح الصح والخطأ او حسب التعابير
المتبعة الحلال والحرام ادوات لتحديد الغاية, والغاية مصلحة الجماعة, فما يتوافق معها حلال وما يتعارض معها حرام، والى النار من يصوت لغير قوائم الاخوان او ضد اي من قراراتهم , حيث الاعداد ليوم الحشر عندما توزع كتب اليمين وكتب الشمال.
هذا النهج هو الذي يتصدر مشهد نقابة المهندسين اليوم، وهو ما جعل النقابة مجرد مؤسسة دعوية اسلامية , لا تعترف بالغير, وخلقت طائفية مفزعة وفرزا دينيا, حيث اصبح غير المسلم لا يستطيع مجرد التفكير في الترشح لهيآت النقابة.
للاسف الصورة هذه هي حقيقة وليست متخيلة, لكن لو كان الشكل خارجا عن مضمون الاشياء فسيكون باقي بعض من عوامل للاستمرار، لكن لو تتبعنا واقع الحالة الي رسمنا انعكاساتها لوجدنا انفسنا في مواجهة مع زمن غير هذا الزمن, ومع عقل وافكار خارج هذا العالم.
التناقضات ليست حراما
يستطيع اي كان ان يسقط اي موقف يصدر من طرف ما على سلوكه, واي تناقض بين الاثنتين هو موقف مشين وكاذب ويتصف صاحبه بالانتهازية, لكن هذه الحالة لا يستطيع البعض اعطاءها صفة التعميم, فما ينطبق على العام لا ينطبق على البعض, وأحيانا الجماعات لها تفسيراتها الخاصة, لان الاساس هو دائما في ضرورات الجماعة , التي تبيح كل المحضورات, فليس على الجماعة حرج في الدعوة للشيء وممارسة نقيضه.
ففي الفترة التي كان مستوى الاثارة في التعابير يصل الى ابعد طبقات الجو, ويتسرب الى النفوس البائسة الفقيرة التي شعرت بالحرج الذي استدعته الحاجة والفقر ان تكون من بين القيادات الاخوانية والقريبة منها التي تدعو لمقاومة التطبيع في النقابة نفسها من يمارس اوسع اشكال التعاملات التجارية التطبيعية, وفي الوقت الذي لا ترخص به اي معاملة عليها شبهة من اي كان, يكون تصميم وتاهيل البنية التحتية للموقع ينفذ من أعلى هيئة في النقابة .
بعد كل هذا اصبحنا امام السؤال المركزي, هل نقابة المهندسين أو أي نقابة أخرى تحت ادارة اي كان تتسم بهويته الذاتية, وهل افكار وآراء تلك الجهة تصبح هي افكارها, وهل تنعكس تلك الفكار على كل فعل مهني او نقابي او مالي يمارس داخل النقابة.
هذا هو الجزء المحدود وحده فقط كاف لاتخاذ الموقف النهائي . لماذا نقابة للمهندسين؟