عـزيز محمد.. من أيقونة شيوعيي العراق إلى عرّاب الانفصال الكردي
نيسان ـ نشر في 2017-06-05 الساعة 03:30
في اليوم الأخير من شهر أيار 2017، طوى الموت صفحة أحد أبرز وجوه النضال الوطني الحزبي العراقي، السياسي والزعيم الحزبي المخضرم، 'أيقونة' شيوعيي العراق، 'عزيز محمد' ذو الجذور الكردية، عن عمر ناهز 93 عاماً، تأرجح خلالها ما بين الوفاء لمبادئه الأممية، وسيرته النضالية، وما بين مواجهة الانتقادات والتهم بالتفريط بوحدة العراق لصالح انفصال الجيب الكردي.
تسلم عزيز مسؤولية الحزب في حقبة تاريخية عاصفة (1964)، وبعد عام واحد من مجزرة شباط 1963، التي يتهم شيوعيو العراق حزب البعث العربي الاشتراكي بالتعاون مع المخابرات المركزية الأميركية، بارتكابها، والتي نجم عنها مجزرة دموية وإبادة جماعية لعشرات آلاف الشيوعيين والمناصرين الذين سحلوا في الشوارع وعلقوا على أعمدة الكهرباء، أو تم الزج بهم في المعتقلات والسجون.
عزيز، الذي استمر في قيادة الحزب لمدة ثلاثين عاماً، وحتى (1993)، تمكن مع رفاقه من إعادة إحياء الحزب ومنحه مكانة لائقة بين الأوساط الوطنية بعدما قاد حركة تصالحية مع قيادات البعث، وهو ما تسبب له بنقمة كبيرة بين رفاقه الحزبيين من مستويات قيادية مختلفة، بعضهم اختار الاستقالة والتنحي. وعلى المقلب الآخر، مكنته هذه الخطوة من الارتقاء للأعلى واحتلال مكانة مرموقة بين الشخصيات الوطنية البعثية العراقية عامة والكردستانية خاصة.
ولد عزيز محمد عام 1924، ولم يكن يعرف في أي يوم أو في أي شهر قد ولد، لكنه ارتضى أن يسجل تاريخ ولادته في الأول من تموز. وهو ينتسب لعائلة فلاحية معدمة، وكان والده، يعمل بأجرة يومية، وينحدر من المناطق الكردية المحاذية لأربيل والتي تعرف بقرية بيركوت، فتعلم القرآن في مسجد أبو بكر الصديق ودرس الفقه لمدة قصيرة، ثم أكمل الدراسة الابتدائية.
عام 1941، كان باكورة انخراطه في النشاط السياسي، فانتمى الى صفوف جمعية (هيوا) التي تعني (الأمل)، وكان لمراسيم نيل العضوية فيها طعم خاص في حياته. وعن ذلك يقول: 'مراسم تثير في النفس الارتياح والاعتزاز. كنا وقتها جسورين متحدين، على الرغم من أن معارفنا آنذاك محدودة'. ثم انضم لصفوف حزب شورش (الثورة) الذي بدأ يطرح المفاهيم الماركسية كرد فعل على تردي الأوضاع العامة، في مقابل انتصارات السوفييت في معارك ستالينغراد، التي بعثت في نفوسهم الحمية والرغبة في التحرر.
في 1942 أصبح عضواً في جمعية الشعب التي كانت تصدر صحيفة 'بليسة' أو (الشرارة) وتعد نفسها ماركسية، وفي ربيع عام 1948 حدثت نقلة نوعية في حياته السياسية. يقول 'بدأت أفكاري بحكم عملي تتقرب من الحزب الشيوعي وهو ما دفعني لاحتراف العمل الحزبي والدفاع عن حقوق العمال والفلاحين والطبقات الكادحة'، فأصبح مسؤولاً لفرع أربيل، عوضاً عن مسؤوله نافع يونس، الذي أصبح مسؤولاً عن تنظيمات الألوية الشمالية في كركوك.
بعد اعتقال وإعدام قيادات الحزب في بغداد العام 1948، أًستدعي عزيز محمد الى بغداد للمساهمة في قيادة الحزب، لكنه اعتقل في أحد كمائن الأمن في 12 /10 /1948مع آخرين وأحيل الى المجلس العرفي العسكري الأول الذي تشكل في 12/ 2 /1949، وبعد ثبوت التهمة بأنه من منظمي الخلايا، حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة خمس عشرة سنة في سجن نقرة السلمان الصحراوي.
بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 أُطلق سراح عزيز محمد، وأصبح مسؤولاً لفرع كردستان، وفي 1960 أصبح مسؤولاً عن تنظيمات الفرع الذي يضم (أربيل- السليمانية – كركوك). وفي سنة 1964، وخلال أحد الاجتماعات السرية للجنة المركزية أُنتخب عزيز محمد سكرتيرا للحزب الشيوعي العراقي، وتكرر انتخابه كسكرتير في مؤتمرات الحزب (الثاني سنة 1970، والثالث سنة 1976، والرابع سنة 1985)، وفي مؤتمر الحزب الشيوعي الخامس سنة 1993 تنحّى عزيز محمد عن منصبه .
هذه المسيرة الحزبية الحافلة بالتضحيات، لم تشفع له، فنال قسطه من انتقادات رفاقه، الذين ما أن فرغوا من مراسم الدفن والنعي وتقديم التعازي، حتى نبشوا في تاريخ الرجل، بحجة أنه وإن كانت الرحمة على الميت واجبة كما هو متعارف عليه، إلا أنها لا تعفيه من النقد، وخصوصاً الأموات الذين لهم بصمة في مجال ما.
منتقدو عزيز، حملوه مسؤولية ما قالوا إنها أخطاء سياسية كارثية باعتباره السكرتير الأول، وقصدوا في هذا الهجوم، قراره بالتحالف مع حزب البعث الحاكم، متهمينه باتخاذ القرار بصورة فردية. آخرون، رأوا أن اسم عزيز محمد، ارتبط بقوة بالانشقاقات التي حدثت في صفوف الحزب قبل توليه موقع سكرتارية الحزب وبعد توليه. كما ارتبط اسمه بالخلافات داخل قيادة الحزب، وبسياسة التصفية للمعارضين للتكتل الذي قاده مع فخري كريم، وصولا إلى الانقلاب الذي تحقق خلال المؤتمر الرابع للحزب.
بعض الانتقادات، بلغت حد كيل الاتهامات، ومنها أنه ربط مصير الحزب بمصير الحركة القومية الكردية حتى تحول الحزب الى تابع لهذه الحركة. وأنه لعب دوراً في تشجيع انفصال الشيوعيين الكرد في حزب شيوعي مستقل، تم تشكيله على أساس قومي.
الانتقادات أو الاتهامات، لاحظت أن الصور التي أُرفقت بالنعي في وسائل الإعلام المختلفة الورقية والمتلفزة والرقمية وفي شبكات التواصل الاجتماعي أظهرت الرجل بالزي القومي الكردي. وإنه، إن كان من حقه أن يعتز بلباسه القومي، لكن من غير المنطقي تصور أن رفاقه في الحزب الشيوعي الكردي عجزوا عن العثور على صورة له تذكر عموم العراقيين بأنه كان زعيماً لأكبر وأقدم حزب عراقي. بعض الانتقادات، زادت أكثر من ذلك، وقالت: يبدو أن الرجل نفسه نسي حقيقة أنه زعيم أكبر وأقدم حزب عراقي منذ أن خضعت كردستان العراق للحماية الأميركية، فارتضى بالزي القومي الكردي دون غيره!
رفاق آخرون، أغضبهم رؤية رفيق مسيرتهم في المعتقلات وفي ساحات النضال، سكرتير الحزب، و'أيقونة الشيوعيين'، وجثمانه لا يلف بعلم العراق، بل بعلم كردستان خلال مراسيم الدفن، بينما كتب في نعيه: 'رجل بذل سنوات عمره بكامل قناعته من أجل أن تنتصر قضية العدالة الاجتماعية في وطن تخيره (كالبداهة كالمنتهى)'! قائلين: كنا نتصور أنه تخير العراق كله وطنا (كالبداهة كالمنتهى) وليس جزءاً صغيراً منه!