وصولاً إلى الدوحة
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2017-06-05 الساعة 16:46
حروب الإعلام العربية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وتغيرت الأطراف المتنافسة والمواضيع المثارة، وانتهت بقطع مع الحدث المهول لغزو الكويت في التسعينيات، وظهور وسائل إعلام جديدة في المنطقة.
إبّان كان في مصر زعيمٌ فادح الكاريزما، اسمه جمال عبد الناصر، وكان الفلسطينيون في عقبة جبر يتحلّقون حول الراديو لسماع اسم مخيّمهم في إذاعة القاهرة، بمناسبة مظاهراتٍ لم يقوموا بها انتصارا لعبدالله السلال في اليمن، ضدّا على رغبة الهاشميين في الأردن. وإبّان كان يروج تصنيفُ الأنظمة العربية ملكياتٍ رجعيةً وجمهوريات تقدّميّة (باستثناء تونس!)، وتجيز تقدّمية هواري بومدين في الجزائر له الوثوب على السلطة، وحبس رفيقه أحمد بن بلة، ولاحقا تبيح له صناعة جبهة بوليساريو للتنغيص على الرجعي الحسن الثاني في المغرب. إبّان تلك الستينيات في القرن الماضي وبعض خمسينياته، كان من العاديّ أن تُمارس إذاعة صوت العرب تعريضا مسفّا بالملك حسين، وأن تبتهج، كما جرائد من طرازها في مصر وغيرها، برمي بورقيبة في أريحا بالبندورة. في تلك الغضون، كانت حروب الإعلام العربية البينية تقوم على النهش في لحوم هذا النظام وذاك، وكيفما اتفق غالبا، بأدوات تلك المرحلة من جرائد وإذاعات معلومة، كانت الصدارة فيها مصريةً طبعا. وبعد رحيل عبد الناصر، ومغادرة مصر اشتراكيّته وتحالفه مع السوفييت، استجدّت منازلاتٌ قذافيةٌ ساداتية، وكان من مباهج التسرية عن نفوس العرب أن يسمّي الرئيس المصري العقيد الليبي، في خطبٍ مذاعة، ولدا مجنونا. طرأت في حلبات ذلك الطور من حروب الإعلام العربية العربية منازعات النفوذ السعودي على صحافاتٍ عربية مع النفوذ العراقي على صحافاتٍ عربية أخرى، حتى إذا عبرنا إلى الثمانينيات، جاز القول إن حقبةً سعوديةً أشدّ عودا بدأت في المشهد الإعلامي العربي، لم تخدشْها كثيرا تلويناتٌ قذافية، وذمم واسعة لصحافيين نشط صدام حسين في رشوتهم.
دلفنا إلى التسعينيات بغزو الكويت، فانعطفت حروب العرب الإعلامية فيما بينهم إلى قطعٍ مع ما سبقها، وكانت الصحافة الكويتية من ضحايا هذا الحدث المهول، وهي التي كانت تنافس الصحافة اللبنانية، وتتفوّق عليها أحيانا. تبدّى، في الأثناء، أن في وسع خليجيين آخرين أن يحضُروا، وأن يؤثّروا، وأن يصنعوا بين ظهرانيهم إعلاما محترفا، وآخر أقلّ احترافا، وكانت مصر حسني مبارك تسرع القهقرى، صحافةً وسياسةً ومسرحا تجاريا، ثم تحوز صفراً في قرعة استضافة كأس العالم. وأمام تآكل مقولات الريادة، ونقصان مهابتها، لمصر خصوصا، وأمام شيخوخةٍ بدت تقضم من مساحات الحضور السعودي في غير شأن، ومع انكشاف ركاكة حافظ الأسد في أزعومة التوازن الاستراتيجي، ومع انحسار إضاءاتٍ فلسطينيةٍ كانت لامعةً في حوافّ الخريطة الإعلامية العربية، وكذا لبنانيةٍ بدرجةٍ أقل، ومع الخراب الذي حلّ في العراق، قبل أن يُجْهز جورح بوش الابن على هذا البلد، ومع العري النشط في 'أوسلو' و'وادي عربة'، بدا أن الساحة العربية صارت أكثر فراغا في السياسة والإعلام، وتبدّى أن الكبار لم يعودوا كبارا سوى في افتتاحيات 'الأهرام' و'الرياض' وشقيقاتهما، وأنّ في وسع دولٍ صغيرة، ذات إمكاناتٍ وقدرات، وأصابت مقادير وازنةً من التحديث، أن تكون فاعلةً، بل وحاسمة أحيانا، فالزمن الذي كان فيه سفير جمال عبد الناصر في بيروت يطبخ رئاسة شارل الحلو انقضى، وصار ممكنا أن تأتي طائرةٌ قطريةٌ بالزعامات اللبنانية إلى شيراتون الدوحة، لتنتهي واحدةٌ من منازعاتهم، آثرت مصر حسني مبارك الازورار عنها، وآثر سعود الفيصل عدم وجع الرأس فيها، وهو الذي كان بلاؤه طيبا في إحداث نقلة 'الطائف' اللبنانية.
في الأثناء، صارت 'الجزيرة'، وصارت دبي نموذجا جذّابا، وأرْوَح من القاهرة وبيروت، وصارت أبوظبي موقعا سياسيا وإعلاميا ناميا، حتى إذا صرنا في العقد الثاني من الألفية الثانية، وجدنا شخصا اسمه عبد الفتاح السيسي يأخذ مصر إلى أبعد من أي بؤس. ووجدنا أن رواتب أحمد أبو الغيط وقبله نبيل العربي وعمرو موسى في جامعة الدول العربية لا يستحقونها، ما دامت الدوحة هي التي تسهم بالقسط الأوفر من الحلول للحرب في دارفور. وها قد وصلنا إلى انعطافةٍ كبرى في خرائط الإعلام والسياسة وحروبهما العربية، بعد أن ذوى العراق وتحطّمت سورية، ولا تقدر صحفٌ لبنانية على دفع رواتب موظفيها، ويأسف رئيس مصر لأنه لا يستطيع بيع نفسه، عنوان هذه المرحلة أن لحروب الإعلام أهلها، وهؤلاء ليسوا في دمشق وبغداد والقاهرة وبيروت، وإنما على شواطئ الخليج، والظاهر أن من يُناطح الدوحة فيها خاسر.
نيسان ـ نشر في 2017-06-05 الساعة 16:46
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب