اتصل بنا
 

ادر وصعب"

نيسان ـ نشر في 2017-06-06 الساعة 16:10

جرائم التجميل في لبنان: البلد الذي يتصدر قائمة العمليات التجميلية في العالم العربي.
نيسان ـ

في حمّى انهيار الدولة وفسادها، واهتراء منظومة القيم والأخلاق، واجتياح النفايات للنفوس والطرقات، وفي ظلّ حوادث النصب والسرقة والخطف، والقتل السهل انتقاما وضربا ورصاصا طائشا، وحيال انسداد الأفق أمام أية حلولٍ جذريةٍ وحقيقيةٍ تعيد إلى المواطن اللبناني حدّا أدنى من الأمل، أو الإيمان بإمكانية الخروج من الهوة السحيقة التي انحدر إليها، تحت تأثير 'المؤامرة' التي حيكت ضده وتحاك، أو نتيجة 'إرادته' المحضة، أو بفعل تخلّفه الذي بلغ سرعة الضوء، إن لم يكن قد تجاوزها، تبرز قضيةٌ جديدةٌ تضيف إلى مأساتنا بُعدا آخر متمثّلا بـ 'جرائم التجميل' التي يفاخر البلدُ بإنجازها محليا، وبتصديرها إلى العالم العربي من حوله. هكذا، كلما ازددنا قباحةً وهشاشةً وخواءً واهتراء، أمعنّا في الخضوع لعمليات تجميل الصورة، ولو اقتضى الأمر منّا تشويهها لكي تبدو مخالفةً كلية لحقيقتها، مضيفين مساحيق التجميل من هنا وهناك، حتى ليقترب الوجه، بحسب معاييرنا المستجدّة للجمال، من القناع المسرحي القديم، متضخّم الملامح ومبالِغ التعابير.
يحتلّ لبنان اليوم المرتبة 24 ضمن البلدان الأكثر إجراء للعمليات التجميلية، إذ تجرى داخل مستشفياته وعياداته المتخصصة نحو 120 عملية يوميا، وهو ما يعادل نفخ وشدّ وشفط وضرب إبر بوتوكس وفيللر بنحو 120 امرأة (ورجل؟) لبنانية وعربية يردن التشبّه بما يرينه يوميا على الشاشات الصغيرة وفي وسائل الإعلام الأخرى، من مطرباتٍ وعارضات أزياء ومذيعات أخبار ومقدّمات برامج وممثلات. هذه تريد أن تشبه نانسي، وتلك مايا، وتلك إليسا، والأخرى مقدّمتي الأخبار ديانا أو جيسي.. الكاتالوغ متوفر، والموديلات من كل نوع وصنف، وقد ثبت أنهن هنّ أيضا قد سبق أن خضعن لعمليات تجميلٍ جعلتهن على ما هنّ عليه، فلمَ لا تكون السيدة الجالسة في بيتها تراقبهن، على نسقهن، خصوصا أن الزوج قد عبّر أكثر من مرة، عن إعجابه بخدود هذه، وشفاه تلك، شعر هذه وصدر تلك، وأن مجتمعا بأكمله قد منح النجومية والشهرة لمن تتمتّع فقط بذاك القدر من الجمال، وتمتلك جرأة الكشف عن المفاتن، وتجيد أصول الإيحاء والإغراء.
أجل، نحن نبيع اليوم 'سياحة تجميلية'، يستغلّها أطباءُ نبهاءُ وشطّارٌ يقرّرون فجأة ترك اختصاصاتهم القديمة، لأنها لا تطعم خبزا، منتقلين إلى حقل التجميل، طلبا للربح السريع، كما يستغلّها أطباء تجميل بارعون في التسويق، وقد لا يكونون بارعين في سواه. الطبيب نادر صعب، مثلا، يجسّد هذه الحالة بامتياز، فهو دائم الحضور على شاشات الأقنية التلفزيونية، خبيراً ومرجعاً، وبوصفه الطبيب الأشهر والأمهر في لبنان. الدليل؟ إنه متزوج من إعلامية جميلة، بلغت مركزا محترما في مباريات جمال عالمية، وهو يعرف أهم الشخصيات في لبنان، وهو حاضرٌ في كل المناسبات الاجتماعية التي يقيمها المجتمع الراقي في العالم العربي وفي لبنان... لهذا كله، استطاع ربما أن يقنع سيدةً شابةً وجميلةً تبعا لكل معايير الجمال، لا أن تجري عملية شفط دهون البطن التي جاءت من دبي خصيصا لأجلها، بل خمس عملياتٍ في جسمها كله دفعة واحدة، لقاء خمسين ألف دولار فقط! لاقت السيدة المسكينة حتفها جراء ذلك، مع التذكير أن المجرم 'النادر والصعب' يملك مستشفىً غير مسجّل، وأن اسمه على ما قيل مشطوبٌ من نقابة الأطباء منذ العام 2012.
يكاد الواحد يفرح لسقوط الطبيب المشهور أخيرا. يكاد يفرح ويهلّل لإيقافه عن استغلال الناس، لولا حزنه وقهره على الضحية فرح قصّاب، السيدة الثلاثينية الأردنية العراقية، وأم الولدين، التي راحت ضحية جشع طبيبٍ لا أخلاقي، لا يرى في مرضاه إلا ما يملأ جيوبه بالمال. لقد تحرّك القضاء هذه المرّة، وأعلن الطبيب، في بيانٍ، أنه يضع نفسه وفريقه في تصرّف القضاء. نتمنى أن يدفع نادر صعب ثمن فعلته إذا ثبت جرمه. نتمنى أن يُسجن ويُمنع من مزاولة المهنة نهائيا. نتمنى لو أن فرح قصّاب لم تسمع به قط، ولو أنها فقط لم تقع بين براثنه.

نيسان ـ نشر في 2017-06-06 الساعة 16:10


رأي: نجوى بركات

الكلمات الأكثر بحثاً