اتصل بنا
 

السعودية وقطر: لن أعيش في جلباب أبي!

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2017-06-06 الساعة 22:43

العداء السعودي القطري: تاريخ من الخلافات والتنافس السياسي والإعلامي، وتحالفات متغيرة في المنطقة العربية.
نيسان ـ

منذ البداية لم تكن السعودية ترغب في الاعتراف بالكيان القطري. منذ العام 1913! منذ البداية كانت السعودية تريد قطر جزءاً منها بصفتها كانت تابعة لإقليم الإحساء السعودي. وعلى مر العقود كان هناك دائما خلافات حول حقوق التنقيب عن النفط وحول ترسيم الحدود. ووصلت الأمور إلى حد قيام السعودية بالاستيلاء بالقوة على مركز الخفوس الحدودي في العام 1992.
لكن الانقلاب الذي قام به حمد بن خليفة على والده في العام 1995 كرّس مرحلة جديدة من العداء. منذ الانقلاب كان واضحاً أن قطر حمد تريد أن تضع رأسها برأس السعودية. منذ الانقلاب وضع الحمدان، حمد بن خليفة ووزير خارجيته وحليفه حمد بن جاسم، استراتيجية تقوم على اللعب على الحبال ومحاولة جمع الأضداد، وصولاً إلى عقد سلسلة تحالفات تمكّن قطر من الخروج من ظل السعودية، والتخلّص من عقدة القزم والعملاق والتي تسكن قطر على الدوام. السعوديون لم يتأخروا في فهم ما يجري، فكان أن ساعدوا في محاولة انقلاب في العام 1996 كاد أن يتبعها غزو سعودي شامل لقطر لولا أن الحسابات كانت دقيقة. وفي عقب تلك التطورات صار العداء السعودي القطري علنياً، ودخلت الجزيرة على الخط، ونجحت في الضغط على أعصاب العملاق السعودي عدة مرات.
الجوهر في الطروحات القطرية والسعودية واحد تقريباً، على الأقل في الخطاب الإعلامي. فقناة الجزيرة تروّج ضمنياً لخط سني متشدد يعادي الشيعة ويحرّض ضدهم ويشيد بالسلفية الجهادية عموماً، كالنصرة وغيرها من الفصائل السلفية، وحتى بداعش أحياناً وإن كان بطريقة خفية. والطريف أن السعودية في هجومها الأخير على قطر تتهمها بالترويج للإرهاب، علماً أن الخطاب القطري عبر الجزيرة هو خطاب وهابي سعودي بكاموفلاج ليبرالي حداثي! وفي الموقف السياسي وقفت السعودية وقطر في نفس الجهة ضد النظام السوري ودخلا في حرب مفتوحة ضده، ولكنهما اختلفا على الغنائم، فدعم كل منهما فصائل مختلفة. وفي العراق وقفت الجزيرة في صف الجماعات السنية التي دعمتها السعودية، ولكن قطر تواصلت مع شيوخ قبائل معينين غير الذين تواصلت معهم السعودية. أما في اليمن فإن قطر وقفت ضد الحوثيين، وإنما دعمت أطرافا غير التي دعمتها السعودية. أما الإخوان المسلمون فإنهم تطوروا فعلياً في السعودية، وحصلوا على دعمها لعقود، وقد يكون جزء من الغضب السعودي عليهم هو أنهم انتقلوا إلى قطر كحليف مفضّل. وحتى إيران، فلا يوجد علاقات مميزة قطرية إيرانية أكثر من العلاقات التجارية الإيرانية الإماراتية على سبيل المثال. وحتى على المستوى السكاني، تتشابه العادات والتقاليد واللهجة، ويحمل القطريون نفس الفهم الوهابي كالسعودية، وإن كانوا أكثر تعليماً ورفاهاً، ولكنهم بنفس التشدد في أعماقهم.
إذاً فالسعودية وقطر لديهما نفس الأعداء، ولكنهما يتسابقان على المغانم، أو يمكن القول أن قطر تريد أن تثبت أنها لا تسير خلف السعودية، أي أنها تريد أن تصنع جلبابها الخاص.
إذاً كان على قطر أن تركّز على جمع المتناقضات لتصنع لنفسها دوراً مستقلاً، وهكذا دشنت قناة الجزيرة. والحق أن الجيل الذي قاد قطر منذ تسعينيات القرن الماضي هو جيل ذكي وماهر في التقاط اللحظات، مقابل جيل سعودي هرم ولا يلتقط المتغيرات. وبعد قناة الجزيرة قرر القطريون اللعب على الدخول في مناطق النزاعات وتوظيف ثروتهم لإغراء الخصوم بالحوار في قطر، فاستضافت قطر مجموعة كبيرة من الحوارات ومحادثات السلام من مختلف المناطق في أفريقيا وآسيا. وفي فترة زمنية كان في الدوحة مكتب لحركة طالبان في نفس الوقت الذي تتواجد فيه سفارة لحكومة أفغانستان بعد الغزو الأمريكي! وفي هذا السياق كان يمكن لقطر أن تسوّق لإيران استمرار علاقات دبلوماسية رغم أن نشاط قطر على الأرض متعارض مع مصالح إيران، وخصوصاً في سوريا.
ولكن سياسة جمع المتناقضات لم تكن ناجحة على الدوام. ففي العام 2004 ضاقت روسيا ذرعاً بالازدواجية القطرية التي تتعامل مع روسيا ومع المتمردين الشيشان في نفس الوقت، فقامت باغتيال الزعيم الشيشاني سليم خان يندرباييف في قلب العاصمة القطرية. ورغم تداعيات الاغتيال لاحقاً إلا أنه كان أحد النذر بأن سياسة اللعب على الحبال العديدة لن تكون ناجحة إلى الأبد.
السعودية كانت عبر كل هذه السنوات ترفع مستوى الضغط على قطر من وقت إلى آخر. وفي العام 2002 وبعد برنامج في قناة الجزيرة انتقد السعودية بشكل حاد قامت الأخيرة بسحب سفيرها من الدوحة دون إعلان. وفي العام 2014 وبعد التوصل لاتفاق -كان ظاهره تحول قطر إلى العداء مع الإخوان المسلمين وباطنه القبول بالوصاية السعودية- هددت السعودية وقتها بأن صبرها بدأ ينفذ تجاه سياسات قطر إزاء الاخوان المسلمين و'الخروج عن الخطوط العريضة لسياسات ومواقف دول مجلس التعاون الخليجي في مصر على وجه الخصوص'. وقالت السعودية وقتها حرفياً بأنها ستغلق الحدود البرية والأجواء أمام الحركة إلى قطر.
يبقى سؤال تكتيكي حول التوقيت. والواقع أن ما يجري الآن كان سيجري ولو بعد عام. ولكن يبدو أن السعوديين التقطوا تصعيداً أمريكياً ضد قطر فقرروا استغلال الموقف، خصوصاً وأن أمير قطر لم يستجب لإنذار السعودية الصادر في العام 2014.
السعوديون اليوم اتخذوا قرارهم، ومعهم الإمارات التي يبدو أنها تلعب دوراً تحريضياً إضافياً في الخفاء. واكن واضحاً منذ أزمة البيان المنشور على موقع وكالة الأنباء القطرية ومن الضخ الإعلامي في العربية وسكاي نيوز والماكنات الإعلامية السعودية والإماراتية أن السعودية تأمل في أن يتسبب ذلك الضغط في حراك داخل الأسرة الحاكمة القطرية ينتج عنه ليس فقط تغيير الأمير تميم، ولكن تغيير كل الخط السياسي المنافس لها في قطر، وإعادتها إلى خيمة الطاعة السعودية مرة أخرى.

نيسان ـ نشر في 2017-06-06 الساعة 22:43


رأي: علاء الفزاع كاتب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً