اتصل بنا
 

قطر في عين العاصفة، والجزيرة بلا شراع!

نيسان ـ نشر في 2017-06-07 الساعة 14:19

تدهور شعبية الجزيرة بعد الربيع العربي ومفارقة متابعة المشاهدين المستائين للقناة، وتحليل لأسباب هذا التدهور ومواقف الكتاب المهاجمين للجزيرة وعلاقتهم بالوعي العربي، ودور الجزيرة في نقل صوت المحبطين والمحرومين والجهلة في الشؤون السياسية والدينية.
نيسان ـ

لطالما اعتبرت فضائية الجزيرة رمز النجاح الإعلامي العربي. هذه الحقيقة أيدتها أرقام المشاهدين الذين يتابعون القناة ونجاحها في استقطاب اهتمام إعلامي دولي. لكن هذا الانتشار المدوي تدهور بشكل متواصل بعد ما بات يعرف بـ”الربيع العربي”، بسبب خيبات الجمهور أولا وفشل المشروع الثوري الإسلاموي نفسه ثانيا.

لا يمكن تجاهل مفارقة أن كل منتقدي الجزيرة هم من مشاهديها. فما الذي يجبرهم على متابعة هذه القناة التي تبنت خطا إعلاميا إسلامويا يعتمد مبادئ التحريض وبث الكراهية وفق مفاهيم ما قبل القرون الوسطى بتقنية الألفية الثالثة، وخطابا إعلاميا قوميا يستوحي نهج الناصرية التي اتصلت نهايتها الفكرية بهزيمة يونيو 1967 ونهج البعث الذي تهجّى بحروف انهيار دعائمه العقائدية عند غزو الكويت عام 1990 وانهيار نظام صدام حسين عام 2003.

كل ذلك من استوديوهات لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن قاعدة العديد الجوية التي انطلقت منها الطائرات الأميركية التي دكت أركان حكومة صدام حسين وأيديولوجيا البعث.

وجواب هذا السؤال بسيط جدا، هؤلاء المشاهدون المستاؤون هم جزء من الوعي العربي الذي يتنفس اليوم من خلال قناة الجزيرة. ويعتبر كتّاب المقالات المهاجمة للجزيرة في الغالب أصحاب مواقف عقائدية تتعارض بهذا القدر أو ذاك مع الوعي العربي الذي صنعته أدبيات ساطع الحصري وميشيل عفلق وفي ما بعد رؤى أسامة بن لادن ومنظري الانبعاث الإسلامي الجديد.

لا تلغي هذه الحقيقة أن كتاب تلك المقالات مخلصون في رؤاهم، إلا أنّ ما ينقصهم القدرة على الخروج من زنزانة الوعي العربي الذي رضعوا تعاليمه في كتب المدرسة على امتداد البلدان العربية.

ومهنيا، تقول الجزيرة ما يريده المشاهد العربي المحبط من سياسة حكومته القمعية والمحروم من موارد بلاده والجاهل لحقائق الأمور في ضباب إسلامي ينبعث من طاقات المساجد ومحاريب الكهوف ومخابئ مسلحي حماس وفتح وداعش والنصرة والجهاد الإسلامي وحزب الله الذين تتصل حياتهم بدعاوى (ادعاءات) الحرية وفلسطين والدفاع عن الإسلام والحفاظ على عروبة الخليج والعراق ولبنان والجزائر ومواقف سوريا الصامدة.

تضم الجزيرة نخبة من ألمع الصحافيين، وحتى إن لم يكونوا لامعين فإن عملهم مع هذه القناة سوف يمنحهم سمة الاحتراف التي لن تتمكن 100 تزكية من أي وسيلة إعلامية أخرى أن ترقى إلى مستواه، وبالتالي فإن ضعفهم وقلة كفاءتهم سوف تتوارى خلف بريق شعار -لوغو- الجزيرة.

ويلاحظ أن بعض مهاجمي الجزيرة من الصحافيين هم صحافيون طردوا منها، أو فشلوا في الوصول إليها، فيما البعض الآخر يطمح إلى أن يلفت انتباه العاملين فيها للوصول إليها. طائفة ثالثة من المهاجمين يسكنها هاجس الشهرة المبكرة، وخير وسيلة للشهرة هي انتقاد الكبار ومحاولة تصيد أخطائهم. أما من يخرج عن هذه الأوصاف من مهاجمي الجزيرة فينضوي تحت عنوان الأعداء العقائديين لنهج الجزيرة.

ولعبت الجزيرة على وتر “لسان حال الأكثرية”، وبالعودة إلى ملفات حماس والقاعدة وداعش والنصرة وفتح الشام وجيش محمد والحركات المسلحة المعزولة في الفلبين (أبوسياف) وماليزيا والباسك، وحركة الشباب في الصومال، وأهل الحق في باكستان، وحتى في أيرلندا سابقا! نجد الجزيرة مستوفية لشروط تبني قضية الأقليات التي لا منبر لها. وهي بامتياز منبر الجماعات المسلحة المشبوهة في كل مكان، هم أحرار في التعبير عن رأيهم فيها وكذلك فإنّ كل من يتبنى قضية تسهم في تعميق الشق الذي خلقته العولمة سيجد الجزيرة منبرا مفتوحا للتعبير عن رأيه.

وتمثل الجزيرة استجابة انتهازية ناجحة لأزمة الشمال- الجنوب التي تعمقت بعد الألفية الثانية.

وإذا كانت الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد تبنت نهج الحرب على الإرهاب، فإن المنطقة العربية والعالم الإسلامي الذي وجد نفسه متهما محاصرا معزولا بعد هذه الأحداث احتشد خلف وأمام شاشة الجزيرة التي وجد فيها منبر الضد الكفء، والغرب الديمقراطي الذي يرى حق كل الأطراف في إبداء الرأي قد كرس هذا الاصطفاف الثنائي فدعم الحرب الأميركية على الإرهاب ودعم إلى أقصى مدى الجزيرة وهي رئة الضد المكافئ التي رشحها للنجاح ليستمر سجال الرأي.

كل من يتبنى قضية تسهم في تعميق الشق الذي خلقته العولمة سيجد الجزيرة منبرا مفتوحا للتعبير عن رأيه
وانطلقت الجزيرة الناطقة بالإنكليزية من الولايات المتحدة وجل من اشتغلوا فيها هم من الصحافيين الأميركيين الذين دعموا إعلاميا المشروع الأميركي في العراق، المفارقة التي تلفت النظر هنا أنهم لم يجدوا غضاضة في أن يعملوا في محطة الضد بعد أن انتهت عقودهم مع المحطات الأميركية التي تبنت مشروع إسقاط حسين! هل يعني هذا أن الصحافي في كل أنحاء العالم هو قلم معروض لمن يدفع أكثر؟ أم أن هذا هو ترجمة حرفية للمفهوم الديمقراطي لحرية التعبير عن الرأي؟ لا أدّعي أنّي أعرف الإجابة!

وكانت الجزيرة بعد كل هذا أول مؤسسة إعلامية عربية تفتح لها مكتبا في إسرائيل وهذا إثبات قطعي للغرب أن هذا المنبر ديمقراطي لا يتبنى آراء مسبقة عن القضايا الساخنة.

لا تضم الجزيرة قوميين وسلفيين بين كتابها ومدراء مكاتبها، بل إني التقيت بالعديد منهم في حانات ومراقص أوروبا وبيروت وفنادق عمان، لأراهم بعد عام وجوها مرموقة على شاشتها الإسلامية، هم لم يغيروا طريقة حياتهم، لكنهم اختاروا أن يتكلموا بلغة الوعي العربي الذي نمت شهواته الإسلامية بقيام النهضة الإسلامية التي استيقظت تحت سلاسل الدبابات السوفييتية وهي تجتاح كابل قبل ثلاثة عقود من الزمن، هذه النهضة التي غسلت وجهها بتمويل أميركي سعودي غربي فاضل بين مد شيوعي ومد إسلامي فاختار الثاني بحساب أن مواجهة خصم متخلف لا يمتلك التقنية خير من مواجهة خصم متحضر مسلح بترسانة نووية، فلم لا يقبل العالم بشهادة المجاهدين وهم يدمرون الدبابات الشيوعية، ولم لا يقبل بشهادة المجاهدين وهم يقتلون العراقيين والسوريين واليمنيين والجزائريين واللبنانيين والإسرائيليين ما دام الوعي العربي (الجزيرة) يسوّقهم كأبطال هذا الزمان الذي غادرته البطولة؟

تدفع الجزيرة للعاملين فيها أجرا هو الأعلى بين كل المحطات العربية، والصحافيون المحترفون في نهاية الأمر هم حرفيون آلتهم القلم وبالتالي فإن إعالة الأسرة وتربية الأطفال، وترتيب المستقبل الصحافي يعتمد إلى حد كبير على سمعتهم الصحافية (وليس العقائدية) كما يعتمد على مداخيلهم ومدى ارتفاعها. فالقضية لا ترتبط من قريب أو بعيد بالمواقف العقائدية قدر ارتباطها بالفهم الأخلاقي والحرفي لمهنة الصحافة.

وهذا الفهم فيه من التعارض والتقاطع نفس القدر الموجود في موقف العسكري المحترف وهو يقتل للحفاظ على شرف العسكرية ليمثل بعد أعوام طويلة أمام محكمة دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، أي أنّ التعارض والتقاطع بين أخلاقية المهنة وحرفيتها مبدأ موجود في كل حرفة.. حتى في الدعارة.

مهنيا، لا بد من فضائيات أخرى بخطاب مختلف، وحاولت “العربية” أن تكون البديل، ونجحت في أن ترسل خطابا إعلاميا عبر شاشتها وقد افترق إلى حد كبير عن خط الجزيرة. ونجحت سكاي نيوز عربية التي تزامنت مع مشروع “الربيع العربي” في أن تنزع بعض جمهور الجزيرة عنها، حريصة على تبني سياسة الإمارات التي تنأى بنفسها عن التدخل في مشكلات العرب سلبا.

وحاولت الحرة أن تخرج بخطاب إعلامي جديد لا ينساق إلى لغة الوعي العربي السائدة إلا أن وجودها في الولايات المتحدة وارتباطها بشكل رسمي بالإدارة الأميركية -عوضا عن شركات تجارية تضمن لها النجاح بعيدا عن شبهة السلطة كما نجحت “سي إن إن”- قادا إلى فشلها، فيما نجحت الحرة في العراق حيث حققت نسبة مشاهدين وصلت إلى 9 ملايين حسب إحصاء جرى عام 2006، وهذه واقعة تؤرخ بداية خروج العراقيين عن دائرة الوعي العربي ما يؤشر مستقبلا آخرا لهذا البلد قد يفرد موقفه في الشرق الأوسط لو استمر التأثير الأميركي في سياسته ووعي شعبه.

نيسان ـ نشر في 2017-06-07 الساعة 14:19


رأي: ملهم الملائكة

الكلمات الأكثر بحثاً