اتصل بنا
 

حصار قطر والأسئلة الكبرى

صحافي أردني

نيسان ـ نشر في 2017-06-10 الساعة 22:08

ضربتان قويتان لحكومة قطر في أقل من 24 ساعة: تصريح البنتاغون بأن الخلاف القطري-الخليجي يعرقل قدرة الجيش الأميركي، وتصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن قطر تدعم الإرهاب، وذلك بعد اقتراح ترمب لتسمية وزير خارجيته ريكس تيلرسون مبعوثاً خاصاً للتوسط في حل الخلاف القطري-الخليجي، مما يشكل لغزاً في فهم المعضلة القطرية.
نيسان ـ

ضربتان بالرأس تلقتهما حكومة قطر، في أقل من 24 ساعة، هما: (1) تصريح البنتاغون بأن الخلاف 'القطري-الخليجي' الآخذ بالتفاقم يعرقل قدرة الجيش الأميركي على تخطيط وإدارة العمليات العسكرية من داخل قاعدة العديد، (2) تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن قطر لها تاريخ طويل على أعلى مستوى في دعم الإرهاب.

اللافت، أن هاتين الضربتين جاءتا بعد سويعات قليلة من اقتراح تقدم به ترمب، يقضي بتسمية وزير خارجيته ريكس تيلرسون، رئيس مجلس إدارة شركة إكسون موبيل، سابقاً، و'عراب' استثمارات مشاريع الطاقة الأميركية في الخليج عامة وقطر خاصة، مبعوثاً خاصاً للتوسط في حل الخلاف القطري-الخليجي.
كان قد سبق، وأن تم رصد إشارات إيجابية صدرت عن مراكز النفوذ الأميركي، قرأها مراقبون على أنها غزل صريح بسياسات الدوحة، إن لم تكن على أدنى مستوى، أنها نوع من الفرملة القسرية للموقف السعودي الإماراتي المصري البحريني، المتسارع والداعي للتصعيد. فقد أعلن البنتاغون أن تدشين قطر قاعدة العديد مكن الجيش الأميركي من الدفاع عن أمن الولايات المتحدة القومي، وأن الولايات المتحدة تشكر لقطر دورها المهم والحيوي في الإبقاء على الوجود الأميركي في المنقطة. إلى جانب إشادة البنتاغون بما وصفه أنه إسهام حكومة قطر في الحفاظ على ركائز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. وكذلك إشادة 'عراب' استثمارات الطاقة بالدور القطري، ومطالبته بتخفيف الحصار، والاحتكام إلى طاولة الحوار في حل النزاع القطري الخليجي!
هذا التباين في الموقف الأميركي، يشكل اللغز الأصعب في فهم المعضلة القطرية، ويطرح جملة من الأسئلة الكبرى! فهل حقاً شقت قطر العالم إلى نصفين، أو هل ستقفز الدوحة إلى الضفة الأخرى من الخليج وتصافح ملالي طهران، أم أنها ستخفض رأسها للعاصفة وترفع الراية البيضاء وترضخ لمطالب الرياض والمنامة وأبوظبي والقاهرة؟
يعلم الجميع أن حكومة قطر تحوز على 355 مليار دولار تم ضخها عبر صندوق الثروة السيادي في استثمارات متنوعة في كل من: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وسويسرا واسبانيا والولايات المتحدة وروسيا وتركيا، من خلال شراء أسهم وحصص في أشهر الشركات العالمية، مثل: روسنفت، فولكسفاغن، سولاروورلد، مجوهرات تيفاني، متاجر سلسلة هارودس، الشركة البريطانية للطيران، إضافة إلى بنوك كبرى مثل: باركلي، كريدي سويس، البنك الألماني، واستثمارات بالعقارات والفنادق في تركيا وبريطانيا وأميركا، وهي تملك أيضاً نادي كرة القدم الفرنسي باريس سان جيرمان.
ما الذي سيحصل مع هذه الاستثمارات ـ بما أن الجيران يتهمون قطر بتمويل الإرهاب ويقدمونها كدولة مارقة؟ هل يتم تشديد الحصار أو التوسع فيه ليصبح حظراً جوياً وبرياً وبحريا، بموجب عقوبات أممية صادرة عن مجلس الأمن؟
الحصار السعودي الإماراتي البحريني المصري، وفق تقديرات دولية، لن يؤثر على التبادل التجاري مع قطر إلا بنسبة لا تزيد عن 10% في حدها الأعلى، وهي خسارة غير موجعة بالنسبة لنظام آل ثاني. وهذا يعني أن قطر سيكون بمقدورها الصمود وتحمل الحصار لأمد طويل. فالمصرف المركزي القطري يحوز على سيولة ضخمة واحتياطي من الذهب والعملات الأجنبية تنوف عن 63 مليار دولار. وهو قادر على ضخ سيولة كبيرة في أي وقت لمنع التضخم ولمواجهة تراجع سعر صرف العملة القطرية مقابل الدولار وسلة العملات الأجنبية الأخرى.
لكن، ماذا لو أن الحصار بدأ يكتسب مفاعيل إقليمية ودولية؟ فشركة الطرود البريدية المتحدة (يو بي إس)، علقت خدماتها في قطر. كما أن وكالة (موديز) للتصنيف الائتماني، حذرت من تراجع جودة الائتمان القطري إذا استمر قطع العلاقات مع الدوحة، بل حذرت كذلك من خطر زيادة نسبة ديون قطر لا سيما الخارجية التي تبلغ 150% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يؤثر سلباً على السيولة المصرفية في الدوحة. والأمر نفسه تبنته وكالة (ستاندرد آند بورز) للتصنيف الائتماني التي خفضت تصنيف قطر إلى –AA ووضعتها على قائمة المراقبة الائتمانية ذات التداعيات السلبية، مع مخاوف من خفض جديد لتصنيف القدرة الائتمانية للاقتصاد القطري.
لا شك أن هذه المؤشرات وغيرها، ستشكل على المدى المتوسط والطويل عوامل ضغط موجعة، خاصة في ظل مخاوف من تدويل الشق السياسي للأزمة، بعدما طالبت حكومة مصر مجلس الأمن رسمياً بالتحقيق فيما قالت إنه دعم قطري للمنظمات الإرهابية ودفع حكومة الدوحة مليار دولار لتنظيم إرهابي كان يحتجز رهائن من أفراد أسرة آل ثاني الحاكمة.
ماذا لو عمد المصريون والسعوديون والإماراتيون إلى تدويل الأزمة، ماذا لو تم إصدار اتهام رسمي لنظام آل ثاني برعاية الإرهاب عن طريق مجلس الأمن وعبر رافعة أميركية مدعومة إماراتيا وسعوديا ومصريا، ماذا لو تم التوسع في الحصار ليصبح حظرا تجاريا شاملا بمباركة مجلس الأمن والأمم المتحدة وما تبقى مما كان يسمى جامعة الدول العربية؟ وماذا لو تم تجميد الأرصدة البنكية القطرية في الخارج؟
ماذا لو أصبح الأسطول الجوي التجاري القطري عاجزا عن الإقلاع والهبوط والتحليق في مسارات عربية وأوروبية وأميركية، ماذا لو لم يعد بمقدور الدوحة شراء قطع غيار وإجراء الصيانة اللازمة لأسطولها الجوي الذي سيفقد ميزته التنافسية كأحد أهم الناقلات الجوية، بعد ارتفاع كلفة التأمين وكلفة الوقود وزيادة ساعات الطيران اللازمة لبلوغ بعض وجهات السفر، بعد حرمان الطيران القطري من محطات هبوط وتحميل وتنزيل وتزود بالوقود كانت متاحة له سابقاً؟
ماذا لو طال الحصار حركة أسطول الشحن والنقل البحري القطري، وخاصة أسطول شحن منتجات النفط والغاز المسال؟ ماذا لو تم فرض حصار على إنتاج قطر من النفط والغاز، ومنعها بموجب قرارات وعقوبات أممية ودولية من البيع لسوق النفط والغاز العالمية، وحرمانها من العوائد المالية الضخمة؟
أسئلة كبيرة، تطرح نفسها بقوة على أي باحث في المعضلة القطرية، ولكل من يحاول أن يتنبأ كيف يمكن للدوحة أن تخرج من عنق الزجاجة، دون أن تنحني للشروط السعودية القاسية، خاصة وأن وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، شدد على أن بلاده 'غير مستعدة للاستسلام ولن تتهاون في الدفاع عن استقلال سياستها الخارجية'.

نيسان ـ نشر في 2017-06-10 الساعة 22:08


رأي: سعد الفاعور صحافي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً